ثقافة ومجتمع
01 آب 2019, 07:00

هُمْ "الوطن"!

ريتا كرم
في منازلهم ينامون كلّ ليلة لا يخدمون فيها وطنهم، يتسامرون مع الأهل والأصحاب والجيران، يلعبون ويضحكون مع أطفالهم، يحلمون بالمستقبل مع زوجاتهم ويطلبون رضى والديهم. كلّ زاوية في بيوتهم لها ذكرى خاصّة، في كلّ غرفة حكاية أو حادثة تروي عن شغبهم وهم أطفالاً وعن طرافتهم وهم يكبرون، كلّها تشهد على أحزانهم وأفراحهم.

 

هم عندما يفتحون باب البيت ويغادرونه يحملون في جعبتهم كلّ الذّكريات خوفًا من ألّا يعودوا سريعًا من مهمّة استجدّت. يتأمّلون في كلّ التّفاصيل ويخزّنوها عبر نظرهم من دون أن يغفلوا شيئًا، يحدّقون في عيني أفراد عائلاتهم يتمنّون لو لم يناديهم الواجب الوطنيّ، يرسمون ابتسامات ترتجف لخوفهم من أن يكون اللّقاء الأخير الّذي يجمعهم بأحبّائهم، يتخيّل الآباء منهم أطفالهم يتخرّجون من جامعاتهم، ويتخطّون السّنوات بلحظات فيرون أنفسهم في يوم زفافهم، وتدمع حينها العينان ليس فقط فرحًا بالمشهد ولكن خشية أن يغيبوا بالجسد فيكون طيفهم هو وحده الحاضر بينهم في أهمّ أيّام حياتهم.

في تلك الأثناء، يكاد القلب يتوقّف نبضه لزحمة المشاعر، فيصمت الضّجيج وتتوقّف الحركة وتبقى العيون تتخاطب صمتًا خائفة من كلمة "الوداع"، وتتصافح الأيدي وتتعانق الأجساد، ويدير ذاك الرّجل- الّذي ينضج سنوات في ثوانٍ- ظهره، ويرحل على أمل العودة. وتبقى عيون المودّعين تعاين البذلة العسكريّة من الخلف حتّى يغيب طيفه فيختفي، وعلى الشّفاه تمتمات ودعاءات بالعودة السّريعة والسّليمة.

هم "الوطن" بذاته، فإن مات تيتّم المواطنون، وغاب السّند وولّى الأمن.

هم من نخاف عليهم في الجبهات والمعارك. هم من نعتزّ ببذّتهم ونثق بخطوات أقدامهم.

هم أبناء وأشقّاء وأصدقاء وأزواج وآباء! هم من نسلّم أمرهم، اليوم في عيدهم، إلى قائد المجوقل: إلى الله، ليحفظ خطواتهم فيعودوا بعد كلّ غيبة سليمين إلى عائلاتهم، ويُزفّوا إليهم منتصرين "أحياء" لا "شهداء" مغطّين بأعلام أوطانهم.