دينيّة
15 كانون الأول 2022, 08:00

عن تساعيّة الميلاد...

غلوريا بو خليل
"فرح عظيم يغمر قلوب المؤمنين كلّما اقتربت تساعيّة الميلاد المجيد. نراهم كبارًا وشبّانًا وأطفالًا، بشوقٍ ولهفة يؤمّون الكنائس والأديار للمشاركة بالتّساعيّة الغالية على الذّات، وإنشاد صلواتها وترانيمها بأعلى الصّوت وأصدح النّغمات. يتركون كلّ شيء ويأتون إلى الكنيسة. إنّها تساعيّة الميلاد بكلماتها الغنيّة وألحانها الجميلة، تُدخلهم في الحنين وتهيّئهم بالرّوح لميلاد الرّبّ يسوع. هي أضحت جزءًا حميمًا من وجدانهم وتاريخهم، يردّدونها بانشراح نفس في الزّمن السّابق للميلاد ويتناقلونها من جيل إلى جيل حتّى يومنا هذا. بين العربيّ والسّريانيّ، لا يرتبكون إن كان يغيب عن فهمهم بعض الكلمات وهم قد حفظوها منذ نعومة أظفارهم. ما يهمّ أنّهم هنا وينشدونها بأتّمّ السّهولة وأصفى التّعابير". بهذا الوصف المحبّب عبّر رئيس أنطش سيّدة التّلّة - دير القمر وخادمه، الأب جوزف أبي عون الرّاهب المارونيّ المريميّ لموقعنا، عن الفرح الّذي تضفيه تساعيّة الميلاد على المؤمنين.

 

وعن معناها شرح قائلًا: "إنّ تساعيّة الميلاد والتّساعيّات على تنوّعها من زيّاحات أو صلوات ليست بالأساس تقليدًا ليتورجيًّا تاريخيًّا في الكنيسة المارونيّة، وهي غير موجودة أصلاً في سائر الكنائس الشّرقيّة. إذ أتى هذا النّوع من الصّلاة، أيّ الصّلاة لمدّة تسعة أيّام، من الغرب مع وصول المرسلين الأجانب إلى لبنان (أو جبل لبنان كما كان في الماضي). وقد أخذ الغرب هذه العادة من أعمال الرّسل، عندما طلب الرّبّ يسوع من تلاميذه، قبل صعوده إلى السّماء، انتظار حلول الرّوح القدس في العلّيّة بالصّلاة والتّأمّل لمدّة تسعة أيّام، أيّ الفترة الفاصلة بين صعوده إلى السّماء في الْيَوْم الأربعين من قيامته وعشيّة حلول الرّوح القدس في الْيَوْم الخمسين. وانتشرت هذه العبادة انتشارًا واسعًا في لبنان وفي مختلف الأزمنة اللّيتورجيّة وأعياد القدّيسين. وصارت بعض تساعيّات القدّيسين (بخاصّة تساعيّة القدّيسة ريتا) متداولة  كثيرًا بين المؤمنين لاسيّما في الأوقات الحرجة من حياتهم".

 وأضاف أبي عون: "إنّ تساعيّة الميلاد هي من ضمن هذا التّقليد الغربيّ الّذي دخل إلى ليتورجيّة كنيستنا المارونيّة. فتصميم التّساعيّة هو تصميم لاتينيّ والنّصوص مترجمة عن اللّغة اللّاتينيّة لكنّنا نحن الموارنة أدخلنا إليها الألحان المارونيّة فلونّاها بلوننا الخاصّ فـ "تَمَوْرَنَت"."

وأكمل لافتًا إلى "أنّ الّذي قام بهذا العمل المميّز وغيره الكثير من الأعمال اللّيتورجيّة في كنيستنا المارونيّة والتي لا نزال نرنمّها حتّى يومنا هذا، هو البطريرك العلّامة مار يوسف بطرس إسطفان من بلدة غوسطا الكسروانيّة (١٧٢٩-١٧٩٣)، فإليه يعود الفضل بأنّنا نحن الموارنة، ومنذ أكثر من قرنين ونيّف، نتلو تساعيّة الميلاد بصلواتها وألحانها مرافقين العذراء مريم بالبهجة والفرح نحو مغارة الميلاد حيث مولد ابنها يسوع الطّفل الإلهيّ".

"أمّا تساعيّة الميلاد فيمكن عن حقّ اعتبارها بمثابة مسيرة أو رياضة روحيّة- تاريخيّة"، يتابع الرّاهب المريميّ، فهي "تحملنا على التّأمّل بالكلمة البسيطة العميقة واللّحن المارونيّ الجميل- خلال تسعة أيّام- في ما عاشته العذراء مريم واختبرته في حبلها. هو اللّاهوت المارونيّ المعيوش في اللّيتورجيّة والمعبّر عنه في الكلمة واللّحن والتّرنيمة. وعندما نصلّي تساعيّة الميلاد ونرنّم ألحانها، يَخال إلينا بأنّنا نتابع، باللّحن والكلمة، درسًا لاهوتيًّا في مشروع الله الخلاصيّ. فما أجملها كنائسنا وأديارنا في تلك الفترة، إذ تغدو وكأنّها قاعات جامعيّة لكن مفتوحة لكلّ الشّعب، نتعلّم فيها اللّاهوت الخلاصيّ والمريميّ مرنّمينه ومصغين إليه".

وللمناسبة، وفي بداية تساعيّة الميلاد، يوجّه الأب جوزف أبي عون دعوة إلى المؤمنين فيقول: "هلمّوا أيّها الأحبّاء نرنّم لاهوتنا في تساعيّة الميلاد ونعلن أنّ الله أرسل ابنه الوحيد نورًا للأمم، ونرافق أمّنا مريم في سيرها نحو المغارة مؤكّدين مع مار أفرام السّريانيّ كنّارة الرّوح القدس على أنّها ظلّت بتولاً "قبل الميلاد وفيه وبعده وما دام الزّمان"".