لبنان
26 كانون الأول 2022, 12:50

يونان أحيا الميلاد في كاتدرائيّة سيّدة البشارة وكنيسة مار اغناطيوس في الكرسيّ البطريركيّ

تيلي لوميار/ نورسات
ترأّس بطريرك السّريان الأنطاكيّ مار اغناطيوس يوسف الثّالث يونان، قدّاس منتصف ليل عيد ميلاد الرّبّ يسوع في كاتدرائيّة سيّدة البشارة، المتحف– بيروت، عاونه فيه القيّم البطريركيّ العام وأمين سرّ البطريركيّة المونسنيور حبيب مراد، وأمين السّرّ المساعد في البطريركيّة الأب كريم كلش، بمشاركة الكاهن المساعد في رعيّة سيّدة البشارة الأب ميشال حموي بحسب إعلام البطريركيّة.

وبعد تلاوة الإنجيل المقدّس، ألقى البطريرك عظة بعنوان: "أمّا مريم فكانت تحفظ هذا كلّه وتفكّر به في قلبها"، وعبّر عن "الفرح الرّوحيّ الذي يعمّ العالم اليوم إذ تحتفل الكنيسة الجامعة في الشّرق والغرب بعيد الميلاد، عيد ولادة الرّبّ يسوع، كلمة الآب الأزليّ، متّخذًا طبيعتنا البشريّة من مريم العذراء، وهو من أجمل الأعياد، ومن المفترَض أن يكون أكثرها فرحًا وبهجةً، وفيه يعيش المؤمنون هذه الفرحة الكبيرة بأنّ الرّبّ صار مثلنا، صار إنسانًا كي يخلّصنا ويعيدنا إلى علاقة البنّوة مع الآب السّماويّ".

وتحدّث عن "القراءة الأولى التي استمعنا إليها من إشعيا النّبيّ، إشعيا الذي عاش حياته منذ ستّمائة سنة قبل ميلاد يسوع، وهو يتنبّأ ويقول بأنّ الرّبّ الملك سيولد من بيت داود، وسيحرّر البشريّة بأسرها، ويعبّر عن هذه الفرحة بأنّ كلّ الكائنات تعيش وتتآلف بين بعضها، حتّى الوحوش المفترسة تبقى مع الحيوانات التي تفترسها بسلام وأمان. بالطبع يمكن اعتبار هذا الأمر خيالاً، لكنّه تعبيرٌ على أنّ ولادة الرّبّ يسوع حدثٌ مهمٌّ جدًا في تاريخ البشريّة، لأنّه سيعطينا حقيقةً السّلام الذي نسعى إليه. لقد عانى البشر على مدى تاريخهم من الشّرّ والخطيئة وويلات العداوة بين بعضهم، لذلك يتنبّأ إشعيا عن معنى ميلاد الرّبّ يسوع".

ولفت إلى أنّه "في القراءة الثّانية يكتب بولس رسول الأمم إلى أهل غلاطية، وبولس بشّر الأمم أن يتذكّروا أنّ الله أرسل لنا مخلّصًا في الزّمن المحدَّد، ليس إنسانًا عاديًّا، إنّما هو إلهٌ وإنسان. فبولس يطلب من أهل غلاطية أن يعيشوا دعوتهم وإيمانهم واستقبالهم للرّبّ يسوع في تجسُّده، وأن يعيشوا كتلاميذ للرّبّ يسوع. وكما سمعنا من الإنجيل المقدس بحسب لوقا البشير، نكرّر ونتلو وننشد حدث الميلاد الأعجوبيّ المهمّ والأساسيّ في حياة المؤمنين والعالم."

وتابع قائلًا: "كنّا نتمنّى أن يحلّ هذا العيد في أوضاعٍ غير التي نعيشها، وكنّا نأمل أنّه بعد السّنوات المخيفة التي مرّت على لبنان، يستحقّ اللّبنانيون أخيرًا أن يعيشوا بكرامتهم. لكنّكم تعرفون الأوضاع المخيفة التي حلّت باللّبنانيين النزيهين والشّرفاء، والذين يريدون أن يعيشوا بكرامتهم، فاستغلّهم السّياسيّون الذين لا يعرفون للأسف سوى التّفتيش عن مصالحهم.

في هذا المساء استمعنا إلى قدّاس العيد من كاتدرائيّة سيّدة النّجاة في بغداد، هذه الكنيسة الشّاهدة والشّهيدة، فقبل 12 سنة هجم الإرهابيّون الكفّار وقتلوا 48 شهيدًا من أطفال وكبار. كان حاضرًا في هذا القد!ّاس رئيس الجموريّة ورئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النّواب شخصيًّا، بينما نحن هنا في لبنان نتوسّل وندعو، ويرسلون إلينا ممثّلين يريدون أن يجلسوا في الصّفّ الأماميّ على كراسٍ خاصّة وكأنّهم آتون إلى حفلة تكريميّة لهم وليس للصّلاة، والرّؤساء الثّلاثة في العراق مسلمون، ومع ذلك أتوا وحضروا القدّاس واستمعوا إلى موعظة المطران. هذا الأمر لا يجعلنا نتشكّى ونتذمّر، فنحن ككنيسة سريانيّة كاثوليكيّة، عشنا وسنظلّ نعيش بكرامتنا، ولا نتوسّل ولا نشحذ من أحد كي يعطينا حقوقنا. لكن يجب أن نقول بأعلى الصّوت إنّ هذا الوضع في لبنان ليس كما يحصل في سوريا والعراق، حيث المسيحيّون يُضطهَدون ويُشرَّدون ويُهجَّرون. في لبنان، الغلطة الأكبر تقع على عاتق المسيحيّين الذين يعتبرون أنفسهم مسؤولين عن تأسيس لبنان، ويتكلّمون كلامًا جميلاً، إنّما بالفعل هم بعيدون عن النّزاهة وروح المسؤوليّة التي أوكلهم الشّعب إيّاها. مع ذلك نأتي اليوم كالرّعاة البسطاء، مع أولادنا وشبابنا وكبارنا، كي نستقبل الرّبّ في عيد حقيقيّ هو عيد ميلاد الرّبّ، أيّ نستقبله كمخلّص وإله السّلام الذي صالح بين الله والبشر.

موضوع رسالتنا لعيد الميلاد لهذا العام هو عن العائلة، وتعرفون الصّعوبات التي تواجه العائلة هذه الأيّام في العالم، ولاسيّما لدى المسيحيّين الذين يودّون أن يعيشوا دعوتهم المسيحيّة في سرّ الزواج المقدّس. وللأسف نعلم من المحاكم الرّوحيّة أنّ دعاوى الخلافات الزّوجيّة في ازدياد، ونحن نعرف تأثير ثقافة العالم الغربيّ على العالم بواسطة ما يُسمَّى وسائل التّواصل الاجتماعيّ والإعلام التي تسيطر على حياة الكثيرين."

وتضرّع "إلى الرّبّ يسوع الولود طفلاً في بيت لحم، أن يبارك عائلاتنا، وبجاه ميلاده بيننا أن يذكّر الآباء والأمّهات أنّ الرّبّ دعاهم كي يمنحوا الحياة، وأنّ الأولاد ليسوا لعبةً بين أيديهم، إنّما الأولاد أمانة في أعناقهم، ويجب أن يعرفوا أن يضحّوا بكلّ شيء وحتّى بعاطفتهم الإنسانيّة، فيسامحوا كي يقدروا أن يعطوا المَثَل لأولادهم في هذا الزّمن الصّعب"0

وإختتم مبتهلاً "إلى الطّفل الإلهيّ الذي ذهب الرعاة البسطاء وسجدوا له وعبدوه، وهو خالق الكون، وشاء أن يولَد في مذود حقير كي يعلّمنا أنّه صحيحٌ أنّنا نمرّ بأزمات كثيرة، ولكنّ المهمّ أن نستمدّ فرحنا منه، هو الرّبّ الإله، مهما كانت صعوباتنا، وأن نتابع حياتنا بعيش الأمانة لهذا الطّفل الإلهيّ، أمير السّلام، المتواضع والمحبّ".

كما ترأّس البطريرك يونان قداس عيد ميلاد الرّبّ يسوع بالجسد يوم الأحد على مذبح كنيسة مار اغناطيوس الأنطاكيّ، في الكرسي البطريركي، المتحف – بيروت، عاونه فيه القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركيّة المونسنيور حبيب مراد، ومين السرّ المساعد في البطريركيّة وكاهن إرساليّة العائلة المقدّسة للنّازحين العراقيّين في لبنان الأب كريم كلش، بحضور ومشاركة قيّم دير الشّرفة وإكليريكيّة سيّدة النّجاة البطريركيّة الأب سعيد مسّوح، والكاهن المساعد في إرساليّة العائلة المقدّسة للنّازحين العراقيّين وفي رعيّة مار يوسف - طرابلس الأب طارق خيّاط، والشّمامسة، والرّاهبات الأفراميّات.

بعد تلاوة الإنجيل المقدّس، ألقى يونان عظة بعنوان "المجد لله في العلى وعلى الأرض السّلام والرّجاء الصّالح لبني البشر" قال فيها إنّ "عيد الميلاد هو عيد الفرح، عيد البهجة، عيد العائلة التي تلتقي معًا، كبارًا وصغارًا، كي يحتفلوا بهذا الحدث الأعجوبيّ الذي نؤمن به، ميلاد الرّبّ يسوع في بيت لحم."

وأضاف: "الملائكة الذين بشّروا الرّعاة بميلاد الرّبّ يسوع، أنشدوا السّلامَ للعالم والرّجاءَ الصّالحَ للنّاس أجمعين، ونحن مع الكنيسة منذ أجيال وقرون نحتفل بهذا العيد وننشد هذا النّشيد الرائع. موضوع السّلام هو حنين النّاس منذ القدم، وللأسف عرف تاريخ البشريّة الكثير من العنف جرّاء خطايا البشر، ما يؤدّي إلى غياب السّلام بين النّاس. أمّا الرّجاء فهو فضيلة مسيحيّة، وهو أعمق من الأمل، لأنّه فضيلة مؤسَّسة على إيماننا بأنّ الرّبّ يسوع قادر أن يخلّصنا، هذا الرّجاء الذي نحاول جميعنا أن نعيشه في هذه الأيّام الصّعبة حيث الأوجاع والأزمات الكثيرة التي يمرّ بها لبنان وبلدان الشّرق الأوسط، وبخاصّة سوريا والعراق.

إذا كان المسيحيّون يعانون ويتحمّلون شتّى أنواع الصّعوبات والضّيقات والاضطهادات في بلدان الشّرق الأوسط بسبب إيمانهم، كما في سوريا والعراق حيث حدث الكثير من أعمال العنف والفوضى تجاه ما يُسمَّى مكوِّنات صغيرة كالمسيحيّين، فعلينا اليوم أن نقرّ أنّ فقدان السّلام والتّعرُّض لانعدام الرّجاء في لبنان ليس من تدخُّل ومن جرائم الغير. بل للأسف يجب أن نقولها اليوم بكلّ وضوح: إنّ للمسيحيّين الدّور الأكبر في ما يحدث في لبنان، وعليهم تقع المسؤوليّة حتّى يرجع هذا البلد الحبيب إلى سابق عهده، كما يتغنّى به المُنشِدون ويغنّون: لبنان قطعة سماء، لبنان رسالة، لبنان حضارة.

قلنا ولا نزال نردّد أنّ المسيحيّين هم المسؤولون عن عودة السّلام الحقيقيّ إلى هذا البلد، فلا نتّهم الشّرق والغرب والشّمال والجنوب، بل علينا قبل كلّ شيء، نحن المسيحيّين، أن نوحّد قلوبنا ونفوسنا، ونبرهن على أنّنا نريد أن يبقى لبنان هذا الإشعاع في المنطقة. فلنتذكّر أنّ لبنان بحسب دستوره وقوانينه ومبادئه هو للجميع، لكن للأسف هناك من يُعتبَرون أقلّية ويتمّ حرمانهم من حقوقهم". وتضرّع "إلى الرّبّ يسوع، الطّفل الإلهيّ، أن يجعل هذا العيد حقيقةً مرحلة تحوُّل نحو السّلام الحقيقيّ، لأنّه يكفي ما يعانيه اللّبنانيّون من مآسٍ مخيفة، وأغلبيتهم لا يستطيعون أن يسدّوا أبسط حاجات العيش الأساسيّة".

ولفت إلى أنّه "البارحة مساءً في قدّاس ليلة عيد الميلاد في كاتدرائيّتنا، كاتدرائيّة سيّدة النّجاة في بغداد، بعد 12 سنة من تلك الهجمة الإرهابيّة عليها، والتي أدّت إلى وقوع 48 شهيدًا، صغارًا وكبارًا، وأكثر من 80 جريحاً. في هذا القدّاس البارحة، حضر الرّؤساء الثلاثة، رئيس الجمهوريّة ورئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب، وجميعهم مسلمون. أمّا نحن في لبنان، فنتوسّل أن يحضر أحدهم يمثّل هؤلاء الذين نسمّيهم رؤساء. وعندما يحضر، يحمّلنا منّةً، في الوقت الذي يجب أن يكون هؤلاء الرّؤساء والمسؤولون للجميع بالتّساويّ. صحيح نحن كنيسة صغيرة، لكنّ الجميع يعلم أنّ تاريخ لبنان لا يُفهَم إلّا من خلال السّريان، وها هي قرى وبلدات لبنان، أساسها ولغتها سريانيّة. وإذا كنّا كنيسة صغيرة منتشرة في الشّرق والغرب، فهذا لا يعني أنّه ليس لنا الحقّ، كغيرنا الذين يُسَمّون الطوائف الكبرى، أن نتمتّع بحقوقنا المدنيّة الوطنيّة كاملةً".

وتأمّل يونان بموضوع رسالته لعيد الميلاد لهذا العام عن العائلة، وشدّد على أهمّية العائلة المسيحيّة في هذا الزّمن، زمن الميلاد، إذ بسبب الأوجاع والتّهجير والتّمزّق بين الزّوجين، تحصل مشاكل كثيرة في العائلات"، وطلب "من الرّبّ يسوع المولود في مذود بيت لحم، بشفاعة العائلة المقدّسة، أن يلهم الوالدين في العائلة، كي يكرّسوا أنفسهم، كما وعدوا بعضهم بعضًا في سرّ الزواج، للحفاظ على الأمانة المتبادَلة، وعيش المحبّة والمسامحة، فيتواكبوا مع بعضهم كي يقدروا أن يُظهِروا لأولادهم أنّهم حقيقةً الأب والأمّ الصّالحين".

وإختتم عظته مبتهلاً "إلى الرّبّ يسوع أن ينشر أمنه وسلامه في لبنان وبلدان الشّرق والعالم، فينعم جميع النّاس بالطّمأنينة والاستقرار والعيش الكريم."