يونان احتفل بقدّاس اليوبيل الكهنوتيّ الذّهبيّ وذكرى أسقفيّة المطران حبش، والتّفاصيل؟
وخلال القدّاس الّذي عاونه فيه حبش وشارك فيه لفيف من الكهنة ومجموعة من فرسان كولومبوس في ديترويت، وجموع غفيرة من المؤمنين، ألقى يونان عظة قال فيها بحسب إعلام البطريركيّة: "هي مناسبة شكر للرّبّ، مناسبة للتّأكيد على أنّ الدّعوة الكهنوتيّة هي دعوة من الرّبّ لمشاركته في خلاص النّفوس. لقد ذكر سيادته بعض الأحداث من مسيرة حياته ودعوته، ذكر بعض الأمور عنّي، فمنذ أن كان في المرحلة الإكليريكيّة (السّمينير)، أيّ منذ أوائل السّبعينيّات من القرن الماضي، نعرف بعضنا ونقدّر بعضنا بصدق وأمانة للرّبّ، لأنّنا، وبالرّغم من ضعفنا البشريّ، قرّرنا أن نتبع الرّبّ يسوع، ليس فقط بالأفراح، لكن أيضًا في درب الآلام والصّعوبات.
إستمعنا من الرّسالة إلى أهل أفسس، بولس، رسول الأمم، يؤكّد على أنّ المؤمنين المعمَّدين على يده وعلى يد تلاميذه هم شعب مقدّس لبنيان الكنيسة. كلمات معبِّرة وعميقة بالمعاني، فنحن لسنا غرباء عن الكنيسة، نحن نبني الكنيسة بمحبّتنا لبعضنا البعض وبأمانتنا للرّبّ يسوع ولتعاليم الكنيسة. وقبل تلاوة رسالة بولس، رنّم الجوق "ܦܰܘܠܳܘܣܫܠܺܝܚܳܐفولوس شليحو"، وفي هذه التّرنيمة نذكر ما قاله بولس إلى أهل غلاطية، إنّ في زمانه أيضًا كانت تظهر تعاليم ليست تعاليم الرّبّ يسوع. ونحن اليوم، بعد ألفي سنة نشهد ذلك، وللأسف، خاصّةً بما نسمّيه وسائل التّواصل الاجتماعيّ الّتي تتغلغل في البيوت، والّتي تلهي أولادنا وشبابنا عن الحقيقة، فيعيشون عالمًا غير حقيقيّ وغير واقعيّ. كما سمعتم بما حصل قبل بضعة أيّام، تلك الجريمة في مينيابوليس، حيث قتل شابٌّ طفلين وجرح 18 آخرين أثناء القدّاس الإلهيّ، هذا الإنسان يُعتبَر حقيقةً مريضًا، ولا نعرف كيف أثّرت عليه وسائل التّواصل الاجتماعيّ، وهو يعتبر نفسه أنّه مظلوم وأنّ الآخرين لا يفهمونه، حتّى أنّ الكنيسة لا تفهمه، لذلك ارتكب جريمته، وربّنا هو الّذي يدينه.
إنّ الإنجيل المقدّس يذكّرنا أنّ بنيان الكنيسة يتطلّب منّا مشاركة الرّبّ في عمليّة البناء والتّأسيس، وسمعنا ثلاثة أعذار لأشخاص كان من المفترَض أن يلبّوا الدّعوة ويشاركوا، ولكنّهم اختلقوا الأعذار. واليوم، نحن أيضًا، بعد ألفي سنة، نرى ونشاهد كم وكم من المؤمنين والمؤمنات يعتذرون عن المشاركة في صلاة القدّاس الإلهيّ أيّام الآحاد والأعياد لأسباب يعتبرونها مقنعة، في حين أنّها تدلّ على عدم تفهُّمهم المسؤوليّة، مسؤوليّة بناء الكنيسة. نصلّي معًا كي يشفق ربّنا علينا ويرحمنا، ويبارك مسيرتنا الّتي هي مسيرة نحو الملكوت. وهذا الأمر، كما تسمعون، أحبّاءنا، أيضًا موجود للأسف بين أفراد الإكليروس الّذين يختلقون أعذارًا كثيرة ليست لبنيان الكنيسة، بل لهدمها. مهما كانت الأعذار، المفروض علينا أن نتّحد بالمحبّة الصّادقة والأمانة وروح المسؤوليّة المشترَكة كي نبني الكنيسة. وكنيستنا، كما تعرفون واختبرتم وتختبرون، كنيستنا السّريانيّة، ربّما أكثر من كلّ الكنائس في المشرق، لأنّها كنيسة صغيرة العدد ومتنوّعة في بلدان المنشأ في الشّرق، تجتاز اليوم مرحلة خطيرة جدًّا، وهي تحتاج إلى كلّ المؤمنين الصّادقين، وإلى كلّ الكهنة الأمناء، وإلى كلّ الأساقفة الّذين يدّعون أنّهم رعاة، وإلى البطريرك الّذي يجب أن يجمع بالمحبّة، وليس أن نفكّر فقط ببعض الأمور التّافهة الّتي لا تساعدنا لبنيان شعب الله.
نحتفل هنا غدًا في الأوّل من أيلول بعيد العمل، ونحن نعلم جيّدًا أنّ الرّبّ يسوع مخلّصنا اعتنى ويستمرّ بالعناية بجميع الشّعوب، خاصّةً بأولئك الّذين هم في عوز، وبالمرضى والمرذولين والمتروكين، ولدينا التّطويبات في بداية رسالة الرّبّ يسوع التّبشيريّة في موعظته على الجبل، وهي مليئة بالمعاني لمساعدة المحتاجين والمرضى والحزانى، وسواهم، فلا يشعر أحد بالمهانة، بل نكون جميعًا فخورين لأنّ الرّبّ يسوع وكنيسته يعتنون على الدّوام بجميع الّذين هم في حاجة. فلسنا نحتاج إذًا أن نتعلّم من السّياسيّين والأحزاب والمنظَّمات كيف نعتني بهؤلاء الّذين يعانون الفقر أو يحتاجون حقيقةً إلى لمسة محبّة وعناية، إذ لدينا المدارس والمياتم والمستشفيات في كلّ البلدان الأوروبيّة والأميركيّة وسائر بلاد الانتشار، حيث لطالما قدّم المبشّرون الشّهادة لمحبّة المحتاجين.
إنّ حضوركم هنا اليوم هو شهادة على المحبّة الّتي تجمعنا في كنيستنا السّريانيّة الكاثوليكيّة، وكي نصلّي من أجل صاحب السّيادة أخينا العزيز مار برنابا يوسف في هذا اليوم بمناسبة يوبيله الكنهوتيّ الذّهبيّ. هو يحتاج دائمًا إلى صلواتنا، وكذلك كهنة الأبرشيّة الّذين هم خدّام الكنيسة، والشّمامسة والجوق وجميع العاملين في خدمة الكنيسة، حتّى تبقى متألّقة بالمحبّة وبالأمانة للرّبّ يسوع".
وأنهى البطريرك عظته قائلًا: "نشكركم جميعًا، ونعد سيادته بالصّلاة من أجله، وكذلك من أجل كهنتنا في هذه الأبرشيّة، وجميع الّذين تعهّدوا باتّباع الرّبّ يسوع مهما كانت التّحدّيات الّتي تواجههم في هذا العالم. دَعُونا نبقى على الدّوام فخورين بإيماننا وأمانتنا للرّبّ الّذي يبقى معنا بعطيّة روحه القدّوس. فلنصلِّ من أجل قداسة البابا وجميع الّذين يعتنون بتدبير الكنيسة، ولنتذكّر أنّ الرّبّ وعدنا أن يحفظنا ويبقى مع كنيسته حتّى انتهاء العالم، له المجد على الدّوام، بوحدانيّة الآب والإبن والرّوح القدس، وبشفاعة أمّنا العذراء مريم، سيّدة النّجاة، شفيعة كنيستنا وأبرشيّتنا، والقدّيس توما شفيع هذه الكاتدرائيّة، وجميع القدّيسين والشّهداء".
وبعد العظة، أهدى يونان ميداليّة سيّدة النّجاة البطريركيّة المذهَّبة إلى المطران يوسف حبش، بمناسبة يوبيله الكهنوتيّ الذّهبيّ، قائلًا: "يسرّنا أن نقدّم عربون شكر لسيادة المطران مار برنابا يوسف، فنهديه، باسمكم جميعًا، ميداليّة أيقونة سيّدة النّجاة البطريركيّة المذهَّبة، وهي أيضًا شفيعة أبرشيّتنا هنا الّتي تأسَّست عام 1996 بواسطة البابا القدّيس يوحنّا بولس الثّاني، واثقين بأنّ سيّدة النّجاة تحمي سيادته، إذ أنّه هو الّذي أحبّ الرّبّ، وأمّنا العذراء تفرح به وبخدمته. بارككم الرّبّ يا سيّدنا. ألف مبروك".
ثمّ أعلن بكلّ فرح عن إنعام منح الصّليب المقدّس والخاتم إلى النّائب العامّ لأبرشيّة سيّدة النّجاة الأب منتصر حدّاد، وسيامته خوراسقفًا، متمنّيًا له المزيد من العطاء والخدمة النّاجحة والمتفانية.
وكان المطران يوسف حبش قد توجّه بكلمة من القلب بعد الإنجيل المقدّس، قال فيها: "تقبّلوا منّا، غبطةَ أبينا البطريرك، محبّتنا وطاعتنا البنويّة، منّي أنا شخصيًّا، ومن إخوتي الكهنة والشّمامسة وجميع المؤمنين. وإنّي أقول هذا باسم أبرشيّة سيّدة النّجاة، وأنتم الأب والرّئيس والمعلّم والمدبّر، ونحن نفتخر بكم، بطريركًا وشخصًا، أبًا وصديقًا."
وتكلّم عن محطّات من مسيرة خدمته الكنسيّة: "في مثل هذا اليوم، 31 آب 1975، السّاعة الثّالثة عصرًا، أيّ مرّت بضع ساعات بحسب توقيت بغداد، كنتُ منحنيًا وراكعًا أمام المثلَّث الرّحمات المطران مار قوريلّوس عمّانوئيل بنّي، ورسمني كاهنًا، وكنتُ بطبيعة الحال غير مدرك لجوهر العمليّة، لكن كان في القلب شغف وفرح أن أصير كاهنًا. هذه كانت البذرة الأولى الّتي زرعها الرّبّ في قلبي. وإذ أشكر بطبيعة الحال الّذين عملوا على الدّعوة في معهد مار يوحنّا الحبيب (السّمينير) في الموصل، وأشكر الآباء الّذين علّموني ونشّأوني وربّوني وأنا بعد طفل، بعض المرّات ذَلَّ وكَذبَ، وسواها، لكنّ الإدارة في الإكليريكيّة كانت تعمل عليّ كما يعمل النّجّار على الخشبة ويجعل منها تمثالًا. وصرتُ كاهنًا، وانطلقتُ إلى العمل في حقل الرّبّ مع إخوة كهنة، رحم الله الّذين توفُّوا، وبارك ومنح الصّحّة والعافية للّذين لا يزالون على قيد الحياة، أشكر الجميع".
إن أشكر وأشكر، لا أنسى تلك الأمّ الحنونة، والدتي نجمة داود كجّو، رحمها الله، والّتي دعمَتْني بصلواتها وطيبتها غير المتناهية وتحمّلَتْني وصلَّت كثيرًا من أجلي، فإذا أنا كاهن اليوم، لا أستطيع أن أنسى فضل والدي ووالدتي بشكل خاصّ. أشكر إخوتي وأخواتي وعائلاتهم، وكلّ أهل قره قوش، وكلّ أبرشيّة الموصل، وأهل البصرة الّذين ساندوني وأبهجوني في خدمتهم. وأشكر هذه الأبرشيّة، أبرشيّة سيّدة النّجاة، منذ أن التقيتُ مع هذا الرّجل الطّيّب "أبونا جوزف يونان". بالمناسبة، قد أُزعِجُه قليلًا، اسمحوا لي أن أُزعِجَه قليلًا. كان أوّل لقاء لي به في دير الشّرفة بلبنان، كان شابًّا رشيقًا مرتديًا ثيابًا عاديّة كأيّ شابّ، أوّل وصولي إلى دير الشّرفة التقيتُ به وسألتُه: أريد أن أرى أبونا جوزف يونان، فقال لي من أنتَ، فعرّفْتُه بنفسي، وطلب منّي الانتظار قليلًا، وذهب لبعض الوقت. كان هو حينها المديرَ المعاونَ في الإكليريكيّة، وهو يغسل بيده وينظّف بنفسه المراحيض في الإكليريكيّة استعدادًا لمجيء الطّلّاب الإكليريكيّين في تلك السّنة. وبعد أن بدّل ملابسه، جاء إليَّ، فتعجَّبتُ أنّه كان هو نفسه الكاهن الّذي أبحث عنه (أيّ أبونا جوزف يونان).
لا أنسى تلك اللّحظة، حين رأيتُ كاهنًا عنوانه الخدمة، أحبَبْتُه منذ ذلك اليوم، ولا أزال أحبّه، لأنّه، وكما يقول المَثَل "الّذي لا يعرفكَ لا يثمّنكَ"، وكثيرون لا يعرفون سيّدنا البطريرك! بالحقيقة، أنا أقف أمام المذبح، أطلب العافية والصّحّة لغبطته، وقد بدأنا سويّةً يدًا بيد بالعمل في حقل الرّبّ. وزرع الله بذور الدّعوة في قلبي، ووجعل في طريقي أناسًا خيّرين ساعدوني كي يتهيّأ الجوّ وتنمو تلك الدّعوة، ونمت، ولله الحمد والشّكر.
اليوم، أحبّائي، نسمع انتقادات كثيرة وشنيعة على الكاهن، لكنّ الكاهن جبل، لا تتصوّروا أنّ الكاهن الصّادق والأصيل يهتزّ، بل إنّه مِثل الشّجرة، مهما جاءت الرّياح وعصفت تتقوّى جذورها. أنا أقول لإخوتي الكهنة: أنتم الّذين اخترتم النّصيب الأصلح، بقدر ما تأتينا انتقادات وشتائم وتجاهُل وسواها، فنحن رجال وضع الرّبّ يسوع يده على رأس كلّ واحد منهم قائلًا: أنتَ لي. عندما أكون ليسوع، فمن يستطيع أن يؤثّر فيَّ بعد، أنا كاهن مُلْكٌ ليسوع. ما أحلى الدّعوة الكهنوتيّة وما أجملها! لكن ليس كلّ واحد يستطيع تأديتها. فإذا اختارنا الله واختار بعض الشّباب، وإذا دعا الله أولادكم، أحبّائي، في هذا الزّمن الأغبر الّذي نعيش فيه، حتّى لو كان الولد وحيدًا لأبيه ولأمّه، لا تعتذروا مثل أهل الدّعوة الّتي سمعنا عنها في الإنجيل المقدّس منذ قليل. هنيئًا للإبن الّذي دعاه الله كي يكون كاهنًا، هنيئًا لذلك الأب ولتلك الأمّ الّتي من بطنها وُلِدَ كاهن.
أشكركَ يا ربّ على هذه النّعمة الكبيرة، أشكركم كثيرًا يا سيّدنا صاحب الغبطة، إخوتي الكهنة أشكركم، وأسأل الله أن يعطينا جميعًا الصّحّة لنكمل خدمتنا. أشكر حضوركم، شمامستنا، وإخوتنا وأخواتنا جميعًا، وفرسان كولومبوس الأعزّاء، وجميع الأحبّاء القادمين من كلّ مكان، بعيد أو قريب، أثمّن عاليًا حضوركم لمشاركتي فرحتي. وفوق الكلّ، أرفع الشّكر إلى العناية الإلهيّة على النّعمة الكبيرة، بارخمور سيّدنا".
وقبل نهاية القداس، ألقى الأب منتصر حدّاد كلمة شكر فيها البطريرك يونان على إنعامه عليه بالسّيامة الخوراسقفية ولبس الصّليب والخاتم، مهنّئًا راعي الأبرشيّة بيوبيله، شاكرًا الجميع على حضورهم، وطالبًا صلاتهم ودعاءهم من أجل نجاحه في خدمته، بروح المحبّة والوداعة.
وبعد البركة الختاميّة، تقبّل المطران يوسف حبش التّهاني، ثمّ انتقل الجميع إلى قاعة الكاتدرائيّة، حيث تحلّقوا حول البطريرك يونان ونالوا بركته الأبويّة.