لبنان
15 نيسان 2024, 10:00

"كنيسة شاهدة: تلمذة ورسالة" - خلوة الإكليروس والمكرّسين والمكرّسات

تيلي لوميار/ نورسات
ترأّس البطريرك يوسف العبسي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيّين الكاثوليك، في مقرّ البطريركيّة في الربوة - لبنان خلوةَ الإكليروس والمكرّسين والمكرّسات في لبنان تحت عنوان "كنيسة شاهدة: تلمذة ورسالة" في مناسبة الذكرى المئويّة الثالثة لاستعادة الشراكة مع الكرسيّ الرسوليّ الرومانيّ وألقى الكلمة التالية:

 

"نلتقي اليوم نحن الإكليريكيّين والرهبانَ والراهبات من حاجة أحسسنا بها جميعًا إلى التقاط الأنفاس ولو لساعات قليلة طارحين عنّا "كلّ اهتمام دنيويّ لنستقبل ملك الكلّ"، لنستنشق الروح القدسَ الإلهيّ وننعم قليلًا بإلهاماته وهمساته كجماعة واحدة ملتئمة...لِتكون شاهدة على إنجيل يسوع جاعلةً من كلّ واحد منها تلميذًا للسيّد ورسولًا...الإصغاء الفرديّ للروح القدس جيّد وضروريّ وأساسيّ ومتاح لنا في أيّام السنة كلّها...والإصغاء الجماعيّ للروح القدس له نكهة أخرى ومفعول آخر وسعادة أخرى. نحن اليوم نصغي إلى الروح القدس كما كان الرسل يصغون إليه حين حلّ عليهم في اليوم الخمسين. حلّ على كلّ واحد منهم لكنّ إصغاءهم كان جماعيًّا. لا يحلّ الروح القدس على الفرد إلًا بمقدار ما ينتمي إلى الجماعة، إلى الكنيسة، ولأنّه ينتمي إلى جماعة، إلى الكنيسة... الإصغاء الجماعيّ إلى الروح القدس هو الذي يعبّر عن وحدتنا بالرغم من تنوّعنا.  لذلك نحن نصلّي في صلواتنا دائمًا "بفم واحد وقلب واحد".

"حين كان يسوع مغادرًا، راجعًا إلى الآب، قال للرسل: "سوف تكونون لي شهودًا"؟ من الذي يحوّل التلاميذ إلى شهود؟ إنّه الروح القدس الذي نفخه يسوع فيهم بعد القيامة: والذي وعدهم به وهو صاعد وعائد إلى أبيه، والذي حلّ عليهم في العنصرة فراحوا من ثمّ يعلنون كلمة الله ويشهدون على السيّد المسيح القائم من بين الأموات. هذا الروح عينه نلناه منذ صغرنا في المعموديّة والميرون وقد جعل منّا شهودًا. لم ننل الروح القدس لتقديسنا فقط ولنيل الحياة الأبديّة فقط بل لنصير شهودًا أيضًا. هذا ما قاله بطرس للشعب بعد العنصرة: "يسوع هذا قد أقامه الله ونحن جميعًا شهود على ذلك". وهذا ما قاله يسوع لتلاميذه في ليلة وداعه: "أنا اخترتكم وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر". كثيرًا ما نتقاعس ونقبع في أماكننا أو في أعمالنا ونقع في التكرار والاجترار وتخبو شعلة الروح فينا...الشهادة في حاجة إلى أن نخرج ونتلوّث ونتعب في مختلف الظروف. الشهادة خلفها محبّة تحثّنا كما قال القدّيس بولس".

"للشهادة المسيحيّة خاصّة هي الصدق، أعني أن نقرن عيش الكلمة بالنطق بالكلمة التي نشهد عليها ونبشّر بها... مدعوّون إلى التبشير بالكلام والشهادة بالعيش. لذلك التصقت كلمة الشهادة بالموت من أجل المسيح. ... ما الذي جعل الرسل ومن بعدهمِ التلاميذَ يتبعون يسوع إلّا أنّه مات عمّا كان يبشّرهم به ويعلّمهم إيّاه من دون تراجع؟ لذلك لم يخافوا من أن يفعلوا ما فعل هو نفسه..."إن كانوا اضطهدونكم فاعلموا أنّهم اضطهدوني قبلكم". كم عليّ إذًا أن أتنبّه إلى سلوكي حتّى يكون مطابقًا لسلوك الربّ يسوع..."

"من هنا يأتي ما نسمّيه الاقتداء بالمسيح. من ميزات التلميذ بل خاصّةُ التلميذ أن يقتدي بمعلّمه. عندما طلب يسوع منّا أن نتبعه قال "من أراد أن يتبعني فليحمل صليبه ويتبعني"، أي أن يقتدي بي بحمل الصليب كما حملته أنا. لذلك يقول القدّيس بولس لنا: "لا أعرف بينكم إلّا يسوع المسيح وإيّاه مصلوبًا"... نحن لا نحمل قضيّة ولا نبشّر بقضيّة بل نحمل شخصًا ونبشّر بشخص هو يسوع. نحن لا نؤمن بقضيّة بل نؤمن بيسوع. هذا ما جعل بولس يقول "لست أنا أحيا بل يسوع هو الذي يحيا فيّ".

ثمّ ذكّر البطريرك العبسيّ بتذكار الكنيسة ليوسف الرامي ونيقوديموس وحاملات الطيب، "أولئك الذين نستطيع أن ندعوهم أصدقاءَ يسوع الأوفياء، إذ قد كانت صداقتهم ووفاؤهم ليسوع حتّى بعد الموت. من خصائص الشهادة الإنجيليّة أنّها تستمرّ، لا تتوقّف ولا تموت، من ناحية، وأنّها لا تتجزّأ من ناحية أخرى...الشهادة الإنجيليّة شهادة تامّة في كلّ شيء وفي كلّ ظرف."  

تابع البطريرك يوسف العبسي قال: "نحن معرّضون في حياتنا التكرّسيّة لنكوصات، لسقطات، لخيانات، بيد أنّ هذه كلّها لا ينبغي أن تقودنا إلى اليأس والتخلّي والهروب لأنّ اعتمادنا ليس على ذواتنا فقط بل خصوصًا على السيّد المسيح الذي قدّمنا ذواتنا له. من هنا ضرورة الصلاة في حياتنا، الصلاةِ التي تجعلنا على اتّصال مباشر ودائم مع يسوع."

في ختام كلمته، دعا البطريرك المكرّسين والمكرّسات للإعلان معًا، في مناسبة المئويّة الثالثة "أنّنا تلاميذ يسوع المسيح وأنّنا ننتمي إليه وأنّنا نلتزم به" وذكّرهم بأنّ خلوتهم تلك هي للشروع بتهيئة طريقة عمل، ورقة عمل للأيّام المقبلة، فـ"أمور كثيرة من حياتنا في حاجة إلى إعادة نظر وترتيب وتصويب خصوصًا طريقةَ عيشنا وشهادتَنا وتلمذتنا للربّ يسوع، وقد شاء الله أن يكون هذا اليوم فاتحة لأيّام أخرى تستمرّ، يكون فيها كلُّ يوم دفعةً إلى الأمام لنا ولأبنائنا".

وأنهى كلمته بشكر الحضور من مطارنة وكهنة ورهبان وراهبات ومن حضّروا للقاء ومن أشرفوا على سيره.