لبنان
09 كانون الثاني 2024, 11:20

يونان يدعو العائلات إلى الصّلاة والطّلب من الرّبّ أن يلهمها بالرّوح القدس

تيلي لوميار/ نورسات
في كنيسة مار بهنام وسارة- الفنار، احتفل بطريرك السّريان الكاثوليك مار إغناطيوس يوسف الثّالث يونان بقدّاس عيد الدّنح، حيث أقام رتبة العيد وتبريك المياه بحسب الطّقس السّريانيّ الأنطاكيّ، وطاف في زيّاح مهيب داخل الكنيسة، وشّح خلاله السّيّدَ كابي ملكو بخمارٍ أبيض، ليمثّل إشبين الرّبّ يسوع، بحسب العادة المتَّبَعة، فيحمل قنّينة الماء الّتي يعلوها الصّليب المقدّس. ثمّ بارك المياه كما الجهات الأربع.

وبعد الرّتبة، كانت عظة تحدّث فيها- بحسب إعلام البطريركيّة: عن "عيد الدّنح، عيد الغطاس، عيد عماد الرّبّ يسوع"، وقال: "الدّنح كلمة سريانيّة تعني "الظّهور"، فاليوم، بعماده في نهر الأردنّ، أظهر لنا الرّبّ يسوع جوهره الإلهيّ أمام الملأ، أمام الشّعب الّذي كان يعتمد. تنازل الرّبّ يسوع واعتمد على يد يوحنّا الّذي كان يمانع بدايةً: كيف أعمّد أنا الخاطئ حملَ الله؟، لكنّ يسوع طلب منه أن يعمل ما يجب عليه أن يعمله حتّى يكمل البرّ، وما هو البرّ؟ هو مشروع الخلاص لنا نحن البشر. يسوع أخلى ذاته، كما نعلم من تعاليم مار بولس، أخلى ذاته من كلّ شيء، تقبّل كلّ شيء، وشابَهَنا في كلّ شيء ما عدا الخطيئة، وأحبّنا حتّى قدّم ذاته على خشبة الصّليب.  

سمعنا من بعض القراءات من العهد القديم، من الأنبياء الّذين كانوا يتنبّأون عن يسوع، بعضَ الرّموز الّتي كانت قد اكتملت في أيّام موسى حين حلّى الماء المالح كي يشرب الشّعب. وسمعنا أيضًا من سفر أعمال الرّسل ذاك النّصّ الرّائع الّذي هو عماد الخصيّ من إثيوبيا- الحبشة، والّذي كان يهوديًّا جاء ليزور المدينة المقدّسة، وكان في طريق عودته يقرأ في سفر النّبيّ إشعيا. فألهم الرّوحُ القدسُ فيلبّسَ الرّسولَ أن يلتقي بهذا الحبشي، ويشرح له معنى هذا النّصّ من سفر النّبيّ إشعيا من العهد القديم. وبنعمة الله، حلَّ الإيمانُ في قلب هذا الإثيوبيّ الحبشيّ الّذي يبدو أنّه كان لديه مركز مرموق في المملكة، فطلب أن يعتمد على يد فيلبّس، وكان من أوائل النّاس الّذين اعتمدوا في المسيحيّة، حسبما يخبرنا سفر أعمال الرّسل.  

إنّكم تقولون كيف تكلّم هذا الحبشي مع فيلبّس؟ بالتّأكيد أنّ فيلبّس كان قد نال الرّوح القدس وأضحى يعرف اللّغات، لكن كذلك إذا تعمّقنا في هذا الأمر، نجد أنّ أهل الحبشة كانوا يتكلّمون أيضًا اللّغة الآراميّة السّريانيّة. فقد كان هناك مجال إذًا أن يتفاهم فيلبّس والحبشيّ، والحبشة هي من أوائل الممالك الّتي أصبحت مسيحيّة وإلى اليوم، ومعنى عاصمتها، على سبيل المثال، أديس أبابا، كلمتان سريانيّتان تعنيان الزّهرة الحديثة، هذا البلد الّذي يُسمَّى اليوم إثيوبيا، لا يزال أغلب سكّانه من المسيحيّين حتّى اليوم. وما يهمّنا أيضًا أنّنا نعرف أنّه في بلاد أفريقيا، لاسيّما في مصر وإثيوبيا، حافظت المسيحيّة على وجودها.  

إنّ القدّيس بولس الرّسول يذكّرنا حين يكتب في رسالته إلى تلميذه تيطس أنّنا نلنا الإيمان، وأنّ علينا أن نسلك حسب هذا الإيمان، فنتنافس مع بعضنا في عمل الخير، لا أن نكره بعضنا ونبثّ الشّقاق فيما بيننا، بل علينا أن نعيش الوحدة برباط المحبّة الّتي علّمنا إيّاها يسوع. وهنا نتأمّل بالرّبّ يسوع الّذي اعتمد حتّى يُظهِر ألوهته، وفي الوقت عينه كي يبيّن لنا محبّته ورحمته".  

وشرح البطريرك يونان معاني رتبة عيد الدّنح وتبريك المياه، وهي "رتبة هامّة وفريدة"، متوقّفًا عند أهمّيّة المعموديّة كسرّ ومفاعيلها في حياة المؤمن، فقال: "كما رأينا، درنا في الكنيسة في بداية القدّاس مع قنّينة الماء، يحملها إشبين المسيح، السّيّد كابي ملكو حمل القنّينة باسمكم جميعًا، كي يَظهَر على أنّه عرّاب أو إشبين للمسيح. وتعرفون أهمّيّة أن يكون الشّخص عرّابًا أو عرّابةً للمعمَّد أو للمعمَّدة، فهناك صلة روحيّة وثيقة بين المعمَّد وعائلته من جهة، وبين الإشبين وعائلته من جهة أخرى، نسمّيها القرابة الرّوحيّة. هذا الإشبين هو الصّديق العزيز على الرّبّ يسوع، وهنا نسأل الرّبّ يسوع أن يجعل من جميع شبّاننا أعزّاء له وأصدقاء بالفعل، وليس فقط بالكلام، بل بحياة مسيحيّة صالحة.  

إنّ الرّبّ يسوع طلب منّا أن نعيش المحبّة الحقيقيّة في العائلة، وأن تكون عائلاتنا مقدَّسة ومبارَكة، وأن تتغلّب على الصّعوبات الّتي تصادفها في طريق هذه الحياة، وما أكثرها اليوم! ونحن نسمع ذلك من الّذين يخدمون في المحاكم الكنسيّة، وللأسف الشّديد، وهذا الأمر يؤلم قلبنا، لأنّ المشاكل العائليّة تزداد، ويلجأ الزّوجان إلى المحاكم، في حين يجب عليهما العودة للصّلاة والطّلب من الرّبّ أن يلهمهما بالرّوح القدس، كيف عليهما أن يكملا وعد المحبّة الّذي وعدا به، كلّ واحد منهما للآخر، عندما نالا سرّ الزّواج. عليهما أن يعرفا أنّ لدى كلّ مؤمن طاقة روحيّة تستطيع أن تساعده كي يتغلّب على كلّ صعوبات الحياة، على كلّ مشاكل المعاملة والتّواصل بين الشّخصين، مهما كانت ظروف حياتهما، فيفهم كلّ واحد منهما الآخر، حتّى يعرفا أن يحافظا على رباط المحبّة كخيمة حقيقية للأولاد".  

وذكّر المؤمنين بأنّهم يعرفون "المشاكل الموجودة في عالمنا اليوم، ونسمع ذلك ليس فقط في الغرب، بل هنا في الشّرق أيضًا، فالبركة تُعطى فقط للشّخص الّذي يضع نفسه أمام الله، ويطلب نِعَمَه كي يكمل حياته الصّالحة، البركة تُعطى للزّوجين الصّالحين. فالكنيسة هي أمّ وكلّها رحمة وحنان وتقبل الجميع، لكنّها لا تعطي البركة لأشخاص يريدون أن يستمرّوا في العيش في حالة الخطيئة".  

وتضرّع يونان في الختام "إلى الرّبّ يسوع، بجاه عماده وظهوره الإلهيّ في نهر الأردنّ، أن يمنحنا النِّعَم اللّازمة كي نتابع مشوار حياتنا كما يريد هو ويرضي مشيئته، بشفاعة أمّنا مريم العذراء، والقدّيسين بهنام وسارة الشّهيدين، وجميع القدّيسين والشّهداء".