دينيّة
31 أيار 2020, 13:00

هكذا ارتبطت مسيرة مريم بالرّوح القدس!

ريتا كرم
هي أيقونة الرّوح القدس، الخليقة الأولى الّتي فعل فيها الرّوح فملأها نعمة وقداسة. هي مريم العذراء أمّ يسوع الّتي منذ أن حُبل بها، وُجدت بريئة من دنس الخطيئة الأصليّة، فسكب الرّوح عليها فائض نعمته، ومنحها قلبًا يقتدي به المؤمنون، قلبًا تكلّم عنه الأنبياء. فإتّشحت العذراء بثوب قداسة، مصدره الرّوح معطي الحياة، هذا الرّوح الّذي صيّر إبنة النّاصرة خليقة جديدة تكوّن في أحشائها مَن سيصبح فادي البشريّة.

فمنذ بشارة الملاك لها، قبلت فعل الرّوح الّذي سينزل عليها فتتظلّل بقدرة العليّ، ويكون المولود منها قدّوسًا يُدعى "ابن الله". فنطقت بالـ"نَعَم" يومها، "نَعَم" سترافقها حتّى الجلجلة، وباتت بذلك هيكلاً للرّوح القدس، لروح النّبوّة والقوّة والعهد، الّذي سيرشد خطاها في مسيرة الفرح والنّور والحزن والمجد.

تجلّى الرّوح القدس في حياة هذه التّقيّة العذراء كذلك يوم زارت بيت زكريّا، حيث تمّ لقاء مريم وأليصابات، لقاء بشرويّ بين أمّين أرادهما الله أن تساهما في مسيرته الخلاصيّة، فتلدان يوحنّا السّابق أعظم مواليد النّساء ويسوع المسيح مخلّص البشريّة. فبلغت الزّيارة ذروتها معانقة السّماء، وكأنّ همس الرّوح أيقظ في أليصابات روح النّبوّة وجعلها تتعرّف إلى والدة الإله، فامتلأت من الرّوح القدس، وهتفت: "مباركة أنت في النّساء ومباركة ثمرة بطنك، من أين لي أن تأتي إليّ أمّ ربّي"، فأجابت مريم: "تعظّم نفسي الرّبّ!".

في عرس قانا الجليل، ظهر الرّوح كعامل محوّل لمجرى الأمور، ومترجم لمحبّة الله الكبرى. ففيه دفع الرّوح مريم إلى ولادة ابنها إلى الحياة العلنيّة، فيصنع آيته الأولى ويحوّل الماء إلى خمر، وينطلق في مسيرته نحو الصّليب، نحو السّاعة الّتي فيها يمجّد ابن الإنسان، ويُسلم الرّوح: روح العهد. وفي عرس الدّمّ هذا الملتحف بالألم والمجد، أمدّ الرّوح الأمّ المتألّمة بمحبّة فائقة بثوب القوّة، فتقبّلت من شِفاه ابنها شهادته الأخيرة، أيّ رسالتها الأموميّة نحو ابنها المختار يوحنّا "التّلميذ الحبيب"، لتكون بذلك بداية لأمومتها الرّوحيّة للبشريّة جمعاء. (بولس السّادس).

وفي العنصرة، أيّ في اليوم الخمسين بعد القيامة، في عيد حلول الرّوح القدس على مريم والرّسل في العلّيّة، تحقّقت ولادة شعب العهد الجديد، ولادة الكنيسة، قدوتها مريم في الإيمان والمحبّة والاتّحاد التّامّ بالمسيح.

هكذا، ارتبطت مسيرة مريم بالرّوح القدس، منذ البشارة موعد حلول روح الله عليها ليكوّن في أحشائها الطّاهرة جسد الإله المتأنّس، وصولاً إلى العنصرة موعد تكوين الكنيسة: جسد المسيح السّرّيّ.

واليوم في ختام الشّهر المريميّ وأحد العنصرة، نرفع إليكِ يا نجمة السّماء أنظارنا وسط رياح التّجارب القويّة وأمواج الشّرّ العاتية ومخالب الوباء القاتلة، ونسألكَ يا الله أن تُرسل من السّماء شعاع نورك، ونردّد صلاة الرّوح القدس قائلين: "هلمّ يا أبا المساكين، هلمّ يا معطي المواهب. هلمّ يا ضياء القلوب... طهّر ما كان دنسًا، إسقِ ما كان يابسًا، إشفِ ما كان معلولاً، ليّن ما كان صلبًا، أضرم ما كان باردًا، دبّر ما كان حائدًا أعطِ مؤمنيك المتّكلين عليك المواهب السّبع، إمنحهم ثواب الفضيلة، هب لهم غاية الخلاص، أعطهم السّرور الأبديّ، آمين!".