سوريا
11 كانون الأول 2023, 08:50

يوحنّا العاشر لراعي أبرشيّة حمص الجديد: تشجّع لأننا معك رعيةً وكهنةً وشعبًا ومجمعًا مقدّسًا

تيلي لوميار/ نورسات
إستقبل أبناء أبرشيّة حمص، إكليروسًا وعلمانيّين، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للرّوم الأرثوذكس يوحنّا العاشر يرافقه راعيهم الجديد المتروبوليت غريغوريوس (الخوري)، وسط حضور رسميّ أمنيّ دينيّ وشعبيّ، يوم الجمعة، ورفعوا صلاة الشّكر معًا في كنيسة الأربعين شهيدًا، وليتسلّم الخوري بختامها عصا الرّعاية من يوحنّا العاشر الّذي كانت له كلمة للمناسبة جاء فيها بحسب إعلام البطريركيّة: "أيّها الأحبّة،

"أيّها الأحبّة،

"يا ربّ يا ربّ اطّلع من السماء وانظر وتعهد هذه الكرمة وأصلحها التي يمينك غرستها".  

هي دعوةٌ منا الآن إلى المسيح الإله أن يتعهد هذه الكرمة التي يسلمها الروح القدس اليوم إلى حارثها وفلّاحها المطران غريغوريوس خوري. هي دعوةٌ منا إلى الكرّام الأبدي السرمدي أن يضع يده ويبارك هذه الكرمة ليخرُج خمرُها صافيًا معتّقًا بأصالة الإيمان، حلوًا بحلاوة المسيح، نورانيًّا عليًّا مُسكرًا بفرح القيامة، عذبًا جديدًا بهيًا كخمر قانا الجليل.

من كنيسة الأربعين شهيدًا الذين قهروا زمهرير الدنيا في تلك الأيام بدفء المسيح، نطلُّ الآن كمسيحيين مشرقيين لنقول إن زمهرير الدنيا والتاريخ لن يلوي منا إرادةً بالبقاء في هذه الأرض. من حمص، من المتوسطة سوريا والمتوسطة قلوبَنا التي أنجبت الأباطرة والباباوات، مِن عروس العاصي التي عصَتْ وجه التاريخ بقوة شكيمة أبنائها، مِن هذه المدينة التي أنجبت إيليان الشهيد المجيد ورومانوس المرنم الشهير وغيرهم الكثير نطلُّ اليوم لنقول إن أحجار حمص القديمة اشتاقت إلى أبنائها في الاغتراب وإن حنايا كنائسها التي تعانق السماء تناجي وتصرخ وتقول: إن مسيحيي هذه الديار هم نجوى محبة ونفحة سلام وجذر ضاربٌ في الأرض التي غرستهم فيها يمين يسوع الناصري ابن هذا الشرق.

نطل اليوم لنسلم عصا الرعاية إلى المطران الجديد. وندعوه أن يتوكأ عليها ويستمد من الإنجيل الذي فُتح على هامته يوم رسامته كلَّ حكمةٍ وكل رجاءٍ في رعايته لهذه الكرمة الأصيلة، أبرشية حمص وتوابعها. نسلمه عصا رعاية ومحبة وحكمة ندعوه من خلالها كي يقود شعبه إلى منابع الخلاص ويرد عنه أمواج الدهر المتلاطمة حول الكنيسة المقدسة. نسلمه اليوم دفّة هذه السفينة ونقول له: "تشجع أيها الأخ واعلم أنك مزمعٌ أن تعطي جوابًا عن الرعية أمام إلهنا ورئيس رعاتنا يسوع المسيح". هذا كلامٌ من نار يكوي النفس ويضعها أمام عظم المسؤولية.  

الأسقفية أولاً وأخيرًا خدمةٌ وصليب. والراعي الأوحد هو يسوع المسيح ووكيله أنت في هذه الرعاية أيها الأخ غريغوريوس. وهذا الكلام ينطبقُ على كلٍّ منا. نقول لك هذا ونقول لك "تشجّع". تشجّع لأننا معك رعيةً وكهنةً وشعبًا ومجمعًا مقدسًا. تلقَّ هولَ المسؤولية بابتسامة محبة وبوداعة أبٍ لأن المحبة هي المجداف إلى "الجواب الحسن" الذي نعطيه وتعطيه أمام منبر المسيح الرهيب. تجلَّ بالمحبة وغلّبْها على كل شيء فهي سبيلك وسبيلُ كل راعٍ إلى قلب شعبٍ طيبٍ معطاءٍ يحب رعاته ويقف دومًا وأبدًا إلى جانبهم. توشَّ بالحكمة وبهدي الإنجيل في هذا الزمن الذي يتوق إلى فرح الإنجيل وفي هذه الأيام التي أمسى فيها الطبيعيُّ والبديهي في نظر البعض مرقومًا بتخلف الماضي. تشجع أيها الأخ. نقولها وفي قلبنا ملءُ الرجاء واليقين أنك على قدر المسؤولية وعلى قدر الكرامة وعلى قدر المحبة التي تستحقها منا ومنك أبرشية حمص.

أما أنت أيها الشعب المؤمن المجبول بأصالة الإيمان والممزوج بعتاقة خمر أنطاكية الرسولية، لك منا سلام محبةٍ عبر هذا الراعي. كن معه في سيمفونية محبة. أحبوا بعضكم بعضًا فيعرف الناس أنكم تلاميذي. هكذا يقول الإنجيل. هذه الفاء يسميها نحاة اللغة العربية الفاء السببية. وهذا يعني؛ عندما يرى الناس محبة المسيحيين لبعضهم البعض ولراعيهم ومحبة الرعاة لبعضهم وللشعب الموكل إلى رعايتهم، حينها وحينها فقط يدركون أنَّ مَنْ أمامهم هم تلامذة المسيح وأتباعه وأخصّاؤه. صلاتنا ورجاؤنا ويقيننا أنكم لا شك محتضنونَ المطران غريغوريوس بمحبتكم وبدفء عواطفكم وماشحون إياه برحيق تعاونكم وسهركم كيف لا وهو الساهر اليقظ– كما يعني اسمه باليونانية- على لطف لقياكم وغيرة إيمانكم الذي رضعتموه من صدور الأمهات وسلمتموه إلى الأبناء والأحفاد.

من حمص الرابضة وسط سوريا كلمةُ حقٍّ لما جرى ويجري في فلسطين. لقد آن لجلجلة هذا الشعب أن تمّحي بفجر قيامة. لقد آن للعين التي تقاوم المخرز أن تجد نور انبعاث. من حمص سلامٌ لغزة النازفةِ على قارعة مصالح الأمم. سلامٌ لفلسطين المضرّجة بدماء أبنائها. من حمص، سلامٌ للقدس ولبيّارات يافا. سلامٌ لبيت لحم مهد المسيح وللشعب الفلسطيني الصامد. سلامٌ لأرضٍ نازفةٍ حقًا مصلوبًا على قارعة التاريخ. من ههنا سلامٌ لشعبٍ ذبيحٍ منذ خمسةٍ وسبعين عامًا. سلامٌ من سوريا التي قاسى أبناؤها مرارة العنف والترهيب وضريبةَ الربيع الذي لم يعرف إلى الربيع سبيلاً. سلامٌ من إخوتكم مسيحيي هذا الشرق. سلامٌ من مطراني حلب يوحنا إبراهيم وبولس يازجي المخطوفَين منذ أكثر من عقدٍ من الزمان واللذين تتقاسمون وإياهما صمتًا دوليًا مستنكرًا عن قضيتهم وعن قضيتكم. سلامٌ من لبنان الذي يرزح تحت الفراغ الدستوري ويدفع من حياة أبنائه ضريبة الإفقار وإرهاصات ما يجري حوله. سلامٌ من شعب سوريا الذي رزح تحت ويلات الحرب ويرزح الآن تحت وزر نتائجها ويقاسي حصارًا اقتصاديًا جائرًا شتت أبناءه في أصقاع الأرض. ومن ههنا، من قلب هذا الشرق، نداءٌ إلى العالم أجمع. أوقفوا الحرب في فلسطين وارفعوا الحصار عن سوريا وحافظوا على استقرار لبنان. لقد حملنا ونحمل كمشرقيين صليب هذا الشرق وقاسينا المر والأمرَّ وتنكّبنا مع إخوتنا المسلمين مصيرًا واحدًا في السراء والضراء. نحن معهم ركاب قاربٍ واحدٍ يحكمه التاريخ وتجمعه الجغرافية. لم نكن يومًا في التقوقع ولن نكون. ولم نكن يومًا إلا شهودًا لرب قيامةٍ خلعها سيد الجبلة علينا. فتوشينا بالنور وحملناه إنجيل سلامٍ وفرحٍ إلى أقاصي الأرض.

وعلى أبواب الميلاد المجيد وعلى أعتاب المغارة، نتطلع إخوتي إلى رب السلام، يسوعَ المولودِ في بيت لحم، ونستعطفه بصلوات أمه العذراء مريم أن يهب السلام للعالم وأن يبارك خدمتكم، صاحب السيادة، كيما تقودوا هذه الرعية المباركة والشعب الطيب إلى ينابيع الخلاص.

كل عامٍ وأنتم بخير. وبلسان المثلث الرحمة مطران حمص أثناسيوس عطا الله وبانتظار طفل المغارة الذي سيمسح كل ضيق أختم وأقول:

هوذا رب البرايا      أتحفوهُ بالهدايا

فانظروهُ بالعيانْ      ذهبًا مرًّا لبانْ".