الفاتيكان
14 حزيران 2024, 07:00

"المسيحيّ مدعو ليكون أداة بين يدَي الله لتحرير الفقراء": البابا فرنسيس

تيلي لوميار/ نورسات
رسالة البابا فرنسيس لمناسبة اليوم العالميّ الثامن للفقراء الذي يُحتفل به في ١٧ تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠٢٤. الرسالة بعنوان "الصلاة الخارجة من فم الفقير تبلغ إلى أذنيّ الربّ"، وهي بمثابة دعوة إلى التأمّل كي تصبح الصلاة وسيلة للشركة معهم وتقاسم معاناتهم، كما تشدّد الرسالة على التنبّه إلى الفقراء وعلى أهمّيّة العمل الرعويّ من أجلهم وما يمكنهم أن يُعلِّمونا، بحسب ما جاء في "أخبار الفاتيكان".

 

تحدّث البابا فرنسيس، في رسالته بمناسبة اليوم العالميّ للفقير، عن يشوع بن سيراخ مشيرًا إلى أنّه يتطرّق إلى مواضيع ليست بالسهلة مثل الحرّيّة والشرّ والعدالة الإلهيّة، والصلاة وهي مواضيع آنيّة اليوم أيضًا. وقال البابا إنّ الكتابة عن الصلاة لا يمكن أن تكون فعّالة إن لم تنطلق ممّن يكونون في حضور الله ويصغون إلى كلمته يوميًّا "في شبابي وقبل تجوالي التمستُ الحكمة علانية في صلاتي". إكتشف بن سيراخ في مسيرته هذه واحدة من حقائق الوحي الأساسيّة، وهي أنّ للفقراء مكان مميّز في قلب الله. "صلاة المتواضع تَنفذ الغيوم ولا يتعزّى حتّى تصل. ولا يكفّ حتّى يفتقده العليّ وينصف الأبرار ويجري القضاء" (سي ٣٥، ١٧-١٩).

أردف البابا أنّ "الله يعلم بمعاناة أبنائه لأنّه أب متنبّه إلى الجميع ومهتمّ بهم، وكأب، فهو يعتني بمن هم أكثر عوزا: الفقراء، المهمّشين، المتألّمين، المنسيّين، ولكن لا أحد يُستثنى في قلب الله، فجميعنا أمامه فقراء ومعوزون، جميعنا متسوّلون، ومن دون الله نحن لا شيء ولم تكن لنا حتّى حياة لو لم يهبنا هو إيّاها. إلّا أنّنا على الرغم من ذلك، كثيرًا ما نعيش وكأنّنا نحن أسياد الحياة، كما وأنّ العقليّة الدنيويّة تطالبنا بأن نكون أحدًا ما وأن نتحلّى بالشهرة على حساب كلّ شيء والجميع، منتهكين القواعد الاجتماعيّة من أجل بلوغ الثراء".  

توقّف قداسة البابا في الرسالة، عند العنف بسبب الحروب والذي يُبرز بوضوح العجرفة التي تُحرّك من يعتبر نفسه قويًّا أمام الآخرين بينما هو بائس في عينَي الله. كم من الفقراء الجدد تُنتج السياسة السيّئة التي تُطبَّق بالسلاح، كم من الضحايا الأبرياء!! إنّ تلاميذ الربّ يدركون أنّ كلّ واحدٍ من هؤلاء الصغار يحمل وجه ابن الله مطبوعًا عليه، وإلى كلّ منهم يجب أن يصل تضامنُنا وعلامة المحبّة المسيحيّة.

شدّد البابا على أنّ كلّ مسيحيّ وكلّ جماعة مدعوّان إلى أن يكونا أداةً بين يدَي الله لتحرير الفقراء ونموّهم بحيث يستطيعون الاندماج كليًّا في المجتمع. وهذا يفترض أن نكون طيّعين ومصغين إلى صوت الفقير وأن نساعده" (الإرشاد الرسوليّ، فرح الإنجيل، 187).

"نحن في حاجة، في هذه السنة المكرّسة للصلاة"، قال البابا، "إلى أن نتبنّى صلاة الفقراء وأن نصلّي معهم، هذا تحدٍ علينا أن نقبله، وبعمل رعويّ علينا إنماؤه".

"إنّ أسوأ تمييز يعاني منه الفقراء هو غياب الاهتمام الروحيّ، فالأغلبيّة الكبيرة منهم لديها انفتاح خاصّ على الإيمان وحاجة إلى الله، ولا يمكننا تجاهل أن نقدّم لهم صداقته وبركته، كلمته والاحتفال بالأسرار، واقتراح مسيرة نموّ ونضج في الإيمان".

وشدّد الأب الأقدس على أنّ "مسيرتنا مع الفقراء يجب أن تترجَم بشكل أساسيّ في عناية دينيّة يطبعها التميّز والأولويّة. ويتطلّب هذا قلبًا متواضعًا، قلبًا قادرًا على أن يكون متسوّلًا وأن يعتبر نفسه فقيرًا ومعوزًا. الفقير لا يتباهى ويؤمن بإمكانيّة اللجوء إلى محبّة الله الرحومة، ويضع ثقته بالكامل في الله وفي أنّه لن يتركنا أبدًا وسيجيبنا دائمًا".

ثم وجّه البابا فرنسيس كلمته إلى الفقراء الذين يعيشون في مدننا ويشكّلون جزءًا من جماعاتنا داعيًا إيّاهم إلى ألّا يفقدوا أبدًا هذا اليقين، فـ"الله متنبّه إلى كلٍّ منكم وقريب منه". لا نعتقدنّ أن الله لا يصغي إلى صلواتنا، صمت الله ليس عدم انتباه إلى معاناتنا، بل إنّ قضاء الربّ سيُجرى للفقير (يش٢١، ٥). "عندما تنغلق الحياة الداخليّة على مصالحها الذاتيّة لا تعود هناك فسحة للآخرين، فلا يدخل الفقراء بعد، ولا يُسمع بعد صوت الله، ولا يُتمتّع بعد بفرح حبّه العذب، ولا يعود ينبض فينا الحماس لعمل الخير. وليست هذه الحياة في الروح التي تنبع من قلب المسيح القائم من بين الأموات"، أكّد الأب الأقدس.

اليوم العالميّ للفقراء صار موعدًا بالنسبة إلى كلّ جماعة كنسيّة، يشكّل فرصة رعويّة لا يجب التقليل من أهمّيّتها، وذلك لأنّها تحفّز كلّ مؤمن على الإصغاء إلى صلاة الفقراء والوعي لوجودهم واحتياجاتهم. هذا اليوم هو أيضًا فرصة لتنفيذ مبادرات تساعد الفقراء بشكل ملموس وتوفّر الدعم للكثيرين من المتطوّعين الذين يعملون بشغف من أجل أكثر الأشخاص عوَزًا.

شكر الأب الأقدس الربّ على من يصغون إلى الفقراء ويساعدونهم من كهنة ومكرّسين وعلمانيّين يعطون صوتًا ويدَين وقدمَين لردّ الله على صلاة مَن يلجؤون إليه، وأضاف: "لدى الفقراء ما يمكّنهم من أن يُعَلّمونا لأنّهم فقراء، وفي ثقافة تضع الثراء في المرتبة الأولى مضحّيةً غالبًا بكرامة الأشخاص على مذبح الخيور المادّيّة، هم يسيرون عكس التيّار موضحين أنّ الجوهريّ بالنسبة إلى الحياة، هو شيء آخر".

شدّد البابا فرنسيس على أنّ أعمالنا من دون صلاة يوميّة، ومن دون أمانة، تفرغ وتفقد روحها الأكثر عمقًا.  

ذكَّر الأب الأقدس هنا بكلمات الأمّ تيريزا أمام الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة سنة ١٩٨٥ حين قالت مشيرة إلى المسبحة التي تحملها بين يديها إنّها مجرّد راهبة فقيرة تصلّي، وبالصلاة يضع يسوع في قلبها محبّته وتَهَبُ هي هذه المحبّة للفقراء الذين تلتقيهم. وأضافت حينها: "صلّوا أنتم أيضًا، فستنتبهون إلى من بجانبكم من فقراء، صلّوا فتنفتح أعينكم وتمتلئ قلوبكم بالمحبّة".

كما تَذكَّر البابا فرنسيس القدّيس بندكت جوزيف لابر الذي عاش سنواته الأخيرة فقيرًا وسط الفقراء وكان يصلّي لساعات طويلة جاعلًا من حياته صلاة من دون انقطاع.

ثم ختم البابا فرنسيس رسالته مشيرًا إلى أنّ المسيرة نحو السنة المقدّسة تحثّ كلًّا منّا على أن يكون حاجَ رجاء مقدّمًا علامات ملموسة من أجل مستقبل أفضل، "ولا ننسَ" أصرّ البابا "نحن مدعوّون إلى أن نكون أصدقاء للفقراء متّبعين خطى يسوع".