ثقافة ومجتمع
08 أيار 2019, 13:00

وإنطفأت عَينا جميل زغيب!

ماريلين صليبي
لغة العينين أقوى من أيّ نطق أو حركة. فالعينان نبع يفيض سحرًا عظيمًا وكلامًا شلّالًا وحركة فضفاضة ومعرفة لامتناهية وإيمان يُزرع برعمًا في القلب وينبت استمرارًا فرِحًا في حياةٍ شاءت الظّروف أن تجعلها صعبة. هذه الحقيقة باتت ملموسة في قصّة الدّكتور جميل زغيب. فهي هاتان العينان ما جعلتا من طبيب الأطفال هذا أيقونة للصّبر والمثابرة والقوّة والتّحمّل، إذ لم يغيّر مرض الـ ALSأو التّصلّب الجانبيّ الضّاموريّ حياته بشكل جذريّ بل حوّل عينيه إلى سبيل يغيّر هو مصير هذا المرض.

 

العجز معه بات قوّة، والعينان المتميّزتان أصبحتا قبل 11 عامًا تغلّبًا على المرض ومواجهة مع المجتمع. إلّا أنّ مشيئة الرّبّ أرادت إغماض هاتين العينين ليرقد صاحبهما في سبات عميق على فرشة احتضنته سنوات عاجزًا عن الحركة إنّما قادرًا على الإنتاج.

غاب إذًا صاحب الصّراخ الصّامت والقلب النّابض ليترك خلفه آثار كتابة شيّقة ومسيرة قيّمة عنوانها القوّة والإصرار. وفي يوم دفن جثمانه، لفتة من موقع "نورنيوز" لاستعادة صمته النّاطق من خلال إعادة نشر مقابلة قام بها فريق الموقع مع الدّكتور جميل زغيب قبل سنوات. هو استرجاع لكلمات تفوّهت بها عيناه لتجعل سامعيها يرسمون طريقًا عنوانه العزم والقدرة على التّحمّل.

"زغيب تمكّن من خلال برنامج إلكترونيّ ناطق، وبواسطة عينيه، كتابة أربعة كتب وترجمتها إلى اللّغة العربيّة و/أو الإنكليزيّة ليساوي مجموعها تسعة كتب.

زغيب أنشأ صفحة على موقع "فايسبوك" للاستشارات والإرشادات الطٌبيّة، مشاركًا أيضًا في أكثر من أربعين محاضرة حول العالم وفي مقابلات تلفزيونيّة وإذاعيّة عديدة.

زغيب عمل على وثائقيّ خاصّ بعنوان  "Jamil, a flying soul"عام 2015 ، يحكي قصّته مع المرض بهدف نشر الأمل في نفوس مشاهديه. شهادة الحياة هذه عُرضت في صالات السّينما اللّبنانيّة وفي الجامعات، وكان لجائزة "الموريكس دور" لفتة للدّكتور جميل زغيب من خلال تكريمه وتسليمه جائزة.

زغيب أنشأ جمعيّة الـALS  التي تهتمّ بالمصابين بمرضى التّصلّب الجانبيّ الضّاموريّ وتلبّي حاجاتهم اليوميّة.

وها هي عبرة للجميع، من على لسان -أو بالأحرى- من عيني زغيب: مهما صادفتم من مصاعب وأهوال، يمكنكم التّغلّب عليها، فلديكم القدرة على تغيير ظروفكم. لاحقوا أحلامكم، مهما كانت. حياتكم مغامرة ما زالت تُكتب، إبدأوا بكتابة الفصل الأوّل الآن! إملأوه بالمغامرة والإيمان بالله والعطاء والأعمال الصّالحة والمحبّة، وعيشوا قصّتكم تمامًا كما تكتبونها!"

أمام هذه الكلمات، لا بدّ من أن يودّع لبنان الدّكتور جميل زغيب بدمعتين مزدوجتين، أوّلهما حزنًا لغياب إنسان جبّار مثله، والثّانية دمعة فرح بأنّ المسيح حاضر لجعل ضعفنا قوّة في كلّ مرّة يشاء القدر قيادة قارب حياتنا بعكس الرّياح فتعصف المصائب الضّاربة.

وفي غياب الدّكتور جميل زغيب، شمعة مضاءة تذوب رويدًا رويدًا لتضيء دروب يأسنا القاتم.