أميركا
01 آب 2023, 07:50

يونان من جاكسونفيل- فلوريدا: نحتاج أن نكون رسل المحبّة والسّلام والفرح حيثما حللنا

تيلي لوميار/ نورسات
وصل بطريرك السّريان الكاثوليك مار إغناطيوس يوسف الثّالث يونان مساء السّبت إلى مدينة جاكسونفيل- فلوريدا، حيث ترأّس صلاة الشّكر وخدمة العذراء في كنيسة سيّدة السّلام. وللمناسبة وجّه كلمة إلى الحاضرين عبّر فيها عن فرحه بهذا اللّقاء الّذي توّجه بعد البركة بلقاء في قاعة الكنيسة.

أمّا الأحد صباحًا فاحتفل بالقدّاس الإلهيّ على مذبح كنيسة مار أفرام السّريانيّ جاكسونفيل، عاونه فيه القيّم البطريركيّ العامّ وأمين سرّ البطريركيّة المونسنيور حبيب مراد، وكاهن الرّعيّة الأب فادي مطلوب، بحضور ومشاركة النّائب العامّ لأبرشيّة سيّدة النّجاة في الولايات المتّحدة الخوراسقف روسّو.  

في عظته بعد الإنجيل المقدّس، كانت ليونان عظة قال فيها: "قلبنا مملوء فرحًا أن نكون معكم هنا في هذا الصّباح حتّى نحتفل سويّةً بالذّبيحة الإلهيّة بحسب طقسنا السّريانيّ الأنطاكيّ، ووجودكم ومشاركتكم تملأ قلبنا فرحًا واعتزازًا، لأنّ الكنيسة، كنيسة مار أفرام هذه هي من أقدم كنائسنا في الولايات المتّحدة الأميركيّة. ونتذكّر جيّدًا كيف أنّ كثيرين منكم، الموجودين وحتّى الغائبين، استطاعوا أن يحصلوا على الأرض ويبنوا هذه الكنيسة. وبهمّة الأمناء والأوفياء للرّبّ وللكنيسة، استطعتم ولا تزالون توفون الدّيون الّتي عليكم، حسبما ذكر لنا سيادة أخينا الحبر الجليل مار برنابا يوسف حبش مطران هذه الأبرشيّة المباركة، وأبونا فادي مطلوب، كاهن هذه الرّعيّة العزيزة والغالية على قلبنا، أنّكم تقومون بالحقيقة بأعمال جبّارة حتّى تنهوا ما يُسمَّى الدّيون المترتّبة على الرّعيّة.

يشارك معنا في هذا القدّاس النّائب العامّ لهذه الأبرشيّة الخوراسقف روسّو، والمونسنيور حبيب مراد الّذي يرافقنا في هذه الزّيارة، والشّمامسة الأحبّاء، وأعضاء مجلس الرّعيّة، ولجنة السّيّدات، وجوق التّراتيل، والشّبيبة، وجميع المؤمنين صغارًا وكبارًا، جميعكم أيّها الأحبّاء تملأون قلبنا بالفرح.

سمعنا من الإنجيل المقدّس بحسب القدّيس مرقس أنّ البيت، وهنا يذكر المملكة بما يسمّى الأمثال الّتي أعطانا إيّاها الرّبّ يسوع، أنّ على البيت أن يكون موحَّدًا، لأنّه إذا انقسم البيت، فهذا يعني أنّ الانهيار يحلّ على الجميع، وهذا للأسف مخيف جدًّا. وسمعنا من الرّسالة إلى العبرانيّين أنّ الأبناء هم في عمر يحتاجون إلى ما يسمّى بالتّأديب، فالأهل يؤدّبون، وهذا لا يعني أنّهم يضربون، إنّما ينصحون ويوجّهون بمحبّة، لأنّ الإبن بحاجة إلى من يوجّهه.

سمعنا للتّوّ من الإنجيل المقدّس بحسب القدّيس مرقس، أنّ الرّبّ يسوع يدعونا كي نكون واحدًا، وألّا نكون مقسَّمين، لأنّ الانقسام يؤدّي إلى دمار وخراب البيت والمجتمع، وحتّى الكنيسة، لذا علينا أن نكون واحدًا. ونحن نعلم جيّدًا أنّ هناك الكثير من المشاكل والتّحدّيات في حياة العائة، لكنّنا نتذكّر أنّ الرّبّ يسوع هو معنا، وهو حاضر دائمًا كي يساعدنا ويوجّهنا ويقودنا بالمحبّة الّتي منحَنا إيّاها.

بالنّسبة إلى العلاقات بين الأهل والأولاد، تعلمون أيّها الشّبّان والشّابّات الأعزّاء أنّنا جميعنا نحتاج أن نتذكّر دعوتنا كي نسير بالحقّ والمحبّة، كما يعلّمنا إيماننا المسيحيّ، فعلينا أن نتبع الرّبّ يسوع ونطيعه ناشرين المحبّة من حولنا. وهنا طاعة الأهل والعمل بتوجيهاتهم ليست بانقياد أعمى من الأولاد للأهل، إنّما لأنّ الأهل يحبّون أولادهم، فهم يريدونهم أن يكونوا الأفضل بين أصدقائهم ووسط محيطهم، لذا نحتاج جميعًا أن نعمل بالحقّ بفرح، وأن نكون رسل المحبّة والسّلام والفرح حيثما حللنا.  

أحبّاءنا، لن نطيل الكلام أكثر رغم محبّتنا الكبيرة لكم ورغبتنا الدّائمة أن تكونوا حقيقةً هؤلاء المؤمنين الّذين يبنون والّذين يعرفون أن يتفهّموا ويتجاوزوا الأخطاء الّتي تحدث، لأنّ لا أحد منّا كامل. لكن علينا أن نتعاون جميعنا معًا كي نسير نحو الملكوت، بشفاعة أمّنا مريم العذراء الّتي هي الأمّ السّماويّة الّتي ترافقنا وتحمينا، وبشفاعة مار أفرام شفيع هذه الكنيسة"

وأنهى عظته حاثًّا المؤمنين كي يتذكّروا "أنّنا كلّنا، سواء هنا في بلاد الاغتراب حيث أرادنا الرّبّ أن نكون، أو في بلاد المنشأ في الشّرق، تعرف جميعنا الصّعوبات والمآسي الّتي يعيشها أهلكم وأهلنا والمسيحيّون وسواهم في بلادنا، أكان في العراق وسوريا ولبنان، وفي بلدان أخرى أيضًا. ومع ذلك سنبقى شعب الرّجاء الّذي يعلم يقينًا ويثق بأنّ الرّبّ جاء كي يخلّصنا ويقودنا إلى أبيه السّماويّ".

وكان الأب فادي مطلوب قد ألقى كلمة رحّب فيها بالبطربرك بونان، فقال: "ܬܳܐ ܒܰܫܠܳܡ ܪܳܥܝܳܐ ܫܰܪܺܝܪܳܐ ܘܰܡܕܰܒܪܳܢܳܐ ܚܰܟܺܝܡܳܐ هلمّ بسلام أيّها الرّاعي الصّالح والمدبّر الحكيم، غبطة أبينا البطريرك، باسم سيادة راعي الأبرشيّة مار برنابا يوسف حبش الجزيل الاحترام، وباسم الخوراسقف روسّو النّائب الأسقفيّ العامّ لأبرشيّتنا، وبالأصالة عن نفسي، وباسم كلّ أبناء وبنات كنيسة مار أفرام السّريانيّ في جاكسونفيل- فلوريدا، نرحّب بكم أشدّ التّرحيب في هذه الكنيسة الشّهادة لمحبّة المسيح، والّتي كُرِّس مذبحها المقدّس على يدكم الطّاهرة، ودُشِّنت في عهد غبطتكم يوم كنتم مطرانًا وراعيًا لأبرشيّة سيّدة النّجاة الّتي كانت تضمّ حينها الولايات المتّحدة الأميركيّة وكندا.

قد تخوننا كلماتنا البسيطة في التّعبير عن مدى الحبّ والفرح الكبيرين اللّذين نشعر بهما، ونحن نستقبلكم اليوم بيينا، لا نقولها مجاملةً بل حقيقة. زيارتكم لنا اليوم وترؤّسكم قداسنا تعني لنا الكثير، فانشغالاتكم الرّاعويّة الكبيرة ومسؤليّاتكم الجمّة في رعاية وتدبير وإدارة شؤون البطريركيّة السّريانيّة الكاثوليكيّة الأنطاكيّة، لم ولن تمنعكم عن زيارتنا، فأتيتم من بلد الرّسالة- لبنان حيث مقرّ كرسيكم السّريانيّ الأنطاكيّ، لتؤكّدوا لنا من جديد، قُربكم من أبناء وبنات كنيستكم في بلاد الانتشار.

سيّدي صاحب الغبطة، وجودنا في هذه القارّة، ورغم بُعد المسافات، لم يفصل محبّتكم عنّا، تلك الّتي لمسها الصّغير قبل الكبير. وإسمحوا لي هنا أن أقولها باختبار شخصيّ أمام هذا الجمع الحاضر، فقد اختبرتُ أنا شخصيًّا أبوّتكم ومحبّتكم منذ يوم كنتُ طالبًا إكليريكيًّا في إكليريكيّة سيّدة النّجاة البطريركيّة في دير الشّرفة، درعون- حريصا، مع إخوتي الّذين أصبحوا اليوم كهنة يخدمون كنائسنا السّريانيّة المنتشرة في أقطار المسكونة الأربعة. فببركة صلاتكم نحن اليوم هنا، وبإرشادكم الأبويّ والرّاعويّ سنستمرّ في خدمتنا الكهنوتيّة لرعاية هذه الرّعيّة بروح التّواضع والطّاعة والأمانة لتعليم الإنجيل المقدّس.

لا نخفي عليكم بأنّ التّحدّيات والصّعوبات للشّهادة للمسيح الحيّ في قلوبنا أصبحت كبيرة، رغم توفّر الأمن والنّظام الّذي نتمنّاه لشرقنا الحبيب، ولكن أن نبقى أمناء لتعاليم سيّدنا يسوع المسيح في هذا المجتمع، فهذا ليس بالأمر اليسير، بل يتطلّب من كلّ واحدٍ منّا جهادًا روحيًّا وصلاةً قويّةً من لَدُنِكم لتسند ضعفنا، ونحن نعيش في زمنٍ كُثرت فيه التّيّارات الإلحاديّة والمادّيّة، وأصبح كلُّ شيءٍ مباحًا تحت مُسمَّى الحرّيّة، والّتي ومع الأسف تَشوَّهَ معناها وأُسيءَ فهمها.

سيّدي صاحب الغبطة، لطالما ذكّرتُمونا سابقًا، بأنّنا أحفاد أجداد وجدّات عاشوا الإيمان ببساطة، ولكن بثقةٍ وعمقٍ روحيّ كبيرين. نعم نحن أحفادهم، أحفاد من استُشهِد البعض منهم في سبيل إيمانهم، وهُجِّر قسمٌ كبيرٌ منهم، فتركوا أرضهم مرغَمين، وهاجروا تاركين كلّ شيء وراءهم في سبيل تأمين إمكانيّةٍ لعيش الإيمان المسيحيّ وممارسته. نعم، نحن أحفادهم من جاكسونفيل– فلوريدا، نعدكم ونؤكّد لكم بأنّنا لا نزال متمسّكين بهذا الإيمان، ونعمل جاهدين على الحفاظ على كنزنا هذا. فتقاليدنا المشرقيّة العريقة لا تزال حاضرة وبقوّة في تفاصيل حياتنا وتعاملاتنا اليوميّة مع بعضنا البعض، وسنبقى نحبّ مورثنا اللّيتورجيّ السّريانيّ الأصيل، ونعتزّ به، ونعمل جاهدين على نشره في مجتمعنا حيث نعيش اليوم، وسنعمل سويّةً كعائلة واحدة، كاهنًا وشعبًا، لنقله إلى أجيالنا القادمة الّتي ستكون وحدها سبب استمراريّة وديمومة كنيستنا السّريانيّة في الغرب.  

ختامًا، أعذروني يا صاحب الغبطة إذ أطلتُ عليكم الكلام، واسمحوا لي، مع كلّ المشتركين في هذه الذّبيحة، أن نجدّد التّرحيب بغبطتكم. وأيضًا لا أنسى أن أرحّب بالأخ والصّديق الحبيب حضرة المونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركيّ العامّ وأمين سرّ البطريركيّة، والّذي يرافقكم في هذه الزّيارة الأبويّة التّاريخيّة. ومع أدعيتنا وصلواتنا الّتي سنرفعها اليوم كي تبقوا بأتمّ الصّحّة والعافية، اسمحوا لي، باسم رعيّة مار أفرام، أن أقدّم لغبطتكم هديّة بسيطة، عربون محبّة وامتنان لهذه الزّيارة، وهي عبارة عن العكّاز الأبويّ، اعترافًا منّا بأنّكم الرّاعي الصّالح والأب المحبّ والمدبّر الحكيم لكنيستنا، طالبين منكم، في كلّ مرّة تحملونها في ذبيحة القدّاس، أن تذكروني أنا العبد الضّعيف ورعيّتي في صلواتكم".