ثقافة ومجتمع
26 آب 2016, 08:00

وتزلزت إيطاليا!

ريتا كرم
هي تبدو اليوم كساحة انهالت عليها القذائف من كلّ حدب وصوب في معركة شرسة: بيوت مهدّمة، ركام ودمار في كلّ الأرجاء، غبار يتطاير من الأرض نحو السّماء من تحت الأنقاض، 250 قتيلاً إلى الآن و365 جريحاً وثلاث بلدات مدمّرة بالكامل في حين تتهامس آمال ضئيلة في العثور على ناجين ومفقودين يصعب تقدير عددهم. حضارة تعود إلى مئات القرون الغابرة تزول بفعل حركة خرجت من باطن الأرض فاهتزت وتشقّقت الصّخور وتشكّلت أمواج زلزاليّة ضربت في كلّ الاتّجاهات وتفجّرت وهدّمت معها ما تهدّم في القسم الشّماليّ الشّرقيّ من العاصمة روما، في زلزال قويّ ضربها فجر الأربعاء بلغت درجته 6.2؛ وإزاء هذا المشهد الّذي هزّ العالم بنفس القوّة، وقفت الكنيسة المحلّيّة والعالميّة مؤازرة لأبنائها كأمّ تحتضن ابنها المتألّم في وقت شدّته ووجعه.

 

هي لم تكتفِ بالخطابات وشعارات التّضامن، فأوّل لفتة كانت بابويّة إذ علّق الحبر الأعظم تعليمه الأسبوعيّ غداة الزّلزال، وتوجّه إلى ساحة القدّيس بطرس في الفاتيكان، في الموعد المحدّد، وعلى وجهه علامات حزن شديد واضطراب كبير بسبب فداحة الكارثة الّتي أودت بحياة الكثير من الأطفال أيضاً. وبدل التّعليم المعهود، أخذ مسبحته وطلب من جميع الموجودين مشاركته الصّلاة وتلاوة "أسرار الحزن" طلباً لتعزية القلوب المتألّمة وإمدادها بالسّلام بشفاعة مريم العذراء، مؤكّداً بذلك على معانقة الكنيسة لشعبها في تلك المناطق المنكوبة ساكبة عليهم حبّاً أموميّاً يطيّب الوجع الّذي يمزّقهم.

الصّدمة كانت قويّة على الجميع، فسكّان تلك المناطق خسروا كلّ شيء في لحظة قرّرت فيها الطّبيعة أن تنتفض، غير أنّ مجلس أساقفة إيطاليا هبّ للإغاثة فخصّص مليون يورو لتلبية الاحتياجات الأوّليّة وأعلن عن حملة تضامن وطنيّة لجمع التّبرّعات تُقام في الثّامن عشر من أيلول/ سبتمبر المقبل في جميع الكنائس الإيطاليّة، تزامناً مع المؤتمر القربانيّ الوطنيّ السّادس والعشرين. هذا فضلاً عن تجنيد كاريتاس إيطاليا نفسها لتأمين المساعدات للمتضرّرين وتخصيص مبالغ ماليّة تسندهم.

ولم تبخل الكنيسة في العالم أيضاً عن الإعلان عن قربها من الشّعب الإيطاليّ مبدية مشاعر الأخوّة والمحبّة.

وبين الإعانات المادّيّة والجرعات المعنويّة، أحيت الكنيسة الإنسانيّة ومبادئها، وكأمّ حضنت ولدها لتغلّف قلبه بالمحبّة العظمى وتعلّمه أنّه في الألم وحدها الصّلاة تقوّي وتشفي، وفي المحن لا تتخلّى عنه إذ تحمل معه الصّليب وتسير أمامه في درب الجلجلة لأنّها واثقة بالقيامة.

واليوم، نرفع الصّلاة من أجل كلّ ضحايا هذا الزّلزال الّذي يأبى أن ينتهي من دون أن يترك بصمة جديدة، فخلّف بالأمس أكثر من 40 هزّة ارتداديّة وصلت قوّة بعضها إلى 3.8 درجات عند منتصف اللّيل. ونطلب من الله أن يُدفئ من تشرّدوا وسكنوا الخيم، ويبارك من فتح بيته ليأوي المنكوبين ويعضد الكنيسة والأيادي البيضاء فيآزروهم في شدّتهم، آمين.