هذا ما طالب به المجمع المقدّس الأنطاكيّ في ختام دورته العاديّة الثّانية عشرة!
وفي ختام المجمع، صدر بيان جاء فيه: "بعد الصّلاة واستدعاء الرّوح القدس واستمطار الرّحمة الإلهيّة على نفس الأسقف لوقا الخوري، استعرض الآباء جدول الأعمال بعد غياب انعقاد المجمع الأنطاكيّ لمدّة عامين بسبب جائحة كورونا. وتناولوا أوّلاً قضيّة مطراني حلب المخطوفين بولس يازجي ويوحنّا إبراهيم واستنكروا الصّمت الدّوليّ المطبق تجاه القضيّة الّتي تدخل عامها التّاسع. ودعوا إلى إطلاقهما ووضع نهاية لهذا الملفّ الّذي يختصر شيئًا ممّا يعانيه إنسان هذا الشّرق من ويلات.
رفع الآباء صلواتهم إلى الرّبّ القدير لكي يرأف بعالمه ويرفع عنه الوباء الحاضر. وصلَّوا من أجل راحة نفوس الّذين قضوا من جرّاء هذه الجائحة ومن أجل المرضى وشفائهم. كما رفعوا صلواتهم من أجل الطّواقم الطّبّيّة والخدميّة الّتي تشكّل خدمتها شهادةً حيّةً. ودعوا الجميع إلى تبنّي الحيطة في مواجهة هذا الوباء الّذي يفتك بالبشريّة جمعاء.
ونظرًا لمرور ما يقارب تسع سنوات على خطف المطران بولس يازجي دون معرفة أيّ شيء عن مصيره، اتّخذ الآباء قرارًا بالإجماع قضى بنقل المطران بولس يازجي ليكون مطرانًا على أبرشيّة ديار بكر الفخريّة، وانتخبوا الأسقف أفرام معلولي الوكيل البطريركيّ وأمين سرّ المجمع الأنطاكيّ المقدّس متروبوليتًا على أبرشيّة حلب والإسكندرون وتوابعهما.
إستعرض الآباء الخدمات الّتي قدّمها المطران نيفن صيقلي متروبوليت شهبا شرفًا والمسيرة الأسقفيّة لسيادته والدّور البارز له في خدمة الكنيسة الأنطاكيّة، وبعد المداولة، انتخب الآباء المطران نيفن صيقلي متروبوليت شهبا شرفًا متروبوليتًا أصيلاً عضوَ مجمعٍ مقدّسٍ.
كما انتخب الآباء الأسقف غريغوريوس خوري وكيلاً بطريركيًّا وأمين سرّ للمجمع الأنطاكيّ المقدّس. وانتخبوا الأرشمندريت أرسانيوس دحدل أسقفًا مساعدًا لغبطته بلقب أسقف إيرابوليس (جرابلس) والأرشمندريت موسى الخصي أسقفًا مساعدًا لغبطته بلقب أسقف لاريسا (شيزر).
تدارس آباء المجمع التّحدّيات الّتي تواجه الأرثوذكسيّة في العالم، وشدّدوا على أهمّيّة الحفاظ على الوحدة الأرثوذكسيّة، واحترام التّقليد القانونيّ للكنيسة، والابتعاد عن كلّ ما من شأنه تأجيج الخلافات القائمة وتحويل الخلافات إلى انقسامات في جسد المسيح الواحد. ودعوا في هذا المجال إلى فتح حوار شامل حول جميع المواضيع الخلافيّة المتراكمة بهدف إيجاد حلول لها تسمح باستعادة الشّركة الكنسيّة ضمن العائلة الأرثوذكسيّة الواحدة.
وإستمع الآباء إلى جملة تقارير ومداخلات قدّمها أخصّائيّون تناولت الوضع العامّ في الشّرق الأوسط والوضع الاقتصاديّ اللّبنانيّ وأفق وآمال المرحلة القادمة. وإستمعوا إلى تقارير من مجلس كنائس الشّرق الأوسط ومن مجلس الكنائس العالميّ وإلى تقرير حول معهد القدّيس يوحنّا الدّمشقيّ اللّاهوتيّ في البلمند وإلى جملة مداخلات تناولت الوضع العامّ في المنطقة وتداعيات أزمة الجائحة الصّحّيّة والانعكاس الكنسيّ لها. كما ناقش الآباء قضيّة التّهيئة والإعداد والمتابعة للكهنة وقضيّة الأبوّة الرّوحيّة وسرّ الاعتراف.
يثمّن الآباء دور المرأة الكنسيّ والمجتمعيّ ويقدّرون هذا الدّور الّذي لا يُذكر دائمًا. يشدّد الآباء على دور المرأة بوتقةً أولى ينعجن فيها الإنسان الملتزم وهو اللّبنة الأولى في بناء الأوطان والمجتمعات. ويؤكّد الآباء على تكامل دور المرأة والرّجل كنسيًّا ومجتمعيًّا في النّهوض بالواقع إلى المرتجى.
في الشّأن السّوريّ، يرحبّ آباء المجمع بالمبادرات الرّامية إلى إيجاد حلّ سياسيّ للأزمة المستمرّة من سنوات، تحترم وحدة الدّولة وتراعي حقوق الشّعب السّوريّ وتطلّعاته. ويناشد الآباء العالم النّظر إلى حجم المأساة الإنسانيّة الّتي يعاني منها الشّعب نتيجة ويلات الحرب والحصار الاقتصاديّ. ويدعون إلى العمل الجادّ من أجل رفع العقوبات المفروضة على سوريا الّتي يتحمّل المواطنون، أوّلاً وأخيرًا، أعباءها في لقمة عيشهم وصحّتهم. يدعو الآباء إلى توفير الشّروط الملائمة لعودة النّازحين والمهجّرين واللّاجئين. يعتبر الآباء أنّ خير مساعدة تقدّم للشّعب السّوريّ هي العمل على بثّ روح السّلام بين سائر مكوّناته والعمل على تقديم الدّعم المادّيّ والمعنويّ له في أرضه وليس عبر فتح أبواب الهجرة والسّفارات الّتي تستنزف الطّاقات البشريّة. كما يعبّرون عن إدانتهم لكلّ عدوانٍ يستهدف السّيادة السّوريّة ويعرّض أهلها للقتل والنّزوح والتّهجير.
يرحّب آباء المجمع بتشكيل الحكومة اللّبنانيّة بعد انتظار طويل. وهم إذ يأملون أن تعمل الحكومة الجديدة على إيجاد حلول جذريّة تساهم في رفع الظّلم الّذي يعاني منه المواطنون، الّذين صودرت أموالهم ونهبت مدّخراتهم، وباتوا عاجزين عن إيجاد أبسط مقوّمات العيش الكريم من طعام ومحروقات وتعليم وطبابة، يدعون إلى تضافر الجهود من أجل إنقاذ لبنان وشعبه من هذه الأزمة. ويدعون إلى ترك القضاء يعمل باستقلال من أجل كشف الجرائم الّتي تعرّض لها الشّعب اللّبنانيّ على مدى السّنوات الماضية والّتي أدّت إلى إفقاره ونهب أمواله، وتدمير مقوّمات الدّولة الّتي يفترض أن تحميه وتصون حقوقه. وهم يطالبون بالعمل الجدّيّ والسّريع لكشف المسؤولين عن انفجار مرفأ بيروت وعن انفجار التّليل في عكّار. ويقفون إلى جانب أهالي الضّحايا في سعيهم للوصول إلى الحقيقة ومعاقبة المسؤولين عن هذه الكارثة الّتي حلّت بالعاصمة وبأبنائها وبالوطن. كما ويصلّون من أجل الجرحى وشفائهم.
ويدعو الآباء الحكومة إلى توفير جميع المتطلّبات اللّازمة لتأمين انتخابات نيابيّة نزيهة وشفّافة، بعيدة عن التّدخّلات الخارجيّة وعن كلّ استغلال لفقر النّاس للتّأثير على مواقفهم وضمائرهم وتشويه إرادتهم. ويناشدون المجتمعين العربيّ والدّوليّ لكي يقوما بمساعدة لبنان لتحقيق الإصلاح الاقتصاديّ والماليّ والإنمائيّ المطلوب، لكي يتمكّن لبنان من استعادة عافيته ودوره.
يثمّن آباء المجمع الجهود التّعاضديّة الّتي تبذلها الأبرشيّات والمؤمنون في هذه الظّروف الصّعبة، والّتي تنبع من مسؤوليّة المؤمن تجاه أخيه الفقير والمعوز والمشرّد الّذي هو امتداد لحضور المسيح في العالم. ويدعون الخيّرين، ولاسيّما أبناءهم في دول الانتشار، إلى العمل على مساندة إخوتهم في الوطن، الّذين يرزحون تحت وطأة الصّعوبات ويعجزون عن تأمين المأكل والملبس والطّبابة والتّعليم لهم ولأبنائهم. يشدّد الآباء على أهمّيّة ومحوريّة الوجود المسيحيّ في الشّرق ويناشدون ضمائر أبنائهم الرّسوخ في الأرض الّتي استلموا فيها بشارة الإنجيل من آباءَ وأجدادٍ لم تكن أيّامهم أفضل من هذه الأيّام. إنّ وجه المسيح لن يغيب عن هذا الشّرق الّذي قاسى ويقاسي الويلات. ومع كلّ ذلك، علّق الأجداد أجراسهم في رباه ووديانه شهادةَ أصالةٍ وتجذّرٍ وعتاقةِ تاريخ وسط انفتاحٍ على الآخر من كلّ الأديان. يعي الآباء الدّور التّاريخيّ للكنيسة في الوقوف إلى جانب أبنائها في هذه الظّروف الحالكة ويؤكّدون تحسّسَهم للضّيقة المادّيّة الّتي تسعى الكنيسة بكلّ ما أوتيت من طاقات إلى التّخفيف من وطأتها عبر كافّة السّبل والإمكانيّات المتاحة.
توقّف الآباء عند ما جرى ويجري في فلسطين الّتي تُتناسى قضيّتها المحوريّة. ودعا الآباء جميع دول العالم إلى تطبيق القرارات الدّوليّة القائلة بحقّ العودة، وأكدوا أنَّ أيّ حلّ للقضيّة الفلسطينيّة خارج إطار العدالة وضمان حقوق الشّعب الفلسطينيّ يبقى حلّاً ظالمًا وغير مقبول.
يصلّي الآباء من أجل العراق ومن أجل سائر شعوب وبلدان المنطقة كما ويسألون الله أن ينير عقول المسؤولين عن مصائر الشّعوب في العالم والمنطقة لكي يتحسّسوا ما يُصيب الإنسان من قهرٍ وآلام ويبادروا إلى ما يجعل العالم أكثر سلامًا وعدلاً خاليًا من الصّراعات والعنف والجشع والاستقطابات والانقسامات.
يرفع الآباء صلواتهم من أجل سلام العالم أجمع ويضرعون إلى الرّبّ القدير أن يرسل روح سلامه ويحفظ أبناء الكنيسة الأنطاكيّة المقدّسة في كلّ مكان في الوطن وفي بلاد الانتشار."