لبنان
18 آب 2020, 07:50

هذا ما طلبه البابا فرنسيس من المشاركين في لقاء الصّداقة بين الشّعوب!

تيلي لوميار/ نورسات
نقل أمين سرّ دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين إلى منظّمي النّسخة الحادية والأربعين من لقاء الصّداقة بين الشّعوب والمشاركين فيه، والّذي سيُعقد بمعظمة بشكل رقميّ، تمنّيات البابا فرنسيس بالنّجاح، وذلك في سطور رسالة وجّهها إلى أسقف أبرشيّة ريميني المطران فرانشيسكو لامبيازي، كتب فيها نقلاً عن "فاتيكان نيوز":

"يقدّم عنوان هذا العام: "بدون تعجُّب، نبقى أصمّاء أمام المتسامي" مساهمة قيّمة ومبتكرة في مرحلة متوتّرة من التّاريخ. ففي البحث عن الخيور المادّيّة بدلاً من الخير، ركّز الكثيرون حصريًّا على قوّتهم، وعلى القدرة على الإنتاج والرّبح، وتخلّوا عن هذا الموقف الّذي يشكّل في الأطفال أساس النّظر إلى الواقع: الدّهشة. تعود إلى ذهني دعوة يسوع لكي نصبح كالأطفال وإنّما أيضًا التّعجّب أمام الكائن الّذي شكّل مبدأ الفلسفة اليونانيّة القديمة. إنّها هذه الدّهشة الّتي تحرّك الحياة وتسمح لها بالانطلاق مجدّدًا من أيّ وضع أو حالة: "إنّه الموقف الّذي يجب أن نتحلّى به لأنّ الحياة هي عطيّة تمنحنا الإمكانيّة لنبدأ على الدّوام" قال البابا فرنسيس مشدّدًا على ضرورة استعادة الدّهشة لكي نعيش "لأنَّ الحياة بدون الدّهشة تصبح باهتة واعتياديّة، وكذلك الإيمان أيضًا. إنَّ الكنيسة تحتاج أيضًا لتجدّد دهشة كونها مسكن الله الحيّ وعروسة الرّبّ وأمًّا تلد الأبناء."

لقد اختبرنا خلال الأشهر الأخيرة هذا البعد من الدّهشة الّذي يتّخذ شكل الشّفقة إزاء المعاناة والهشاشة وعدم الاستقرار. هذا الشّعور الإنسانيّ النّبيل قد دفع الأطبّاء والممرّضات إلى مواجهة التّحدّي الخطير لفيروس الكورونا بتفانٍ شديد والتزام مثير للإعجاب. كذلك سمح هذا الشّعور عينه المفعم بالمحبّة تجاه طلّابهم للعديد من المعلّمين بقبول إرهاق التّعليم عن بعد، ليؤمِّنوا لهم نهاية العام الدّراسيّ. كما أتاح أيضًا للكثيرين أن يجدوا في وجوه وحضور أفراد العائلة القوّة لمواجهة المشاكل والتّعب.

بهذا المعنى يشكّل لقاء الصّداقة بين الشّعوب دعوة قويّة للنّزول إلى أعماق قلب الإنسان عبر حبل الدّهشة. إنّ الدّهشة هي حقًّا السّبيل لفهم علامات المتسامي، أيّ ذلك السّرّ الّذي يشكّل أصل جميع الأمور وأساسها. وبالتّالي فإن لم نعزّز هذه النّظرة نصبح عميان إزاء الحياة وننغلق على أنفسنا منجذبين فقط إلى ما هو زائل ونتوقّف عن مساءلة في الواقع. حتّى في صحراء الوباء، ظهرت مجدّدًا أسئلة كانت قد أُخمدت في كثير من الأحيان: ما معنى الحياة، والألم، والموت؟ لقد ذهب العديد من الأشخاص للبحث عن إجابات أو حتّى عن مجرّد أسئلة حول معنى الحياة الّتي يتطلّع إليها الجميع، حتّى بدون أن يدركوا ذلك. وهكذا حدث شيء يبدو متناقضًا في الظّاهر: فبدلاً من إخماد عطشهم العميق، أيقظ الحجر الصّحّيّ في البعض القدرة على التّعجّب أمام أشخاص وحقائق كانت تعتبر في السّابق أمرًا مفروغًا منه. وبالتّالي أعاد هذا الظّرف المأساويّ، على الأقلّ لفترة من الوقت، طريقة أكثر أصالة لتقدير الحياة، من دون تلك الانحرافات المعقّدة والمفاهيم المسبقة الّتي تلوّث النّظرة، وتُغشّي الأشياء، وتفرغ الذّهول وتشتّت انتباهنا عن سؤالنا من نحن.

لذلك يطلق الموضوع الّذي يميّز هذا اللّقاء تحدّيًا حاسمًا بالنّسبة للمسيحيّين المدعوّين لكي يشهدوا للجاذبيّة العميقة الّتي يقوم بها الإيمان بقوّة جماله: جاذبيّة يسوع، بحسب تعبير عزيز على قلب خادم الله الأب لويجي دجوساني. وحول التّربية على الإيمان كتب البابا فرنسيس في الوثيقة الّتي يمكننا اعتبارها برنامج حبريّته: "كلُّ تعابير الجمال يُمكن أن يُعترف بها كدرب يساعد على لقاء الرّبّ يسوع. إذا كنّا لا نحبّ سوى ما هو جميل كما يؤكّد القدّيس أوغسطينوس، فالابن المتجسّد، وحي الجمال اللّامتناهي، هو محبوب للغاية ويجذبنا إليه بربط المحبّة. ولذلك من الضّروريّ أن تُدرج التّنشئة على "طريق الجمال" في سياق نقل الإيمان.

وبالتّالي يدعوكم الأب الأقدس لنتعاون معه في الشّهادة لخبرة جمال الله الّذي صار جسدًا لكي تنذهل أعيننا برؤية وجهه وتجد أنظارنا فيه روعة الحياة. هذا ما قاله القدّيس يوحنّا بولس الثّاني ذات يوم، والّذي احتفلنا مؤخّرًا بالذّكرى المئويّة لولادته: "يستحقّ الأمر أن أكون إنسانًا، لأنّك أنت يا يسوع، كنت إنسانًا". أليس هذا الاكتشاف المذهل هو أعظم مساهمة يمكن أن يقدّمها المسيحيّون للحفاظ على رجاء البشر؟ إنّها مهمّة لا يمكننا الهروب منها، خاصّة في هذا المنعطف الضّيّق من التّاريخ. إنّها الدّعوة لنكون الشّفافيّة للجمال الّذي غيّر لنا حياتنا، وشهودًا حقيقيّين للحبّ الّذي يُخلّص، ولاسيّما تجاه الّذين يعانون الآن أكثر من غيرهم."