لبنان
20 حزيران 2019, 12:30

هكذا أحيت زحلة عيد أعيادها في "خميس الجسد"

تحت شعار "كنيسة واحدة لمجد الله"، إحتفلت مدينة زحلة بعيد أعيادها، خميس الجسد الإلهيّ، والذّكرى الرّابعة والتّسعين بعد المئة للأعجوبة الإلهيّة الّتي أنقذت المدينة من وباء الطّاعون، في سلسلة قدّاسات في كنائسها مختلفة في الصّباح الباكر، ثمّ ترأّس النّائب الأسقفيّ العام ّالأرشمندريت نقولا حكيم قدّاسًا احتفاليًّا في كاتدرائيّة سيّدة النّجاة، عاونه فيه لفيف من الكهنة، بحضور راعي أبرشيّة الفرزل وزحلة والبقاع المطران عصام يوحّنا درويش وجمهور غفير من المؤمنين.

 

بعد القدّاس، انطلق الموكب باتّجاه سراي زحلة سالكًا حارة مار الياس، حضانة الطّفل، المدافن حيث أعطيت البركة وصلّى الجميع لراحة أنفس الموتى المؤمنين، حيّ مار مخايل ومار جرجس وصولاً إلى السّراي.
وفي كاتدرائيّة مار مارون المارونيّة في كسارة ترأّس مطران الموارنة جوزف معوّض القدّاس الإلهيّ، بمعاونة لفيف من الكهنة، وبعد القدّاس انطلق الموكب باتّجاه كنيسة مار جرجس وكنيسة مار الياس وكنيسة مار يوسف في حوش الأمراء، ومن ثمّ باتّجاه حيّ السّيّدة حيث التقى بالموكب الصّاعد من كنيسة السّيّدة حيث احتفل راعي أبرشيّة زحلة للسّريان الأرثوذكس المطران بولس سفر بالقدّاس الإلهي،ّ واتّجه الموكبان نحو ساحة المعلّقة، حوش الزّراعنة وصولاً إلى حيّ الميدان. وعند السّاعة السّادسة صباحًا ترأّس مطران الرّوم الأرثوذكس تيودور غندور القدّاس الإلهيّ في كاتدرائيّة القدّيس نيقولاس للرّوم الأرثوذكس والتقت المواكب في ساحة الميدان وتوحّدت في مسيرة واحدة نحو السّراي نقطة لقاء المواكب كافّة، حيث احتشدت فعاليّات المنطقة استقبالاً للموكب الكبير، وقد تواجد على المنصّة الرّسميّة المطارنة الأربعة ولفيف من الكهنة.

وللمناسبة ألقى المطران درويش كلمة قال فيها:
"متى يصير المصلّي كلمة يا ربّ؟ أعطِنا أن نجوع إلى كلماتٍ من فمك المقدّس حتّى لا نصطنع كلماتٍ لا شبَعَ فيها. كلماتُك المنسكبة علينا من المائدة الإلهيّة تلِدُنا من جديد، فندرك أنّها وحدَها الطّعام. لذلك يقول بعض كبارنا الرّوحيّين: "خيرُ الصّلاة إذا صَمَتَ الكلامُ ودعا القلب"... نحن لسنا شموسًا يا ربّ. نحن لك مرايا. أنتَ خبزُ الحياة. حَسْبُنا أن نوزّعه ونختفي.
منذ 194 سنة حافظ الآباء والأجداد على هذا التّقليد المقدّس، ونحن من بعدهم نتبارك بمرور يسوع المخلّص بيننا، فهو يسير معنا، يبارك مدينتنا، يبارك عائلاتِنا، صغارنَا وشبابَنا وكبارَنا.
لقد اتّخذنا هذه السّنة شعارًا لهذا اليوم المقدّس: "كنيسة واحدة لمجد الله". نسأله أن يساعدنا لنعمل معًا يدًا بيد، من أجل وحدتنا، من أجل أن نكون فعلاً كنيسة واحدة ورعيّة واحدة، نسألهُ أن تكون زحلة عاصمةَ الوحدة المسيحيّة.
فيا أحبّتي! مرّة جديدة نناشدكُم، نحن أساقفةَ المدينة، نحن أباءَكم الرّوحيّين. تعالَوا نتعالَ عمّا يفرّق بينكم، تعالوا نشبكْ أيديَنا وقلوبَنا ونقاومَ كلَّ انقسام، لأنّ وحدتَنا هي سرُّ قوّتِنا وسرُّ وجودنا وبقائِنا. بوحدتنا نكونُ المنارة، وبتضامننا نكون أقوياء وتكون منارتُنا أشملَ وأسطع.
لنصلِّ لتكونوا مَصُونين من كلِّ خطر، وليحفظِ الرّبُّ جميع الّذين يسهرون على أمننا ويُديرون شؤونَ حياتنا، ويباركِ الّذين نظّموا الاحتفالَ بهذا العيد.

وأخيرًا نتوجّه إليك أيّها السّرّ العجيب، يا سرَّ التّجسّد الإلهيّ، هذه زحلة خاشعة في يومك المقدّس. زحلة الوفاء، زحلة التّراث، زحلة الإيمان. مسيرةٌ متجدّدة، حافَظَ على سِماتِها رعيلٌ من الأساقفة والكهنة تعاقبوا منذ مئة وأربعة وتسعين سنة، وحافظوا على وديعة الإيمان وجوهرِ الدّين، فكانوا صورةَ بهيّةً للمدينة، المدينة المتوحّدة بالله، والمؤمنة بإنسانها. و يا أيّها الاله الّذي تواضع وسكن جسدًا، أيّها الّذي بسط يديه على الصّليب لأجل مغفرة الخطايا. وسِّع مساكنَك في العقول والقلوب، في عقول حكّامنا وجنودنا، وفي قلوب تجّارِنا وصُنّاعِنا. سدّد خطواتِ مزارعينا، وبارك مواسمَهم. فَولِذْ سواعدَ شبابِنا، أنر عقولَ طلّابِنا، جدّد دعواتِ الكهنة والرّهبان والرّاهبات وكثّرها، واخلق فيهم روحَ القداسة وعطرَ الرّسوليّة. شُعَّ بأنوارك على مؤسّساتنا كافّة. أيّها الرّبّ، بسخطك يعتدي الخطأة، وبعدلك يحتمي الضّعفاء، فذكّرنا بهما في هذا اليوم الّذي يُجسّدُ عيد أعياد زحلة. آمين!".
وبارك الأساقفة بعدها المؤمنين وانطلقوا بموكب موحّد باتّجاه بولفار زحلة، شاركت فيه المدارس والجمعيّات الكشفيّة وحركات الشّبيبة، فسلكوا الطّريق نحو مدخل وادي زحلة، فالكلّيّة الشّرقيّة وحارة الرّاسيّة وصولاً إلى كاتدرائيّة سيّدة النجّاة، حيث منح المطران درويش البركة للمؤمنين، وألقى كلمة فقال:

"ها قد عدنا إليكِ يا سيّدة النّجاة...عبقُ البخور يسبقنا... أصواتُ المرنّمين تبشّر بعودة المؤمنين إلى ظلّ كنفك... شبيبتُنا وأفواجُ الكشّافة، أطفالُنا والحركات الرّسوليّة، يهلّلون طربًا، وأجراس الكنائس تزغردُ فرحًا. إجعلي يا عذراء مسيرة هذا اليوم المبارك مثمرة... وليكن حاملاً البركة لعيالنا، والسّلام لنفوسنا، والأمان لحياتنا، فأنتِ الأمّ يا مريم... مدّي يدكِ وباركي أرضنا... باركي عيالنا، شبابنا وأطفالنا، إشفِ مرضانا... قوّي إيماننا وازرعي في قلوبنا حبّ الله، أنتِ الشّفيعة الحارّة لدى ابنك فنشكرك إلى أبد الآبدين... آمين".
وبعد التّطواف ترأّس المطران درويش قدّاسًا في كاتدرائيّة سيّدة النّجاة، شكر فيه الرّبّ على اليوم الإيمانيّ الطّويل، وقال في عظته:
"قال يسوع وهو يعلّم في المجمع: "أنا خبز الحياة الّذي نزل من السّماء. من يأكل من هذا الخبز يحيَا للأبد. والخبز الّذي أنا أعطيه هو جسدي الّذي أبذله ليحيا العالم" (يو6/51).
تعيّد الكنيسة للجسد الإلهيّ يوم الخميس بعد العنصرة بعشرة أيّام. وفيه يحتفل المسيحيّون بسرّ القربان المقدّس، إنّه يوم خاصّ يُكرَّمُ فيه بامتياز جسد ودمّ ربّنا يسوع المسيح.
نحن في زحلة نعطي هذا العيد أهمّيّة كبيرة، فهو عيد أعيادنا، ومنذ 194 سنة ما زلنا نحافظ على التّقليد بأن نبارك مدينتنا بزيّاح القربان المقدّس بشوارعها وساحاتها وكنائسها، وقد جعلنا هذا التّقليد مقدّسًا.

العيد الأساسيّ هو يوم الخميس المقدّس في أسبوع الآلام، يوم أسّس المسيح الإفخارستيّا قبل موته على الصّليب. لكن الكنيسة تريد أن تعطينا فرصة ثانية خلال السّنة لتساعدنا لنفهم معنى الإفخارستيّا ولنتذكّر العشاء الأخير مع المسيح.

منذ أحدين، عيّدنا للعنصرة، أمّا الأحد الفائت فعيّدنا لجميع القدّيسين، والآن نعيّد للقربان المقدّس.

ففي العنصرة ولدت الكنيسة وحلّ الرّوح القدس على التّلاميذ وعلى كلّ من انتمى وسينتمي للكنيسة، وفي عيد جميع القدّيسين علّمتنا الكنيسة أنّ القداسة هي عمل الرّوح القدس وهي دعوة موجّهة إلى كلّ مسيحيّ. واليوم يفهمنا المسيح في عيد الجسد أنّه يهتمّ بنا بشكل مميّز فهو حاضر في كنيسته وقد وضع ذاته بتصرّفنا بشكل دائم، يقدّم لنا ذاته غذاء روحيًّا وذلك من خلال سرّ الإفخارستيّا.

في اللّية الّتي سبقت موته، قدّم يسوع إلى تلاميذه العشاء الأخير. كان هذا العشاء مميّزًا، ففيه أظهر لهم عمق محبّته.

أعطاهم وصيّته بالكلمات والمثل: المثل عندما غسل أرجلهم، ثم أخذ خبزًا وبارك الخبز وقال لهم: "هذا هو جسدي.. إصنعوا هذا لذكري. ثمّ فعل ذلك بالخمر قائلاً لهم: إشربوا من هذا...
بهذا العمل ركّز يسوع على حضوره المميّز معنا ودعانا لنحتفل بحضوره بالطّريقة ذاتها على هذا الهيكل وفي هذه الكنيسة وفي قلوبنا.

لقد هيأ يسوع لهذا السّرّ عندما أكثر الخبزات الخمس والسّمكتين وأطعم الخمسة آلاف من الشّعب. فقد أخذ الخبز، بارك، كسر ثم أطعم الشّعب، لقد كانت هذه الأعجوبة بداية الإفخارستيّا.

فلنبارك الرّبّ ونشكره على هذه العطيّة الّتي تسمح لنا بأن نتّحد بالمسيح بأفضل وأروع طريقة."