وفود إلى الدّيمان وتأييد لموقف البطريرك الدّاعي إلى "حياد لبنان"
وبعد اللّقاء قال الوزير السّابق ناظم الخوري: "تشرّفنا مع وفد من "لقاء الجمهوريّة" بزيارة صاحب الغبطة والنّيافة البطريرك بشارة الرّاعي لشكره على موقفه الوطنيّ التّاريخيّ المطالب بوحدة لبنان وحياده، والّذي أعاد إلى اللّبنانيّين الأمل في إنقاذ البلاد وأعاد التّوازن للحياة السّياسيّة.
إنّ موقف غبطته يعيد للشّباب الثّائر منذ 17 تشرين والباحث عن الهجرة أملاً في البقاء موصول بأمل استعادة السّيادة وتعافي الاقتصاد كنتيجة فوريّة لتحييد لبنان عن صراعات المحاور.
لقد أعادت صرخة الدّيمان شيئًا من التّوازن المفقود إلى الحياة السّياسيّة بعد انزلاق البلاد إلى أحد محاور الصّراع والانخراط فيه، عبر التّشدّد على مبادئ السّيادة وحصر السّلاح بالمؤسّسات الشّرعيّة وتصويب السّياسة الخارجيّة. تلك المبادىء المرتكزة على "إعلان بعبدا" الّتي دأب "لقاء الجمهوريّة" على تكرارها والعمل على إرسائها في مختلف نشاطاته بهدف استكمال تطبيق الطّائف توصّلاً إلى الدّولة المدنيّة السّيّدة فقط.
واذ يدعو "لقاء الجمهوريّة" من هذا الصّرح المواطنين كافّة، المقيمين والمنتشرين وهيئات المجتمع المدنيّ والمرجعيّات الدّينيّة والسّياسيّة إلى الالتفاف حول نداء البطريرك لجعله حقيقة على طريق إنقاذ لبنان، يضع إمكاناته الفكريّة والسّياسيّة والبشريّة بتصرّف صاحب الغبطة والنّيافة لبلورة الأفكار والسّبل والخطوات الواجبة الإجراء."
وكان البطريرك الرّاعي استقبل صباحًا وفدًا من أطبّاء مجموعتي Pyramid health care والقمصان البيض والّذي ضم نقيب أطبّاء الشّمال السّابق عمر عيّاش، البروفيسور جورج غانم، والأطبّاء سوزان سربيه، محمد البابا، وجدي أبي صالح، جان أبي يونس، إيلي شمّاس وهادي مراد ورجل الاقتصاد ماجد فتّال.
وبعد اللّقاء تحدّث النّقيب عيّاش باسم الوفد وقال: "لقد جئنا اليوم أطبّاء وصيادلة من مجلس القمصان البيض وPyramid Health Care إلى المقرّ البطريركيّ في الدّيمان، الصّوت الجامع لكلّ أبناء الوطن بكلّ طوائفهم ومناطقهم وتطلّعاتهم الوطنيّة. إلتقينا غبطة البطريرك الرّاعي لندعم موقفه الوطنيّ التّاريخيّ بدعوته لحياد لبنان وتحييده عن الصّراعات الإقليميّة والدّوليّة، مدركين كم هو رجل سلام ولكن في آن معًا مدافعٌ شرس عن سيادة لبنان واستقلاله ووحدة وسلامة أراضيه. كما إنّنا نؤيّد وندعم مساعيه مع المجتمع الدّوليّ لتطبيق وتنفيذ كافّة القرارات الشّرعيّة والدّوليّة وبناء دولة القانون والمؤسّسات ليكون لبنان وطنًا نهائيًّا لجميع أبنائه. هذا وقد سلّمناه نسخة عن الوثيقة المطلبيّة وخارطة الطّريق الّتي أطلقتها منصّةً pyramid في مؤتمرها الصّحافيّ سابقًا.
عرض الأطبّاء والصّيادلة ما يعانيه القطاع الصّحّيّ بموضوع الدّواء وتحديدًا الأدوية المستوردة من سوريا أو إيران مع عدم إجراء أيّة فحوصات مسبقة لجودتها وفعاليّتها في المختبرات الأربعة عشر المعتمدة من قبل وزارة الصّحّة اللّبنانيّة، خصوصًا أنّه تمّ تسجيل وتسعير عدد جديد من الأدوية على موقع وزارة الصّحّة بدون خضوعها للتّجارب السّريريّة، وهي غير مصدّق عليها عالميًّا، وهذا يخالف جهًرا المادّة الثّانية من المرسوم 571 لوزارة الصّحّة الّذي يتّبعُ إرشادات منظّمة الصّحّة العالميّة والـ FDA والـ EMA فسألنا غبطة البطريرك: هل بات لبنان حقل تجارب لتنفيذ أجندات سياسيّة على حساب المريض الموجوع؟ ألا يكفي أنّهم سرقوا مالنا وأحلامنا، والآن يسرقون ما تبقّى من صحّتنا؟
أمّا القطاع الاستشفائيّ فإنّه يعاني من عجز في السّيولة الماليّة بسبب انهيار سعرالصّرف وتلاعبه، وامتناع الجهات الضّامنة الرّسميّة والخاصّة عن دفع متوجّباتها، وتعرقل الموافقات للتّحويلات المصرفيّة، وعدم دعمِ المؤسّسات الاستشفائيّة. كلّ ذلك أثّر سلبيًّا على قدرة المستشفيات على المحافظة على جودة الخدمة المميّزة وزاد في النّقص في المعدّات والتّجهيزات الطّبّيّة الضّروريّة والأدوية اللّازمة ممّا اضطرّ البعض لاستيراد بديل عنها بجودة أقلّ حسب ما تسمح السّيولة النّقديّة المتوفّرة. بإختصار "مستشفى الشّرق" ينهار ويحتضر في وقت تُغرّد فيه الحكومة والوزارة المختصّة بشعارات شعبويّة وسياسات صحّيّة فلكيّة. أمّا الخاسر الأكبر فهو صحّة المواطن.
كما أكّدنا لغبطته أنّ سلطة المحاصصات الطّائفيّة الفاسدة جعلت الوطن رهينة للقرارات السّياسيّة المرتبطة بمحاور لا تشبهنا، وحملت المواطن وخصوصًا المريض اللّبنانيّ وزْر أخطاء الحكومات السّابقة الّتي أبدعت في نسف النّظام الطّبّيّ والصّحّيّ متجاهلة في ذلك شرعة حقوق الإنسان. فعلى سبيل المثال لا الحصر، لم تتأمّن أدوية علاج السّرطان كما ينبغي، واستغلّ الفاسدون فحوصات عدوى Covid-19 لتحقيق أرباح خياليّة وهدر المال العامّ، وفقدت من السّوق أدوية أخرى ضروريّة كأدوية معالجة قصور عضلة القلب، واستبدلت أدوية بأدوية أخرى ذات فعاليّة أقل وعوارض جانبيّة خطيرة لتحقيق أرباح ماليّة وأجندات سياسيّة بحتة على حساب صحّة المواطن.
وقد تطرّقنا إلى النّقص المستجدّ في عديد الأطبّاء والجهاز التّمريضيّ الكفؤين الّذين كان لا حول لهم ولا قوّة بين أنين المريض واستهتار الدّولة غير المسؤولة فقرّر الكثير منهم الهجرة.
لقد شكرنا غبطة البطريرك على استقباله الكريم لنا، وعاهدناه أن نستنفذ كلّ ما بوسعنا لإنقاذ الوضع الصّحّيّ المنهار، يدًا بيد مع غبطته ومع الفعاليّات والشّخصيّات الصّادقة الّتي تضع في أعلى أولويّاتها الحفاظ على صحّة المواطن وحماية أمنه الصّحّيّ."
بعد ذلك، استقبل الرّاعي سفيرة أستراليا في لبنان ريبيكا غريندلي، بحضور المطران بولس صيّاح، وعرض معها للعلاقات اللّبنانيّة الأستراليّة وسبل تدعيمها وتطويرها، وما يمكن أن تقدمه أستراليا للبنان لمساعدته للخروج من محنته. وشكر لأستراليا اهتمامها بالجالية اللّبنانيّة والكنيسة المارونيّة هناك.
وأعربت السّفيرة غريندلي من جهتها، عن ارتياحها للإجماع الحاصل حول موقف البطريرك، مشيرة إلى أنّ لبنان بات يحتاج لدعم دوليّ كبير للخروج من أزمته الاقتصاديّة.
هذا والتقى البطريرك الرّاعي في الديمان ظهرًا، رئيس حركة الاستقلال النّائب ميشال معوّض، يرافقه مستشاره المحامي إدوار طيون بحضور النّائب البطريركيّ على جبّة بشرّي ورعيّة إهدن زغرتا المطران جوزيف نفّاع ومسؤول الإعلام في الصّرح المحامي وليد غيّاض، وعرض معه الأوضاع العامّة.
وقال معوّض عقب اللّقاء: "زيارتي اليوم لهذا الصّرح الوطنيّ الجامع هي لتأييد الطّرح الوطنيّ الإنقاذيّ بإعلان لبنان دولة محايدة هذا الطّرح الّذي لم يأت من فراغ وليس موجّهًا ضدّ أحد بل مرتكز على منطلقات تاريخيّة واقتصاديّة من المفترض أن تجمع كلّ اللّبنانيّين.
أوّلاً فكرة الحياد هي في صلب ميثاق 43 عندما قيل "لا شرق ولا غرب" وهذا لا يعني تنكّرًا لهويّة لبنان العربيّة او لجذورنا المشرقيّة بل بالعكس تمامًا لأنّ فكرة لا شرق ولا غرب تعني الحياد والتّفاعل مع الجميع والحفاظ على هويّة لبنان التّعدّديّة، على الانفتاح والتّفاعل والتّوازن بعلاقاتنا .
وثانيًا إذا قرأنا جيّدًا في تاريخنا القديم والحديث يتبيّن أنّه عندما كان لبنان يدخل في صراع المحاور كنّا نتقاتل فيما بيننا، وندمّر البلد، ونخرج بعدها بمنطق لا غالب ولا مغلوب، وكلّما اتّجهنا نحو الحياد من الصّراعات الإقليميّة كنّا نعيش مراحل من الاستقرار والنّموّ واحترام كرامة الإنسان في لبنان.
وثالثًا في ظلّ الظّروف الاقتصاديّة الّتي نعيشها حيث كرامة كلّ لبنانيّ مهدّدة ولقمة عيشه غير مؤمّنة، ويجب علينا أن نعترف أنّ إحدى الأسباب الّتي أوصلتنا إلى هذه الحالة إلى جانب الهدر والفساد والأخطاء في السّياسات الماليّة والنّقديّة هي انخراطنا في سياسة المحاور وانطلاقًا من ذلك لا يسعنا إلّا أن نقول إنّ طرح البطريرك طرح وطنيّ بامتياز، طرح إنقاذيّ وجامع لكلّ اللّبنانيّين وأهمّيّة هذا الطّرح أنّه صادر من بكركي نابع من هذا الصّرح الجامع وليس من أيّ حزب أو جهة سياسيّة لها مصالح وقراءة فئويّة له، هذا الطّرح أطلقه البطريرك بصورة مبدئيّة ولكنّه يحتاج إلى تطوير وبلورة قانونيّة وسياسيّة ووطنيّة وإقليميّة ودوليّة ومن هنا أدعو جميع اللّبنانيّين للالتفاف حول طرح البطريرك لبلورته وتحويله إلى حقيقة جامعة قانونيّة لها حماية عربيّة ودوليّة.
أمّا فيما يتعلّق بردود الفعل فلا بدّ من أن أعلّق على هذا الموضوع وقبل أن أدخل في الموضوع من حقّ أيّ طرف أن يناقش هذا الطّرح والتّحاور حوله ومن حقّهم رفض أو تأييد هذا الطّرح ولكن غير المقبول تنظيم حملات تخوين وشتائم واتّهام بالعمالة والخيانة لأنّ ذلك يمسّ بجوهر علاقتنا بين بعضنا كلبنانيّين ويمسّ بأساس العيش المشترك وبالميثاق. ولنكن واضحين لم يعد مقبولاً اتّهام من ليس معهم بالعمالة وهذا لن نقبل به وهذا يذكّرنا بما حصل بعد نداء البطريرك صفير والأساقفة الموارنة. ولكن حملة الشّتائم وقتها كانت في ظلّ الاحتلال والوصاية أمّا اليوم فلماذا هذ الإرهاب الفكريّ؟؟؟ أؤكّد أنّ علينا أخذ العبر لأنّ بكركي بقيت بكركي وتحوّل النّداء إلى استقلال ثان أمّا الشّتّامون فذهبوا إلى مزبلة التّاريخ.
ولا بدّ من التّوضيح كي لا يحصل خطأ في المفاهيم بأنّ الحياد الّذي طرحه البطريرك حياد إيجابيّ وأنّ لبنان جزء لا يتجزّأ من جامعة الدّول العربيّة، وبأنّ إسرائيل هي عدوّ وأنّنا ملتزمون كلبنانيّين بالقضيّة الفلسطينيّة إنسانيًّا ودبلوماسيًّا ولكن دون أن نبقى الجبهة الوحيدة في العالم العربيّ، فالحياد الإيجابيّ هو المدخل الحقيقيّ لبناء الدّولة القويّة ترعى الحياد وتفرضه على كلّ المكوّنات اللّبنانيّة وتحيده من التّدخّلات الأجنبيّة، الدّولة الّتي عليها أن تحمي أرضها من أيّ اعتداء وتكون السّياسة الدّفاعيّة تحت إدارتها وتستفيد من كلّ مقوّمات القوّة ولا تسمح لأحد بأن يفتح على حسابه الخاصّ، دولة تحمي لبنان من كلّ التّهديدات وتدير الدّبلوماسيّة مع كلّ الدّول وموضوع النّازحين واللّاجئين ليس له علاقة بالحياد بل بسيادة الدّولة القويّة على أرضها، والحياد الإيجابيّ يعني أنّه علينا جميعًا عدم الانخراط في سياسة المحاور أو صراع مع أيّ دولة مجاورة أو بعيدة، بأيّ صراع أمنيّ أو سياسيّ أو عسكريّ إن كان صراعًا عربيًّا عربيًّا أو عربيًّا إيرانيّة أو تركيّة إيرانيّة أو أيّ صراع دوليّ والحياد الإيجابيّ يعني أن نكون جسر تلاقي وقوّة للجمع وليس ساحة للصّراعات.
وردًّا على من يقول إنّ الحياد بحاجة إلى حوار وإجماع وطنيّ فهذا الكلام صحيح وكلّ الدّول الحياديّة انطلقت من إدارة داخليّة للحوار كسويسرا والنّمسا. وجرّ لبنان إلى سياسة المحاور والصّراعات يحتاج أيضًا إلى حوار وإجماع وليس من حقّ أيّ فئة أن تجرّ لبنان إلى لعبة المحاور لأنّها قرّرت لوحدها والعمليّات العسكريّة والأمنيّة الّتي تجري خارج لبنان غير مقبولة وبحاجة إلى إجماع ووفاق وتغيير للقانون والدّستور لأنّ قانون العقوبات يجرّم أيّ عمليّة عسكريّة أو أمنيّة خارج الحدود اللّبنانيّة وعن القول بأنّ موضوع الحياد سياسيّ فمع احترامنا لرئيس الحكومة فإنّ الحياد ليس مجرّد موضوع سياسيّ يوميّ بل هو أوّلاً مسألة ميثاقيّة كيانيّة تتعلّق بالخيارات الكبرى للّبنانيّين وكيانيّة بالذّات لأنّنا ندرك أنّ تدخّلنا في لعبة المحاور توصل إلى الحروب والقتال وتضرب أسس لبنان والحياد موضوع اقتصاديّ اجتماعيّ يتعلّق بلقمة عيش المواطنين ففي خطّة الحكومة كلام عن الحاجة لضخّ 28 مليار دولار في السّنوات الأربعة المقبلة فإذا لم نخرج من عزلتنا الدّوليّة واستمرّينا في لعبة الصّراعات الدّاخليّة من أين سنؤمّن هذه المبالغ لذلك علينا مصارحة اللّبنانيّين والقول لهم إنّه على المستوى السّياسيّ البديل عن الحياد هو الفوضى والدّمار والتّقاتل وعلى المستوى الاقتصاديّ هو البؤس والجوع والفقر."