لبنان
20 حزيران 2025, 05:00

زحلة احتفلت بالمئويّة الثّانية لعيد أعيادها خميس الجسد الإلهيّ بمشاركة البطريرك العبسيّ وأساقفة كنيسته

تيلي لوميار/ نورسات
إحتفلت مدينة زحلة بعيد أعيادها، خميس الجسد الإلهيّ، والذّكرى المئويّة الثّانية للأعجوبة الإلهيّة الّتي أنقذت المدينة من وباء الطّاعون تحت شعار "لنفرح ونبتهج ولنمجّد الله، فقد حان عرس الحمل"، وتميّز احتفال هذا العام بحضور ومشاركة بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للرّوم الملكيّين الكاثوليك يوسف العبسيّ، والأساقفة أعضاء سينودس الكنيسة الرّوميّة الملكيّة الّذين اجتمعوا في زحلة إكرامًا للعيد المجيد وذكرى اليوبيل.

إنطلقت فعاليّات النّهار بقدّاس احتفاليّ في كاتدرائيّة سيّدة النّجاة ترأّسه البطريرك العبسيّ بمشاركة الأساقفة عند الخامسة صباحًا، انطلق بعده الموكب باتّجاه سرايا زحلة سالكًا حارة مار الياس، البلديّة، حضانة الطّفل، حيّ مار مخايل ومار جرجس وصولًا إلى السّراي الحكوميّ.

وفي كاتدرائيّة مار مارون في كسارة احتفل المطران جوزف معوّض بالذّبيحة الإلهيّة بمشاركة لفيف الإكليروس، وبعد القدّاس انطلق الموكب باتّجاه كنائس مار جرجس، مار الياس ومار يوسف في حوش الأمراء، ومن ثمّ باتّجاه حيّ السّيّدة حيث التقى بالموكب الصّاعد من كنيسة السّيّدة واتّجها نحو ساحة المعلّقة، حوش الزّراعنة وصولًا إلى حيّ الميدان.

وأقيم قدّاس في كاتدرائيّة القدّيس نيقولاس للرّوم الأرثوذكس كما ترأّس المطران بولس سفر قدّاسًا احتفاليًّا في كنيسة القدّيس جاورجيوس للسّريان الأرثوذكس.

وإلتقت المواكب في ساحة الميدان وتوحّدت في مسيرة واحدة إلى أمام السّراي حيث التقت كلّ المسيرات.

وأمام سرايا زحلة، حضر النّوّاب جورج عقيص، سليم عون والياس اسطفان، محافظ البقاع القاضي كمال أبو جودة، مدّعي عام البقاع القاضي منيف بركات، مدير عامّ الشّؤون الخارجيّة في مجلس النّوّاب كريستين زعتر معلوف، رئيس بلديّة زحلة– المعلّقة وتعنايل المهندس سليم غزالة وأعضاء من المجلس البلديّ، قائد منطقة البقاع الإقليميّة في قوى الأمن الدّاخليّ العميد نديم عبد المسيح، رئيس جهاز أمن الدّولة في البقاع العميد نبيل الذّوقي، رئيس جمعيّة تجّار زحلة زياد سعادة، وحشد كبير من المؤمنين استقبلوا مواكب الجسد.

على المنصّة الرّسميّة، تواجد البطريرك يوسف العبسيّ، أساقفة زحلة: ابراهيم مخايل ابراهيم، جوزف معوّض، أنطونيوس الصّوريّ، بولس سفر والسّادة أساقفة السّينودس المقدّس القادمين من داخل وخارج لبنان.

وكان لرئيس أساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للرّوم الملكيّين الكاثوليك المطران ابراهيم مخايل ابراهيم كلمة بالمناسبة قال فيها:

"صاحب الغبطة البطريرك جوزيف العبسيّ الكلّيّ الطّوبى، أصحاب السّيادة، والدّولة والمعالي والسّعادة والرّئاسة، المدنيّين والعسكريّين وكلَّ أصحاب المقامات والمرجعيّات،

أبناءَ زحلةَ، أيّها اللّبنانيّون، يا من توارثتم المجد والكرامة والصّمود من أجداد طبعوا تاريخ هذه المدينة والكنيسة والشّرق بأسره،

في هذا اليوم العظيم، يوم يوبيل المئويّة الثّانية للأعجوبة الّتي أنقذت زحلة من وباء الطّاعون، نرفع رؤوسنا نحو السّماء شاكرين وراكعين أمام سرّ الجسد الإلهيّ الحيّ، ذاك الجسد الّذي سار في شوارع زحلة سنة 1825، فارتعد منه وباء الطّاعون وتلاشى، وكتبت المدينة عهد حياة جديد بختم من الله، لا يَبلى ولا يُكسر!".

وأضاف: "اليوم، بعد مئتي عام، يعود الجسد الإلهيّ، لا في موكب شعبيّ فقط، بل في مسيرة كنسيّة مجيدة، إذ يلتئم آباء السّينودس الملكيّ الكاثوليكيّ في سيّدة النّجاة- للمرّة الأولى في التّاريخ- متّحدين بالصّلاة، بالإيمان، وبالرّسالة.

إنّه ليس مجرّد احتفال. إنّها صرخة تاريخ، نداء هويّة، وترسيخ لثوابت ثلاث لن نحيد عنها، ولن نتراجع عنها، ولو سقطت السّقوف واهتزّت الأرض."

وأعلن المطران ابراهيم عن ثوابت ثلاث هي :

" أوّلًا: ثوابت الوحدة المسيحيّة:

زحلة، المدينة الّتي جمعت الكنائس ولم تفرّقها، ها هي تعيدنا إلى جوهر دعوتنا المسيحيّة: أن نكون واحدًا كما أنّ الآب والابن واحد!

كنيستنا الملكيّة الكاثوليكيّة، كنيسة الجسر لا الجدار، كنيسة الحوار لا الانغلاق، تعلن من على هذا المذبح أنّ الوحدة بين المسيحيّين ليست خيارًا سياسيًّا، بل نداءً إنجيليًّا ملزِمًا، وجرحًا في قلب المسيح لا يندمل حتّى يعود جسده الواحد حيًّا فاعلًا في التّاريخ.

نحن، أبناء الكنيسة الواحدة، لسنا قبائل ولا طوائف. نحن أغصان في كرم الرّبّ، مدعوّون إلى المصالحة، إلى التّلاقي، إلى أن نقف معًا في وجه كلّ من يريد لنا التّشظّي، والانقسام، والزّوال."

وتابع:"ثانيًا: ثوابت العهد الوطنيّ الجديد بقيادة فخامة رئيس الجمهوريّة العماد جوزاف عون:

إنّنا نؤمن، ونعلن من هنا، من سيّدة النّجاة، ومن أمام سرايا زحلة، أنّ لبنان بحاجة إلى عهد جديد، عهد مؤسّسات لا محسوبيّات، عهد مسؤوليّة لا مزايدات، عهد استقامة لا مساومات.

وقد جاء هذا العهد، ممثّلًا بشخص فخامة الرّئيس العماد جوزاف عون، رجل دولة ورؤية، قائد مسيرة إنقاذ، يضع يده على نبض الوطن الجريح، ويقود سفينة الوطن بروح المسؤوليّة والتّجرّد.

نعلن دعمنا الكامل لهذا العهد، لا من باب الاصطفاف، بل من باب الالتزام بلبنان الرسالة، لبنان الميثاق، لبنان الّذي وُلد من رحم الكنيسة ومن قلب الأرز."

واردف:" ثالثًا: ثوابت الشّراكة بين المواطن والدّولة في وجه الطّاعون الجديد:

في 1825، كان الطّاعون وباءً بيولوجيًّا، أمّا اليوم فطاعوننا متحوّر، بأقنعة متعدّدة:

طاعون الفساد الإداريّ، طاعون الانهيار الاقتصاديّ، طاعون اليأس والهجرة، طاعون تهميش الإنسان واحتقار كرامته، طاعون الانقسام السّياسيّ والأمنيّ، طاعون البيئة المدمَّرة والهواء المسموم.

ولن يُرفَع هذا الطّاعون ما لم نشترك– دولةً ومواطنين، كنيسةً ومجتمعًا، رؤساء ومواطنين– في تحمّل المسؤوليّة."

وتابع:" لم يعبر الرّبّ في زحلة ليجعل منّا شهودًا على الأعجوبة فحسب، بل ليجعل منّا صانعي أعاجيب، صانعي سلام وعدالة ونهوض!

من هنا، من زحلة الّتي لم نًخٌنِ الرّبّ يومًا، ومن أمام سرّ الجسد الّذي خلّصنا، نطلق نداءنا للعالم:

لا تخافوا! فالجسد الإلهيّ معنا. لا تيأسوا! فالمسيح القائم يمرّ مجدّدًا في أزقّتنا. لا تصمتوا! بل اهتفوا معًا: لبنان لن يسقط، لأنّ الرّبّ مرّ فيه! الكنيسة لن تضعف، لأنّها جسد الرّبّ الحيّ! الوطن لن يموت، لأنّ فيه من يؤمن ويقاوم ويصلّي!."

وختم المطران ابراهيم:" أيّها الأحبّاء، اليوبيل ليس ذكرى فقط، بل انطلاقة جديدة. فلنخرج من هذا اللّقاء حاملين في قلوبنا حضور الرّبّ، وفي أذهاننا وضوح الرّؤية، وفي أيدينا مشروع خلاص حقيقيّ لوطننا وكنيستنا وشعبنا. عاش الرّبّ في وسطنا! عاشت زحلة! عاشت كنائسنا الزّحليّة والبقاعيّة العامرة! عاش لبنان الجديد!".

البطريرك العبسيّ هنّأ الزّحليّين باليوبيل وقال :

"أيّها الإخوة والأبناء والبنات المحبوبون، 

من على هذه المنصّة الّتي يتحلّق من حولها أهل زحلة، نحيّيكم بإسم جميع مطارنة المدينة من كلّ الكنائس، وبإسم مطارنة الرّوم الكاثوليك الّذين وفدوا من كلّ أنحاء العالم، وأتوا إلى زحلة حيث قرّروا بطريقة استثنائيّة وتاريخيّة أن يعقدوا مجمعهم السّنويّ المقدّس، ليشاركوكم في الاحتفال بعيد الجسد وفي التّطواف الّذي تقيمونه هذه السّنة في الذّكرى المئويّة الثّانية لإنشائه منذ مئتي عام على أثر خلاص مدينة زحلة من وباء الطّاعون الّذي نزل بها.

وها هم أمامكم وقد ساروا معكم وسوف يكملون المسيرة.

أراد السّادة المطارنة أن يعبّروا لأهل زحلة عن محبّتهم واهتمامهم وأن يعيشوا في ما بينهم ولو وقتًا قصيرًا، يتعرّفون فيه بعضهم على بعض ويشعرون فيه بالقرب بعضهم مع بعض، ويسمعون بعضهم إلى ما عند البعض، حاملين بعضهم إليكم تحيّات أبنائنا الّذين في بلاد الانتشار لاسيّما أهل زحلة."

وأضاف "أيّها الأحبّاء، في بلدات كثيرة من العالم يقام التّطواف بالقربان المقدّس في مثل هذا اليوم. إنّما التّطواف الّذي يحصل هنا في زحلة له نكهة خاصّة وطابع مميّز وجمال غير عاديّ، عدا أنّه لم تنقطع إقامته منذ مئتي سنة، بحيث أنّه ارتبط بزحلة ارتباطًا وثيقًا وصار من مكوّنات زحلة الدّينيّة، الوطنيّة والاجتماعيّة، وما عاد يخصّ فئة دون أخرى بل يخصّ جميع الفئات، لذلك نرى اليوم الآن وهنا من حولنا زحلة كلّها ومن هم حول زحلة. الجميع يعدّ هذا اليوم يومهم وهو اليوم الكبير وعيد الأعياد."

وتابع "ما يجري الآن في زحلة دليل على أنّ القيم الدّينيّة ما زالت لها وزنها واحترامها، بل دليل على حاجة الإنسان إلى الإيمان، ليست حاجة من صنع الخوف والوهم والضّعف، بل حاجة كيانيّة، لذلك ليس احتفالنا اليوم، تطوافنا هو فولكلورًا، استعراضًا أو حدثًا اجتماعيًّا، بل هو تعبير عن إيماننا بالله المحبّ الرّحيم، عن إيماننا بالله الّذي من شدّة محبّته لنا، أتى إلينا وسكن في ما بيننا متجسّدًا من العذراء مريم في شخص يسوع المسيح، وهو الّذي يطوف اليوم في زحلة، زارها للحبّ والسّلام والفرح داعيًا الجميع إلى الوفاق والتّعاون والتّعاضد وإلى أن تكون زحلة واحدة بتنوّعها، يسعى الجميع إلى مصلحتها، إلى خيرها، إلى جمالها، إلى قوتها، يلتفت أبناؤها بعضهم إلى بعض كما يلتفتون الآن ويلتفّون حول الرّبّ يسوع الحاضر في القربان المقدّس ."

وأردف "أيّها الأحبّاء لا نستقبل اليوم زعيمًا أو قائدًا أو بطلًا نراه من وقت إلى آخر، بعيدًا عنّا، نعجب به، بل نستقبل في هذا اليوم إلهًا نحن في قلبه على الدّوام وهو حاضر معنا وسائر معنا على الدّوام.

أيّها الأحبّاء، في زحلة أحلام يجب أن تتحقّق. في زحلة وعود يجب أن تتمّ. في زحلة قوى يجب أن تتحرّر. في زحلة أنوار يجب أن تضاء كنهر البردوني الّذي لا يمكن منع نبعه من أن ينفجر ولا مسيله من أن يتدفّق، كالتّطواف الّذي نقوم به ويعبّر عن وحدتنا ومحبّتنا لمدينتنا وبلدنا. هذا ممكن فقط إذا كنّا منفتحين بعضنا على بعض، متقبّلين بعضنا لبعض، كما تَقَبَّلنا المسيح، اذا قدّرنا واحترمنا بعضنا قيم البعض الآخر. في هذه الحال فقط يجد كلّ منّا مكانه."

وختم البطريرك العبسيّ" في زحلة متّسع للجميع لأنّها دار السّلام. فلنطلب إلى ملك السّلام، إلى الرّبّ يسوع، وفي هذا اليوم بنوع خاصّ، في هذا اليوبيل بنوع خاصّ، الّذي أرادت كنيستنا الملكيّة أن تحتفل به في زحلة، والّذي طلب سيادة المطران ابراهيم ابراهيم في العام الماضي، أن يكون يوم عطلة، ورجاؤنا اليوم أيضًا أن يكون هذا اليوم يوم عطلة على الأقلّ في زحلة.

فلنطلب إذًا إلى ملك السّلام أن يحلّ السّلام، وأن تبقى زحلة أبدًا دارًا للسّلام.

كلّ عام وأنتم بخير."

وبعد انتهاء الكلمات أمام سراي زحلة، انطلق موكب الجسد الموحّد على بولفار زحلة، شارك فيه طلّاب المدارس والجمعيّات الكشفيّة وحركات الشّبيبة والفرق الموسيقيّة وحملة الأعلام, وسط عبق البخور ونثر الورود والأرزّ وإطلاق الحمام، وصولًا إلى مدخل وادي زحلة، فدير مار الياس الطّوق، الكلّيّة الشّرقيّة وحارة الرّاسيّة وصولًا إلى كاتدرائيّة سيّدة النّجاة، حيث عزفت موسيقى الكشّاف وأدّت الفرقة الكشفيّة التّحيّة، وأعطى المطران ابراهيم البركة للمؤمنين. وأقيم قدّاس ختاميّ للتّطواف في كاتدرائيّة سيّدة النّجاة.