مصر
26 كانون الأول 2022, 13:30

رسالة بطريرك الأقباط الكاثوليك إسحق لعيد الميلاد المجيد ۲۰۲۲

تيلي لوميار/ نورسات
وجّه بطريرك الأقباط الكاثوليك إبراهيم إسحق رسالة معايدة إلى المؤمنين بمناسبة حلول الميلاد المجيد، قال فيها:

"بإسم الآب والإبن والرّوح القدس إله واحد، آمين.

بنعمة الله، بطريرك الاسكندريّة وسائر الكرازة المرقسيّة للأقباط الكاثوليك، إلى إخوتنا المطارنة والأساقفة، وإلى أبنائنا الأعزّاء القمامصة والقسوس، الرّهبان والرّاهبات والشّمامسة، وإلى جميع أبناء الكنيسة الكاثوليكيّة في مصر وبلاد المهجر.

النّعمة والسّلام في ربّنا يسوع المسيح، مولود بيت لحم معكم أشكر الله الذي مكننا أن نجتمع هذه اللّيلة لنصلّي معًا ونحتفل بعيد الميلاد.

"ها أنذا أصنع كلّ شيء جديدًا" (رؤ 21 : 5) هكذا تقول لنا كلمة الله حسب سفر الرؤيا. في اللّيلة التي ولد فيها ربّنا يسوع المسيح في بيت لحم، كانت هناك مجموعة صغيرة من الرّعاة الفقراء يرعون قطعيهم وكان الهدوء يخيّم على المكان. لم تكن اللّيلة مختلفة عن آلاف اللّيالي الأخرى.

لكن ما كان على وشك أن يحدث سوف يغيّر ليس فقط حياة هؤلاء لكن سيغّير حياة المليارات من البشر على مرّ العصور، فالعالم أبدًا لن يعود إلى سابق عهده. فقد أضاءت السماء فجأة بنور ساطع وظهر لهم ملاك الرّبّ وأعلن لهم بشرى ميلاد يسوع المسيح كلمة الله.

أعلن لهم بشرى الفرح، بشرى الخلاص وبشرى السّلام والرّجاء الصّالح لبني البشر: "ها أنذا أبشّركم بفرح عظيم يكون لجميع النّاس، ولد لكم اليوم مخلّص، فتهلّلت الملائكة". المجد لله فى الأعالي وعلى الأرض السّلام وبالنّاس المسرّة.

نظرة سريعة على نشرة الأخبار اليوميّة أو مطالعة لما يكتب على وسائل التّواصل حيث الكثير من المآسي ومن الأحداث المحزنة والتي نكاد نتعوّد علیها جميعًا. فالحروب والصّراعات في مختلف بقاع العالم، التّفكّك والانقسامات فى داخل الأسر والعائلات، حتّى داخل الخدمة الكنسيّة والرّسالة هناك صراعات. كم من الأخبار المؤلمة والمحزنة هنا وهناك.

ويأتي احتفالنا بعيد ميلاد المسيح ليدعونا إلى الفرح والرّجاء. هناك من يعتقد أنً الحياة لا معنى لها وأنّ الموت والكراهية يشكّلان الكلمة الحاسمة على قصة الوجود الإنسانيّ.

لكنّ الرّجاء المسيحيّ يستند على الإيمان بالله الذي يخلق دائمًا أمورًا جديدة في حياة الإنسان، في التّاريخ وفي الكون. إنّ إلهنا هو الإله الذي يخلق كلّ شي جديدًا، إله المفاجآت.

لذلك فالاحتفال بعيد الميلاد المجيد يؤكّد كلّ مرة أنّنا نؤمن بأنّ في أفق الإنسان هناك شمس منيرة للأبد. سيكون هناك مشاكل، سيكون هناك القيل والقال والحروب والأمراض، سيكون هناك زؤان، غير أنّ القمح ينمو.

إنّنا لا نملك المستقبل ولكنّنا نعرف أنّ يسوع المسيح الكلمة المتجسّد هو نعمة الحياة الأعظم، هو عمانوئيل الله معنا يعزّينا ويقودنا فى مسيرتنا.

ها أنذا أصنع كلّ شيء جديدًا ( رؤ 21 : 5 ). نعم الله هو أبونا إله الأمور الجديدة. إنّ الرّجاء لا يتوقّف أبدًا، هذا الرّجاء الذى يمنحنا إيّاه طفل بيت لحم يقدم هدفًا ومصيرًا جيّدًا للحاضر والخلاص للبشريّة، كما يؤكّد لنا ذلك بولس الرّسول بقوله في رسالة رومية" لأنّنا في الرّجاء نلنا الخلاص" رو ( 8 : 24 ). أيّ أنّنا ننال الخلاص عندما نسير فى هذا العالم برجاء.

وهنا يسأل كل منا نفسه هل أسير برجاء أم أنّ حياتي الدّاخليّة منغلقة؟، لذلك فنحن في حاجة إلى مسيرة للتّربية على الرّجاء. وهنا أذكر بعض النّقاط الهامّة فى هذا المجال مثل:

1- تذكّر أنّ العدو الأوّل ضدّ الرّجاء والذي ينبغى السّيطرة عليه، هو في داخلك وليس في الخارج. لذا لا نترك مجالًا للأفكار المريرة والمظلمة، وأرجٌ حيثما زرعك الله ولا تستسلم للظلمة. آمن بوجود الحقائق الأسمى والأجمل، ثق بالله الخالق وبالرّوح القدس الذي يحرك كل شيء نحو الخير. تذّكر أنّ العالم يسير بفضل العديد من الأشخاص الذين فتحوا أبوابًا وبنوا جسورًا وحلموا وآمنوا حتّى عندما كانوا يسمعون حولهم كلمات الاستهزاء والسّخرية.

2- إن شعرت بالفراغ وفقدان العزيمة، اطلب من الرّوح القدس أن يملاً عدمك من جديد. إصنع الخير وسط البشر، ولا تصغ لصوت من ينشر الحقد والانقسامات.

3- لا تفكّر أبدًا أن جهادك على الأرض غير نافع على الإطلاق، لأنّ الله قد وضع رجاءّ فى قلوبنا والله لا يخيب صاحبه. وإنّما يجعلنا نزهر فى ربيع أبدي. فابن حيثما تكون. واسمح للآخرين أن يساعدوك لتقف على رجليك.

4- احلم ولا تخف أن تحلم بعالم لا يمكن رؤيته الآن، ولكنّه سيأتي بالتّأكيد عندما يكون الله الكلّ في الكلّ. فإنّ الأشخاص القادرين على التّخيّل والحلم، قدّموا للإنسانيّة اكتشافات علميّة وتكنولوجيّة. عبروا المحيطات ومشوا على أراض لم يطأها أحد أبدًا. إنّ الذين زرعوا الرّجاء هم أيضًا أولئك الذين غلبوا العبوديّة وحملوا لهذه الأرض أوضاع حياة أفضل.

5- كن مسؤولًا عن هذا العالم وعن حياة كلّ إنسان. أطلب يوميًّا من الله عطيّة الشّجاعة وتذكّر أنّ يسوع قد غلب من أجلنا الخوف عدونا الأكبر. وإن تملّكك الخوف يومًا أو ظننت أنّ الشّرّ أكبر بكثير منك، فكّر ببساطة أنّ يسوع في داخلك وهو الذي بتواضعه يريد أن يٌخضع جميع أعداء الإنسان: الخطيئة والحقد، الجريمة والعنف.

6- إن أخطأت قم وانهض مجدّدًا، لا تسمح لخطاياك وأخطائك أن تسجنك، لأنّ كلمة الله المتجسّد ربّنا يسوع لم يأت من أجل الأصحّاء، وإنّما من أجل المرضى، وبالتّالي من أجلك.

7- أخيرًا إنّ أصابتك المرارة، ثق بثبات، بجميع الذين لا زالوا يعملون من أجل الخير. ففي تواضعهم هناك بذرة وعالم جديد. عاشر الأشخاص الذين ما زالوا يحافظون على قلوبهم كقلوب الأطفال. عش، أحبب، أحلم، آمن، وبنعمة الله لا تيأس أبدًا.

ختامًا:

نرفـع صـلاتنا متّحـدين مع قداسة البابا فرنسيس، ومع أخوتنـا بطاركة وأساقفة الكنائس في العالم. مـن هـذه الكنيسة، نبعث بأطيب التّهـاني القلبيّة إلى كـلّ المحتفلين بالعيـد، وإلى شعبنا المصـريّ كـافـّة والشّعوب جميعًا مـصلّين مـن أجـل سـلام وطمأنينـة العـالم، وأن يشملنا الله برحمته ويغمر قلوبنا بمحبّته.

نصـلّي مـن أجـل وطننـا الغـالي مـصـر، ومـن أجـل سـيادة رئيس الجمهوريـة عبـد الفتـاح السّيسيّ، وكـلّ المعـاونين له في خدمـة الـوطن، طالبين لهـم الصّـحّة والعـون لمواصلة العمـل مـن أجـل كرامة وسعادة كلّ المصريّين. ونجدّد التّهنئة لمصر على استضافة مؤتمر المناخ الذي حاز على تقدير العالم، وأكّد أنّ مصر لها دور رياديّ. نصـلّي أيضًا ونهنّئ كـلّ الـذين يحتفلون بعيد ميلاد الرّبّ يسـوع اليـوم وكـلّ الأيّام المقبلة، متمنّين أن يغمر فرح ورجاء الميلاد قلب كلّ إنسان، بشفاعة أمّنا القدّيسة مريم العذراء.

المجد الله في الأعالي وعلى الأرض السّلام وفي النّاس المسرّة" (لو 1: 14). وكلّ عام وبلادنا وعائلاتنا وحضراتكم بخير وسلام ونعمة."