مصر
10 تشرين الأول 2022, 08:45

يونان ترأّس رتبة تنصيب المطران أفرام إيلي وردة على أبرشيّة القاهرة ونائبًا بطريركيًا على السّودان

تيلي لوميار/ نورسات
إحتفل بطريرك السّريان الكاثوليك مار إغناطيوس يوسف الثّالث يونان، مساء الجمعة، برتبة تولية وتنصيب أفرام إيلي وردة مطرانًا لأبرشيّة القاهرة ونائبًا بطريركيًّا على السّودان، وذلك في كاتدرائيّة سيّدة الورديّة للسّريان الكاثوليك، في حيّ الظّاهر- القاهرة، عاونه فيها النّائب البطريركيّ في القدس والأراضي المقدّسة والأردنّ المطران يعقوب أفرام سمعان، والّذي قام بمهمّة المدبّر البطريركيّ لأبرشيّة القاهرة والنّيابة البطريركيّة في السّودان، والنّائب البطريركيّ في البصرة والخليج العربيّ أثناسيوس فراس دردر.

شارك في الرّتبة لفيف من أساقفة الكنيسة السّريانيّة الكاثوليكيّة، بحضور السّفير البابويّ في مصر المطران نيكولا تيفينان، وممثّل بطريرك الإكسندريّة للأقباط الكاثوليك المطران توماس عدلي، وممثّل بابا الإسكندريّة وبطريرك الكرازة المرقسيّة تواضروس الثّاني الأنبا أنجيلوس، ومطارنة من مختلف الطّوائف المسيحيّة في مصر، ولفيف من من الآباء والكهنة والرّهبان والرّاهبات من مختلف الكنائس، وبحضور ومشاركة كهنة أبرشيّة القاهرة السّريانيّة الكاثوليكيّة، وفعاليّات دبلوماسيّة ومدنيّة وعسكريّة وجموع غفيرة من المؤمنين.

تخلّل الاحتفال عظة للبطريرك يونان قال فيها: "استمعنا جميعًا إلى كتاب التّولية الّذي فيه سمَّينا وولَّينا وأعطينا السّلطة الكنسيّة لسيادة أخينا الجليل مطرانكم الجديد مار أفرام إيلي وردة، كي يقوم بمهام رسالته الأسقفيّة.

اليوم عيد الورديّة المقدّسة، سلطانة الورديّة مريم العذراء الّتي سُمِّيَت بهذا الاسم في القرن السّادس عشر، وعلى اسمها دُشِّنَت هذه الكاتدرائيّة، نهنّئ الجميع بهذا العيد، ولاسيّما أخويّة سيّدة الورديّة في هذه الكاتدرائيّة.

كما تحتفل مصر العزيزة اليوم بذكرى 6 أوكتوبر، ذكرى الانتصار وسلام الشّجعان، نطلب منه تعالى أن يحفظ هذا البلد العزيز مثالاً مُشعًّا في منطقة الشّرق الأوسط.

نشكر بشكل خاصّ أخانا صاحب السّيادة مار يعقوب أفرام سمعان، الّذي تولّى تدبير هذه الأبرشيّة منذ شغور كرسيها بوفاة المثلَّث الرّحمات مار اقليميس يوسف حنّوش الّذي افتقدناه وهو في عزّ عطائه.

"إحفظ الوديعة الّتي أُعطِيَت لك"، هذا ما سمعناه من مار بولس وهو يطلب من تلميذه تيموثاوس أن يتذكّر أنّ الأسقفيّة، وإن كانت كرامة، فلا تعني منصبًا أو شرفًا، كما يظنّ البعض، إنّما هي وديعة.

الأسقفيّة هي دعوة، نعم للكرامة، ولكن لكرامة "العمل الصّالح"، لكرامة إتمام الرّسالة الّتي وصلت إلينا من الرّبّ يسوع عن طريق الرّسل. الكرامة تعني أنّ المطران مستعدٌّ أن يقوم بهذه الرّسالة مهما صعبت الأحوال، ومهما كانت التّحدّيات كثيرة، كما سمعنا من الإنجيل المقدّس: "الرّاعي الصّالح يبذل نفسه عن الخراف".

على الّذي يشتهي الأسقفيّة أن يتحمّل مسؤوليّاتها، في الخدمة المتجرّدة، وفي الشّهادة للرّبّ يسوع حتّى الاستشهاد. ونحن نعلم أنّ أعدادًا لا تُحصَى من أساقفة الكنيسة وآبائها ظلّوا أمناء للمعلّم الإلهيّ حتّى الاستشهاد حبًّا به. وسيّدنا مار أفرام إيلي وردة لبّى بحرّيّته الكاملة الدّعوة للخدمة في هذه الأبرشيّة وفي مصر العزيزة على قلوبنا، مسلّمًا ذاته للرّبّ، كما خدم كنيسة الانتشار في رعيّة مار أفرام في باريس وفي العديد من إرساليّات فرنسا طوال 15 سنة.

نعم نتذكّر أنّنا أبناء وبنات أجيال عديدة من الشّهداء والمعترفين، وسيّدنا المطران الجديد يتذكّر أيضًا أنّ أجداده اضُطرُّوا وأُرغِموا على الهجرة من بلاد نشأتهم، وأنّ هناك الكثيرين من الّذين سُفِكت دماؤهم من أجل الرّبّ.  

المطران مار أفرام إيلي، بقبوله الخدمة الأسقفيّة لأبرشيّة القاهرة، يعلم أنّه دُعِيَ للكرامة الأسقفيّة، أيّ للرّسالة الأسقفيّة، إذ قد لبّى نداء الرّبّ ليكون راعيًا صالحًا حقيقيًّا، يخدم بمحبّة ووداعة وتواضع، ويبذل نفسه عن الإخوة والأخوات الموكَلِين إلى خدمته.

هذا ما نعلّمه وما تعلّمناه من الّذين نقلوا إلينا البشرى.

على المطران الجديد مار أفرام إيلي أن يتذكّر أنّه عندما رشّحه بطريرك كنيستنا، وهو الأب والرّئيس للكنيسة الخاصّة وراعيها، وعندما انتخبه آباء المجمع المقدّس، عليه أن يتذكّر أن يظلّ ويبقى أمينًا:

أوّلاً، للرّبّ الّذي دعاه وهيّأه لهذه الخدمة، لذا عليه أن يتّكل كلّيًّا على النّعمة الإلهيّة الّتي تقوّيه. فلا يكتفي فقط بحمل الصّليب على صدره، والصّليب هو لنا الخلاص والفخر، "ܨܠܺܝܒܳܐ ܐܳܬܳܐ ܕܫܰܝܢܳܐ ܨܠܺܝܒܳܐ ܢܺܝܫܳܐ ܕܙܳܟ̣ܽܘܬܳܐ"، هذا ما نرتّله في صلواتنا الفرضيّة بالسّريانيّة: "الصّليب هو آية الأمان، الصّليب هو علامة الانتصار". فيحمل الصّليب على صدره بقبوله أن يحمل صليبه وصلبانه على كتفيه، ويعتزّ بأنّه يتبع الرّبّ يسوع على طريق الصّليب. كما عليه أن يتمسّك بحقائق الإيمان الموحاة، ويتخلّق بالأخلاق الإنجيليّة دون انتقاص ولا مساومة، ويدافع عن العائلة، الكنيسة البيتيّة، وعن قدسيّة الحياة من المهد إلى اللّحد.

ثانيًا، عليه أن يبقى أمينًا لكنيسته السّريانيّة الّتي عانت الكثير من المآسي على مدى القرون والأحقاب، لكنّها ظلّت شاهدةً للرّبّ حتّى الاستشهاد، كما الآباء والأجداد في القرن المنصرم ومنذ سنوات، إن كان في تركيا أو في العراق وسوريا، وأيضًا نتذكّر الشّهداء الّذين سُفِكَت دماؤهم هنا في أرض مصر الغالية. عليه أن يتذكّر أنّ كنيسته تحتاج إليه كي تبقى ناصعةً نقيّةً، عروسًا للختن السّماويّ.

وأخيرًا وليس آخرًا، عليه أن يبقى أمينًا لهذا الشّعب الطّيّب الّذي استقبله اليوم، والّذي دُعِيَ لكي يخدمه بالأمانة، هذه الأبرشيّة بكهنتها ومؤمنيها فَرِحَة أن تستقبل راعيها الجديد، وتأمل أن يكون لها الأب المتفاني، والأخ الوديع والمتواضع القلب، والصّبور والرّائد للمحبّة بين المؤمنين في أبرشيّته. عليه أن يعامل الجميع بالاحترام والتّقدير والمساواة، عاملاً بالشّعار الّذي اتّخذه لخدمته الأسقفيّة، قول هوشع النّبيّ: "أريد رحمةً لا ذبيحة" (هوشع 6: 6).

وها نحن بمشاركتنا وحضورنا هذا الاحتفال الكنسيّ المعبِّر، نَعِدُه بصلواتنا من أجله، واثقين بأنّه سيسعى لإتمام رسالته وخدمته بهذه الأمانة المطلوبة منه بحسب قلب الرّبّ يسوع.

نتضرّع إلى الرّبّ الإله، بشفاعة أمّنا السّماويّة، سيّدة الورديّة المقدّسة، كي تتشفّع له بحنان الأمّ الرّؤوم لدى ابنها الإلهي، ليكمّله بنعمته، ويفيض عليه مواهب روحه القدّوس، لمجده تعالى، ولخير أبرشيّته والكنيسة جمعاء، فيشهد للرّبّ، ليس فقط بالكلام، ولكن أيضًا بحياةٍ معاشةٍ يوميًّا، إن كانت في الأفراح أو في الآلام والصّعوبات، ويكون دومًا الرّاعي الصّالح، آمين".

من جهته، ألقى المطران أفرام إيلي وردة كلمة قال فيها: "أشكر الرّبّ اليوم الّذي بعنايته وتدبيره اختارني أنا الضّعيف في بشريّتي والقويّ به، أن أستلم مقاليد هذه الأبرشيّة المباركة. لقد قبلت هذه المهمّة الجليلة من دون أن أطرح السّؤال إذا كان هذا المكان يناسبني أم لا، لأنّي على يقين بأنّ الله اختار وقرّر، ليكن اسم الرّبّ مباركًا، لأنّ فرحتي هي هو وكلُّ من ألتقي به، فَهُو فرحتي وسعادتي، إذ أنّي لا أتوق إلى طموحات شخصيّة بل إلى خدمة أبرشيّتي بحكمة وعزم ومحبّة حقيقيّة بكلّ ما يهبني الرّبّ من نعم ضروريّة لهذه الرّسالة الجليلة.

لله اسم واحد لا غير، يدعى المحبّة اللّامتناهية، المحبّة الّتي لا بداية لها ولا نهاية، المحبّة الأصيلة والحقيقيّة، الّتي لها وجه إلهيّ متجسّد، يدعى الرّبّ يسوع المسيح، عمّانوئيل، الله معنا، وإذا كان الله معنا فمن علينا، وعندما نختبر ونعيش هذا الوجه، الّذي هو وجه كلّ إنسان، وبخاصّة المتألّم والمعذّب منه، الّذي يعكس هذا الوجه الحيّ، فلا شيء يفصلنا عنه، لا الاضطهاد ولا الضّيق ولا الجوع ولا السّيف ولا الحرب ولا حتّى الموت.

وجه الحبّ هذا لديه أداة واحدة ألا وهي الصّليب المقدّس، صليب المجد، صليب الخلاص الّذي به نكتشف ونختبر ونعيش معاني ومضمون الحبّ الإلهيّ. فهو قبل كلّ شيء علامة الانفتاح والتّلاقي والاحترام، علامة التّضحية والبذل وعطاء الذّات، علامة المسؤوليّة والالتزام والأمانة، علامة الحقّ والعدل والمساواة، علامة التّواضع لئلّا نتكبّر ونتباهى بأنفسنا، فنتعالى على الآخرين، فتتحوّل العلاقة من صديق إلى صديق إلى سيّد وعبد، سبب كلّ استعباد وذلّ وقهر وعذاب وخراب وثورات، فالصّليب هو علامة التّعزية والشّفاء والخلاص. ألَم يَقُل معلّمنا الإلهيّ إنّني لم آت لأدعو الأصحّاء بل المرضى؟ وحده الله صالح هو وكلّنا خطأة، أيّ مرضى متألّمين، مجروحين. نعم بالصّليب أراد الله أن يدين الخطيئة لا الخاطئ، أن يدين الظّلم لا الظّالم، أن يحكم على المرض ويخلّص المريض. نعم أحبّائي هذا هو إيماننا ورجاؤنا، وهذه هي محبّتنا الّتي لا تقبل أيّة مساومة أو أيّ تحيزُّ. هذا هو الإنجيل المقدّس، البشرى السّارّة لخلاص وفرح الجميع، الّذي من نبعه أستقي دومًا حياتي واليوم مهامي الاسقفيّة في التّعليم والتّدبير والتّقديس، والعناية بإخوتنا وأخواتنا، دون تمييز، وخاصّة بالفقراء والمرضى والأرامل واليتامى والمعذّبين والمقهورين وذوي الحاجات الخاصّة، لأنّني، كما يقول الرّبّ يسوع في الإنجيل، لن أدخل اليوم هذه الحظيرة، هذه الأبرشيّة المباركة كلصّ وسارق، أو كأجير، وإنّما كالرّاعي الصّالح الّذي يدخل من الباب الرّئيسيّ على مرئ من الجميع، لا للتّباهي والتّفاخر، لأنّني أرسلت للجميع، فأعرف خرافي وخرافي تعرفني، وأبذل نفسي من أجلها، وليس فقط لأجلها وحدها، وإنّما من هم خارجها، لم يتعرّفوا عليها بعد، فنبلغ إلى غاية حياتنا ومسيرتنا أن نكون رعيّة واحدة في تدبير ورعاية الرّاعي الواحد.  

وإسمحوا لي الآن أن أشيد بالذّكر الحسن أسلافي الأحبار الأجلّاء الّذين خدموا هذه الأبرشيّة، حبيبة الله، بقلب الرّاعي الصّالح، فإنّي أشعر اليوم بحضورهم الرّوحيّ معي، فهم لي منذ هذه اللّحظة السّند الكبير بسهرهم عليّ لمتابعة المهام الأسقفيّة الّتي مارسوها بكلّ مثاليّة وتفان وروحانيّة وتواضع، فبفضلهم استلم اليوم مقاليد هذه الأبرشيّة لأكمل ما بدأوا به وأسير على خطاهم، فهم تعبوا وأفنوا حياتهم في الخدمة، وهم المثلّثو الرّحمات: مار اقليميس ميخائيل بخاش، وأخوه مار ربولا يوسف (رزق الله) بخاش، ومار باسيليوس بطرس (شارل) هبرا، ومار باسيليوس موسى داوود (البطريرك والكاردينال فيما بعد) والّذي كان له الدّور الكبير في تنظيم وتطوير وازدهار هذه الأبرشيّة المباركة من جميع النّواحي الرّوحيّة والرّاعويّة والرّسوليّة والخيريّة والاستشفائيّة والعمرانيّة والإنسانيّة والاجتماعيّة، ومار اقليميس يوسف حنوش. رحمة الله العادلة تشملهم وتكلّلهم بأعمالهم الطّيّبة، كلّ واحد بحسب النّعمة والوزنة الّتي أعطيت له، فأثمروا بها ثمار الملكوت السّماويّ. أريد هنا أن أنحني بكلّ إجلال ورهبة أمام المثلّثي الرّحمات أصحاب الغبطة بطاركة كنيستنا السّريانيّة الكاثوليكيّة، للاهتمام البالغ بجماعتنا السّريانيّة الكاثوليكيّة في أصقاع مصر الحبيبة، والسّودان العزيز، حيث كانت حتّى سنة ١٩٦٥ نيابة بطريركيّة، في عهدة ورعاية السّيّد البطريرك مباشرة، للاهتمام بأحوال وحاجات أبنائهم وبناتهم الّذين نزحوا من أراضيهم وديارهم وأتوا بلاد الانتشار، منهم من نزح إلى مصر المضيافة، منوّهًا أنّ أوّل جماعة كاثوليكيّة وجدت في مصر بعد الاتحاد بالكرسيّ الرّومانيّ، كانت جماعتنا السّريانيّة، والّتي زادت أعدادها خاصّة بعد المجازر الشّنيعة والظّلم الّذي نزل بهم دون رحمة من الأيادي الغادرة، المجرمة، ليؤمّنوا لهم الخدمة الرّوحيّة والرّاعويّة مشجّعين إيّاهم على الثّبات في إيمانهم القويم والتّمسّك بهويّتهم وبتراثهم السّريانيّ العريق، تراث آبائنا القدّيسين، وهنا أريد أن أحيّي بكلّ إجلال ووقار صاحب الغبطة مار إغناطيوس يوسف الثّالث يونان، بطريركنا الكلّيّ الطّوبى، للدّور الأبويّ والرّاعويّ البالغ الأثر، وللشّجاعة والجرأة المميّزتين للمطالبة بحقوق أبنائه وبناته في أرض الآباء والأجداد من دون تعب أو كلل أو تراجع. أشكركم يا صاحب الغبطة لكلّ ما قدّمتموه وتقدّموه في سبيل استمراريّة كنيستنا السّريانيّة الكاثوليكيّة ورسالتها وإشعاعها في العالم، وأشكركم خاصّة لترؤّسكم اليوم هذا الاحتفال المقدّس وتسليمي مقاليد هذه الأبرشيّة، وأشكر من عمق القلب كلّ من رافقكم من أصحاب السّيادة، إخوتي الأساقفة الأجلّاء، والوفد المرافق لكم من الدّائرة البطريركيّة، وخاصّة من أتى منهم صابرين على العقبات الّتي واجهوها، مصرّين على المجيء، متكبّدين عناء السّفر، ليشاركونني فرحتي اليوم، معبّرين لي عن محبّتهم الأخويّة وصلواتهم ودعمهم لرسالتي الجديدة. بارككم الرّبّ جميعًا بكلّ عطيّة ونعمة روحيّة لمتابعة المسير. وإسمحوا لي أحبّائي أن أوجّه بشكل خاصّ كلّ الشّكر والامتنان الكبير لأخي وصديقي، النّائب البطريركيّ في القدس، سيادة أخي المطران مار يعقوب أفرام سمعان، لكلّ المحبّة والطّيبة والسّهر والتّدبير الحكيم المثمر في إدارة وترميم هذه الأبرشيّة وتنظيم مؤسّساتها كمدبّر بطريركيّ على هذه الأبرشيّة المباركة والنّيابة البطريركيّة على السّودان، طوال فترة شغور كرسيها الأسقفيّ منذ أكثر من سنتين. فلك منّي أيّها الأخ الحبيب كلّ المودّة والتّقدير والاحترام، وكافأك الرّبّ يسوع، رئيس الأحبار، لكلّ أتعابك وجهودك الجبّارة الّتي نالت إعجاب وتقدير الجميع. كما أتوجّه بالشّكر الجزيل والامتنان لكلّ من أسعدني وشرّفني اليوم في احتفال توليتي من أصحاب السّيادة ممثّلي أصحاب الغبطة، وأصحاب السّعادة والسّيادة من مختلف الطّوائف المسيحيّة وغيرها وممثّليهم، وبخاصّة صاحب السّعادة السّفير البابويّ وسفير بلدي لبنان المجروح والمتألّم، لكلّ الآباء الكهنة والشّمامسة والرّهبان والرّاهبات، والأهل والأصدقاء الّذين استطاعوا المجيء من قريب ومن بعيد، ومن منهم لم تسنح لهم الظّروف للحضور الجسديّ ولكن الحاضرين معنا بوحدة القلب والرّوح، ليغمروني جميعًا بمحبّتهم وعطفهم ومودّتهم وصلواتهم، وأخصّ بالذّكر والدتي الحبيبة كلاديس، الحاضرة معنا، السّاهرة دومًا عليّ، والّتي تبثّ فيّ الحياة في كلّ لحظة بعاطفتها وحنوّها وتضحياتها الّتي لا حدّ لها، لأبقى دومًا سعيدًا في حياتي وثابتًا في إيماني وأمينًا في رسالتي، وإخوتي ملائكتي الحرّاس الّذين يغمرونني بمحبّتهم الفيّاضة وعنايتهم الدّؤوبة ودعمهم وعطاءاتهم الّتي لا تنضب، ومن غادروا هذه الفانية أختي ووالدي وأخي، وهم أحياء أبدًا في رحمة وحنوّ الله، يرافقونني دومًا في مسيرتي، شفعاء لي عند أبي الأنوار.  

يقول الرّبّ يسوع "اسألوا تعطوا اطلبوا تجدوا اقرعوا يفتح لكم".  

بهذا يُظهر المعلّم الإلهيّ الدّعوة السّامية لكلّ إنسان منذ نعومة أظافره في البحث عن الحقيقة والأنسنة والعلم والمعرفة واكتشاف الجمال والإبداع واكتناز الفضائل والقيم، وهذا لا يتمّ إلّا عبر المؤسّسات التّربويّة. وأريد هنا أن أحيّي من صميم القلب وأعبّر عن شكري العميق للجسم الإداريّ والتّربويّ والتّعليميّ والطّلّابيّ في مدرستنا الفاضلة، مار ميخائيل. أدامكم الرّبّ جميعًا في هذه الرّسالة السّامية وبارك بشفاعة الملاك ميخائيل، رئيس الملائكة، كلّ جهودكم وأتعابكم لتنشئة الطّلبة، رجال ونساء الغد، لمجتمع حضاريّ أفضل، بمزيد من الحبّ، ومن العدل، ومن الإنسانيّة، حيث الأمن والسّلام والاستقرار والازدهار وغبطة الحياة.

اليوم، في حفل تنصيبي على هذه الأبرشيّة المباركة، يُصادف فيه عيد سيّدة الورديّة، شفيعة هذا الكرسيّ الأبرشيّ، الّذي فاح عطر بتوليتها، وطهارتها، وقداستها، وهي الفتاة النّقيّة الّتي اصطفاها الله، لتكون أُمًا لكلمته الإلهيّة المتجسّد، الرّبّ يسوع المسيح، الّذي جعلها أمًّا للكنيسة الجامعة، كونها جسد المسيح السّرّيّ، وهي الحبل بلا دنس، ومنحها نعمة خاصّة، أن تشارك آلام ابنها الوحيد الخلاصيّة، والّتي تسهر على الكنيسة كمثال أعلى للتّلميذ الأمين والحكيم والحرّ والمطيع، الّذي بحرارة إيمانه يميّز إرادة الله فيختارها بحرّيّة تامّة، ويقول دومًا نعم لهذه الارادة، كمريم، بقلب ثابت، وثقة لا تتزعزع، مهما كانت المخاطر والتّحدّيات والعقبات، لأنّ الكلمة الأخيرة هي للقائم والمنتصر على الموت، ومعه نرفع رؤوسنا لأنّ خلاصنا قد اقترب.  

"افعلوا ما يأمركم به"، هذا ما قالته العذراء مريم للخدّام في عرس قانا الجليل حيث نفدت خمرة الحبّ والفرح والشّراكة، ولكن لن يفت الأوان، فالرّجاء لا يزول ولا يخيب المؤمن. عين أمّ الكنيسة وأمّنا السّماويّة، العذراء مريم، ساهرة دون نعاس وانقطاع، لتحمي أبناءها وبناتها من اندساس أيادي الشّرّ والغدر والتّفكيك، وخاصّة تفكيك المؤسّسة الزّوجيّة والبيتيّة، فأريد هنا أن أوجّه كلّ التّحيّة والامتنان والتّقدير لكهنة أبرشيّتي العزيزة، أبونا ميشال، أبونا مانوللو، أبونا شفيق وأبونا سالفاتوري، هؤلاء الآباء الخدّام الصّالحون والنّشيطون والأمناء، لحسّهم الرّوحيّ والرّاعوي المميّز بالمحبّة والعطاء والتّضحية والتّفاني، واضعين خدمتهم تحت أنظار وسهر وعناية أمّنا العذراء مريم سيّدة الورديّة وشفاعتها، و وأوجّه أيضًا شكري وتقديري للشّمامسة والعاملين في خدمة هذه الأبرشيّة المباركة، من متطوّعين وموظّفين، وخاصّة اللّجان المختلفة الخيريّة، والاستشفائيّة (المستوصف والعيادة الطّبّيّة)، والكشفيّة، والتّعليم المسيحيّ، والجوقة، والأخويّات، والشّبيبة، والحركات الرّسوليّة، والقيّمين على الأوقاف، لكم أقول من عمق القلب شكرًا، ومعكم سنتابع مسيرتنا الخلاصيّة بالتّعاون المستمرّ المنظّم وبالمواظبة وبكلّ فرح وتهليل.

والآن مسك الشّكر لكم يا أبناء وبنات أبرشيّتي المباركة، أنتم الّذين قد استقبلتموني كصورة مسبّقة لعرس الملكوت، بحفاوة، بالطّبول والزّغاريد، وقبلتموني في قلوبكم النّيّرة، الطّيّبة، حيث كنوز الصّالحات، كأب ورأس وراع. من دونكم الحركة تبقى حركة ولكن دون بركة ودون ثمار تليق بالملكوت. سنتعرّف على بعضنا البعض ونبني جسور المحبّة والأخوّة والثّقة والإحترام، فنعمل ونخدم سويّة يدًا بيد بروح الوحدة والألفة، كلّ بحسب موضعه، كموقع الرّأس وتموضع باقي أعضاء الجسد، الّذي يعمل ويفيض حياة باللّحمة والانسجام، فنكون الشّهادة الصّادقة والحقيقيّة لحضور الرّبّ يسوع المخلّص والمنجّي، في وسط عالم تعصف فيه الرّياح العاتية، الهوجاء، المخرّبة والمدمّرة، فنعمل على إعلاء بنيان هذه الأبرشيّة لمجد الله الّذي لا يمكن أن يتمجّد إلّا في خدمة وخلاص إخوته وأخواته البشر، أبناء وبنات الله.  

فيا سيّدة الورديّة، فمعك نريد أن نتأمّل محطّات التّدبير الخلاصّي الّذي حقّقه ابنك بسرّ موته وقيامته المجيدة، من خلال أسرار ورديّتك الأربع: الفرح، والحزن، والمجد، والنّور. فنعرف أن نفرح معك، ونحزن معك، ونمجّد معك، وندخل مثلك في عمق النّور السّماويّ حيث كمال الحبّ وتمام العلم والمعرفة، والوحدة الّتي لا تنفصم والشّراكة الأخويّة الّتي لا تنقطع، فتولد الخليقة الجديدة، متحرّرة من آلام المخاض، بكلّ بهائها وجمالها وقمّة مجدها الأبديّ. آمين".