بيئة
30 تشرين الثاني 2021, 08:30

"درب عكار": حرائق ونباتات مهددة ورسم مسالك وتوثيق

تيلي لوميار/ نورسات
خلال سنواتٍ قليلة، حققت مبادرةٌ لمجموعةِ شباب تحت عنوان "درب عكار" إنجازات بيئية متميزة، جمعت في اهتمامها مكافحة الحرائق، وحماية نباتات مهددة وإكثارها، وتوثيقها، والمنطلق كان الاهتمام بالمسارات البيئية التي بدأت خجولة في لبنان مطلع السبعينات، وتطورت مع دخول ثورة التكنولوجيا التي روجت لها، وتصاعد الاهتمام بها منذ 2007 عندما تأسست "جمعية درب جبل لبنان".

المبادرة بدأت مع هاوي التصوير، خالد طالب، تركيزاً على المناظر الطبيعية المحيطة به في بداياته، مهتما بمشاركة الجمهور فرح ومؤثرات ما رأى، و"نقلها عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى كل لبنان والعالم"".

وبين تكنولوجيا التصوير، ولوثة تكنولوجيا وسائل التواصل الاجتماعي، وترابطهما، توصّل طالب لإدارة صفحة عبر موقع "فايسبوكية" باسم بلدته "مشمش" في عكار، أقاصي الشمال اللبناني، ثم صفحة باسم منطقته الأوسع "عكار"، حيث اتخذ العمل البيئي منحىً أكثر احترافية، وأوضح أنّ ذلك بدأ بـ"تأسيس نواة فريق مُهتم بالسياحة البيئية”.

وكمنطلق للمجموعة، كان لا بدّ من خضوع فريقه لدورات، مختاراً الإرشاد الجبلي، ثم متابعة دورة مع "درب الجبل اللبناني" عامي 2016 و2017، فكانت الانطلاقة من دروب المشي المحلية.

وأوضح طالب أنّه مع تقدم الخبرة، قررت المجموعة التحوُّل إلى إطار قانوني فولدت "جمعية درب عكار"، ارتكز عملها ضمن محافظة عكار، في سبيل حماية بيئتها الواسعة، والغنية، وتعزيز السياحة البيئية على دروب المشي الجبلية.

أهداف كثيرة يفرضها الاهتمام البيئي نظراً لشمول البيئة مختلف جوانب الحياة، فوضعت الجمعية مجموعة أهداف، منها تعزيز الوعي البيئي، وتوجيهه نحو حماية الطبيعة والحفاظ عليها من خلال حملات بيئية وتوعوية هادفة.

يقول طالب: "اخترنا مسارات الدروب كإطار لتفعيل الأنشطة البيئية المختلفة، منها مراقبة الطيور، والحياة البرية، وحملات التشجير والنظافة، وتأهيل واستصلاح دروب المشي الجبلية، وتوثيق التنوع البيئي والإيكولوجي عليها، وتأهيل مرشدين جبليين للمهمة".

 

مكافحة الحرائق

وبما أنّ أهم أولويات الجمعية تكمن في الحفاظ على التنوع الطبيعي، والإيكولوجي في بيئتها، والتصدي للأخطار التي تواجهها، أسست فريقاً متخصصاً بمكافحة حرائق الغابات، والإنقاذ الجبلي، وتجهيزه بما يؤمن الاستجابة السريعة للأخطار بالتنسيق مع فرق الدفاع المدني والسلطات المحلية.

وعن هذه المبادرة، روى طالب أنّه بعد الحريق الذي ضرب غابات الأرز، واللزاب، والشوح في بلدة مشمش في 23 آب/أغسطس 2020، تشكّلت نواة فريق لمكافحة حرائق الغابات، ومع مطلع شهر أيلول/سبتمبر 2020 قمنا بإطلاق حملة تبرعات أثمرت شراء آلية، وتجهيزها محلياً بشكلٍ كامل، وسميت "لزاب" تيمنا بشجرة اللزاب التي طاولتها الحرائق لأول مرة في تاريخ لبنان.

وتابع متحدثاً عن تطوّر عمل فريق الحرائق مطلع موسمها 2021، حيث بدأ الفريق بالاستجابة لمعظم حرائق الغابات في عكار، وتمكن عبر حملة تبرعات ثانية من شراء آلية بنفس المواصفات والتجهيزات حملت اسم "شوح".

ويُعتبر موسم 2021 من أكثر المواسم كارثية على عكار، وغابات لبنان، حيث خلّف أكثر من 2600 هكتار من الأضرار في عكار لوحدها.

 

إنجازات  

رغم قصر فترة انطلاقتها، أنجزت الجمعية الكثير من الأعمال منها: تحديد حوالي 30 درباً للمشي تناهز 300 كلم، وهذه الدروب متاحة لممارسة أنواع الرياضات بشكلٍ آمن، مع وجود علامات تسهل إمكانية تتبعها عبر تطبيقات الهواتف.

كذلك، توثيق التنوّع الطبيعي على هذه الدروب من نباتات، وحيوانات، وتضاريس وغيرها، وجرى توثيق نباتات لم تكن معروفة مثل "سوسن البازلت" (Iris basaltica)، وزهرة البلانتيرة أحد أنواع "الأوركيد" البري.

كما أنشأ الفريق مختبراً للزراعة النسيجية، ومشتلاً للأشجار الحرجية المهددة، ومعشب مُصغر herbarium لحفظ النباتات، وحاضنة Insectarium لحفظ الحشرات، بالإضافة لمنجزات أخرى، كلها وضعت بتصرف البحاثة، والطلاب الجامعيين لإغناء دراساتهم وأبحاثهم.

 

نباتات مهددة

وعلى صعيد النباتات والأشجار المهددة بالانقراض، فقد سجلت الجمعية إنجازات هامة منها إكثار أكثر من ألف شجرة "غبيراء ممغّصة" Sorbus torminalis  ضمن مشتل خاص تم تأسيسه مطلع عام 2021 لإكثار الأنواع المهددة، أو التي تواجه تناقصاً في أعدادها، وإعادة نشرها في الطبيعة.

وأوضح المهندس الزراعي في الجمعية علي طالب أنّه إضافة للغبيراء (حوالي 1500 شجرة متوافرة وأكثر من 10 آلاف بذرة تنتظر التشجير)، غرست أشجار لسنديان كوتشي، وسنديان الأرز المهدد بشدة، وشجر العزر، وهو من أنواع السنديان، وشجر اللزاب والدفران"، لافتاً إلى "أنواع يفترض أن تنضم بعد استكمال الأبحاث اللازمة حول طريقة تشجيرها بشكلٍ صحيح".

كما أشار طالب إلى أن "أعداد أشجار الغبيراء محدودة، وفي تناقص مستمر بفعل التغير المناخي المتطرف، الذي تعاني منه منطقتنا، والذي يحدّ من تكاثرها الطبيعي، نظراً لوجود الشجرة في مناطق المرتفعات فوق الـ1300متر، والتي يُعرِّض ارتفاعها البذور للتلف بسبب الجفاف الطويل، وشدة الحرارة التي نواجهها في السنوات الأخيرة، وقد تمّ جمع قرابة عشرة آلاف بذرة أو أكثر هذا الموسم، على أمل أن تنهض لتشكّل فوجاً جديداً سيزين أعالي الجبال".

وأردف قائلاً: "هناك في لبنان نوعان من الغبيراء، إضافة إلى النوع المذكور أعلاه، منها "الغبيراء المروحية الورق Sorbus flabellifolia في البيئة نفسها، ولا تنمو لتبلغ الغبيراء الممغصة من حيث الضخامة التي قد تصل إلى أكثر من 8 أمتار في ارتفاعاً، ويشتبه أيضاً بوجود نوع ثالث من الغبيراء قيد الدرس".

ولا يتوقف اهتمام الجمعية عند حدود، لذلك تخطط لإنشاء غابة خريفية من هذه الشجرة، وأشجار أخرى مماثلة في الجمال، ويُفيد طالب أنّه "يفترض أن يتم نقل الدفعة الأولى من الغبيراء في السنة المقبلة، وسيقوم فريقنا برعايتها كما يجب، وسيكون الريّ متاحاً لها صيفاً عبر آليتين مخصصتين للحرائق من دون الحاجة إلى تكبد أي تكاليف إضافية".

ولا بدّ من التنويه أن غابة العزر هي الوحيدة من نوعها شرقي المتوسط، واللزاب هي الشجرة الوحيدة التي تستطيع مقاومة البرد فوق ارتفاع 2400 متر عن سطح البحر.

 

المصدر: الميادين نت