الفاتيكان
01 كانون الأول 2020, 12:15

هذا ما يدعو إليه البابا فرنسيس القضاة!

تيلي لوميار/ نورسات
دعا البابا فرنسيس القضاة إلى إعادة التّفكير في فكرة العدالة الاجتماعيّة من خلال إظهار التّضامن والإنصاف، وذلك في رسالته المصوّرة إلى القضاة الأعضاء في لجان الحقوق الاجتماعيّة في أفريقيا وأميركا لمناسبة لقائهم الاجتماعيّ.

وكتب البابا بحسب "فاتيكان نيوز": "إنّه لمن دواعي سروري أن أكون قادرًا على مشاركتكم في هذا اللّقاء الافتراضيّ بين القضاة الأعضاء في لجان الحقوق الاجتماعيّة. في هذا الوقت الحرج للبشريّة كلّها، يشكّل واقع أنّ النّساء والرّجال الّذين يعملون من أجل تحقيق العدالة يجتمعون معًا للتّفكير في عملهم وبناء العدالة الاجتماعيّة الجديدة بلا شكّ خبرًا ممتازًا.

أعتقد أنّه من أجل بناء فكرة العدالة الاجتماعيّة وتحليلها انطلاقًا من مراجعة مفاهيميّة متكاملة، من الضّروريّ اللّجوء إلى مجموعة أخرى من الأفكار والمواقف الّتي تشكّل في رأيي، الأسس الّتي ينبغي أن ترتكز عليها. التّأمّل الأوّل يتعلّق ببعد الواقع. يجب ألّا تغيب الأفكار الّتي ستعملون عليها بالتّأكيد عن الإطار المؤلم الّذي يعيش فيه جزء صغير من البشريّة في رفاهيّة، بينما هناك عدد كبير من الأشخاص الّذين لا يتمّ الاعتراف بكرامتهم ويتمّ تجاهل حقوقهم الإنسانيّة وانتهاكها. لا يمكننا التّفكير بشكل منفصل عن الواقع. وهذه حقيقة عليكم أن تأخذوها في عين الاعتبار.

أمّا التّأمّل الثّاني فيعيدنا إلى الأساليب الّتي تتولّد بها العدالة. أفكّر في العمل الجماعيّ، يقوم به الأشخاص معًا، حيث يتحدّى جميع الأشخاص ذوي النّوايا الحسنة اليوتوبيا ويعترفون بأنّ العدل، مثل الخير والحبّ، هو أيضًا مهمّة يجب تحقيقها يوميًّا. لأنّ الخلل هو تجربة يوميّة ولذلك يجب تحقيقها يوميًّا. لكن الأمر لا يتعلّق فقط بالعمل معًا لتشكيل هذه العدالة الاجتماعيّة الجديدة. من الضّروريّ أيضًا القيام بذلك بموقف من الالتزام، باتبّاع مسيرة السّامريّ الصّالح. وهذا هو النّموذج الثّالث الّذي يجب أخذه في عين الاعتبار، وهو الاعتراف بالتّجربة المتكرّرة لعدم الاهتمام بالآخرين، ولاسيّما الاشدّ ضعفًا. علينا أن نعترف بأنّنا اعتدنا على المرور الجانبيّ، وتجاهل المواقف طالما أنّها لا تصيبنا بشكل مباشر. إنَّ الالتزام غير المشروط هو تحمّل ألم الآخر وعدم الانزلاق نحو ثقافة اللّامبالاة. لأنّه من الشّائع جدًّا أن ننظر في الاتّجاه الآخر.

لا يمكنني ألّا أذكر، كجزء أساسيّ من هذا البناء للعدالة الاجتماعيّة، فكرة التاريخ كمحور رائد. وهذا هو التّأمّل الرّابع والإلزاميّ للّذين يدَّعون إقامة عدالة اجتماعيّة جديدة لكوكبنا المتعطّش للكرامة: إضافة منظور الماضي إلى النّهج. وهذا يعني، تأمّل تاريخيّ. هناك صراعات وانتصارات وهزائم. هناك دماء الّذين بذلوا حياتهم من أجل إنسانيّة كاملة ومتكاملة. في الماضي، نجد جذور جميع الخبرات، حتّى تلك الخاصّة بالعدالة الاجتماعيّة الّتي نريد اليوم إعادة التّفكير فيها وتنميتها وتقويتها.

ومن الصّعب جدًّا أن تكون قادرًا على بناء العدالة الاجتماعيّة دون الاعتماد على الشّعب. وهذا يعني أنّ التّاريخ يقودنا إلى الشّعب، والشّعوب. ستكون المهمّة أسهل بكثير إذا أدخلنا فيها الرّغبة الحرّة والنّقيّة والبسيطة في أن نكون شعبًا، دون التّظاهر بأنّنا نخبة مستنيرة، ولكنّنا شعب، ونظهر أنّنا ثابتون ولا نتعب من العمل على ضمِّ وإدماج ورفع الّذين سقطوا. الشّعب هو الأساس الخامس لبناء العدالة الاجتماعيّة. وانطلاقًا من الإنجيل، ما يطلبه الله منّا نحن المؤمنين هو أن نكون شعب الله، وليس نخبة الله. لأنّ الّذين يتبعون مسيرة "نخبة الله" ينتهي بهم الأمر في رجال الدّين النّخبويّين الّذين يعملون من أجل الشّعب، ولكنّهم لا يفعلون شيئًا مع الشّعب، ولا يشعرون بأنّهم من الشّعب.

وأخيرًا، أقترح أنّه بما أنَّ الأمر يتعلّق بإعادة التّفكير في فكرة العدالة الاجتماعيّة، أن تقوموا بذلك من خلال إظهار التّضامن والإنصاف. التّضامن في المكافحة ضدّ الأسباب الهيكليّة للفقر وعدم المساواة وغياب العمل والأرض والسّكن. الأرض والسّقف والعمل، هذه الأمور الثّلاثة الّتي تجعلنا نحافظ على كرامتنا. بإختصار، النّضال ضدّ الّذين ينكرون الحقوق الاجتماعيّة وحقوق العمل. من خلال محاربة تلك الثّقافة الّتي تؤدّي إلى استخدام الآخرين واستعباد الآخرين وينتهي بها الأمر إلى تجريد الآخرين من كرامتهم. ولذلك لا تنسوا أبدًا أنّ التّضامن، في أعمق معانيه، هو طريقة لصنع التّاريخ.

العادلون هم الّذين ينصفون. العادلون، يعرفون أنّه عندما نلجأ إلى القانون، نعطي الأشياء الضّروريّة والأساسيّة للفقراء، ولا نعطيهم أشياءنا، ولا أشياء الغير، بل نعيد لهم ما هو لهم. لقد فقدنا في غالبيّة الأحيان فكرة أن نعيد لهم ما يخصّهم. لنبنِ العدالة الاجتماعيّة الجديدة إذًا من خلال الاعتراف بأنّ التّقليد المسيحيّ لم يعترف أبدًا بالحقّ في الملكيّة الخاصّة على أنّه حقّ مطلق ولا يمكن المساس به وقد أكّد على الدّوام على الوظيفة الاجتماعيّة في جميع أشكالها. إنَّ حقّ الملكيّة هو حقّ طبيعيّ ثانويّ ينبع من الحقّ الّذي يتمتّع به الجميع، والّذي ولد من الوجهة العالميّة للخيور المخلوقة. ولذلك لا توجد عدالة اجتماعيّة يمكنها أن تقوم على الظّلم الّذي يفترض تركيز الثّروات.

أيّها القضاة الأعزّاء، أتمنّى لكم يوم تأمّل رائع. آمل أيضًا أن يكون كلّ ما ستبنونه على العدالة الاجتماعيّة أكثر من مجرّد نظريّة، وإنّما ممارسة قضائيّة جديدة ومُلحّة، ستساعد في ضمان اندماج الإنسانيّة في الملء والسّلام في المستقبل القريب. أتمنّى لكم الأفضل. وليبارككم الرّبّ."