لبنان
24 حزيران 2024, 07:30

"كنيستنا الملكيّة تجعلنا وكلاء للوحدة وصنّاعًا لها": البطريرك العبسي

تيلي لوميار/ نورسات
إفتتح بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيّين الكاثوليك يوسف العبسيّ مؤتمر الانتشار الأوّل للروم الملكيّين الكاثوليك الذي تنظّمه الجمعيّة الروميّة الملكيّة العالميّة بعنوان "معًا نعزّز الوحدة الملكيّة"، في مركز "لقاء" في الربوة، بمشاركة البروفسور يوسف بخّاش، رئيس الجمعيّة، وممثّليْن عن رئيس مجلس النوّاب ورئيس حكومة تصريف الأعمال، ومطارنة من لبنان ودول الاغتراب، و وزراء ونوّاب وهيئات دبلوماسيّة وقنصليّة عربيّة وأجنبيّة، وقيادات أمنيّة وعسكريّة، وهيئات قضائيّة وجمعيّات وحشد من رجال الدين ورؤساء ورئيسات رهبانيّات ومجموعة من رجال الأعمال من لبنان ودول الانتشار وهيئات اقتصاديّة ورؤساء الروابط المسيحيّة وكوكبة من المهتمّين

 

ألقى البطريرك العبسيّ في مؤتمر الانتشار الأوّل للروم الملكيّين الكاثوليك كلمة استهلّها بالترحيب بالمشاركين والحضور ثمّ أكّد أنّ الكنيسة الملكيّة هي ابنة الكنيسة الجامعة وهي، بالتالي، على مثالها، "كنيسة لا ترتبط بمكان واحد، بأرض واحدة، بشعب واحد، لأنّ المسيح هو هويّتنا، فيه تتجاوز الكنيسة الحدود السياسيّة والجغرافيّة والثقافيّة والإثنيّة وغيرها".

أضاف البطريرك: "لقد أدرك آباؤنا أنّ أنطاكية هي مدينة روحيّة تحيا في القلب وأنّ أنطاكية انتماء إلى كنيسة تسعى إلى العيش بروح الإنجيل المقدّس وتحقيق دعوة السيّد المسيح بالانفتاح على الجميع. كنيستنا الملكيّة الأنطاكيّة، على رغم جراحاتها وآلامها، تتغذّى وتحیا من هذا الفكر ومن هذا التطلّع إلى تجاوز كلّ الحدود وكلّ محدوديّة لتصل إلى حيث يهبّ الروح الذي يجمعنا ويوحّدنا أينما كنّا في العالم. ففيما نشير إلى كنيسة أنطاكية كأمّ الكنائس، من المهمّ أن ندرك أنّ الكنيسة الملكيّة، في كل بلد من بلاد الانتشار، جزء لا يتجزّأ من التراث الأنطاكيّ حيث تكمن وحدتنا في انتمائنا إلى جسد المسيح الواحد وفي التزامنا قيم كنيستنا ومبادئَها".

وتابع: "انطلاقًا من المبادئ التي ذكرنا كانت كنيستنا الملكيّة تتأقلم مع الثقافات واللغات والعادات التي مرّت عليها...وهوذا نحن الملكيّون منتشرون في المشرق العربيّ منذ أجيال والأرض أرضنا فيها نشأت المسيحيّة وفيها جذورنا. الحفاظ على جذور المسيحيّة وحيويّتها مسؤوليّة مشتركة يجدر بنا أن نتحمّلها كلّنا وأن نسهم كلّنا في ازدهار تراثنا المسيحيّ. وما حدث في المشرق من أمر التأقّلم حدث كذلك في بلاد الاغتراب حيث تبنّت كنيستنا في صلواتها اللغات المحلّيّة وانثقفت في حضارة أهلها ونقلت كتبها إلى لهجاتها وكيّفت موسيقاها"...  

أردف البطريرك العبسيّ قال: "كنيستنا التي في بلاد الانتشار في خدمة المجتمع. عند التأمّل في تاريخنا الغنيّ، نجد أنّ العديد من أبناء كنيستنا كانوا وما زالوا روّاد فكر وعمل، لهم إسهامات عظيمة في خدمة الخير العامّ وحضورٌ في الحياة العامّة. كان الملكيّون دائمًا وما زالوا، في المغتربات كما في أوطانهم، منتبهين لمجتمعاتهم وفاعلين نشطين فيها بشكل ملحوظ، فشملت اهتماماتهم ونشاطاتهم القطاعات المختلفة...مؤكّدين حضورهم في الحياة العامّة ومثبّتينه، ومؤكّدين التزامهم العميق بخدمة الإنسان والسعي إلى تحقيق العدالة الاجتماعيّة والتضامن المجتمعيّ حيثما وُجدوا".

قال البطريرك أيضًا: "كلّ ما سبق وغيره الكثير الذي لا مجال للحديث عنه في وقت قصير يجعل منّا وكلاءَ للوحدة وصنّاعًا لها، بدءًا من منازلنا وأسرنا، مرورًا بعملنا وأحيائنا، وصولُا إلى كنيستنا ومجتمعنا الأكبر. تحقيق هذه الرسالة يتطلّب التزامًا حقيقيًّا بإنجيلنا وتفانيًا غير مشروط، يدفعنا إلى تجاوز رغباتنا الشخصيّة ورؤيتنا الضيّقة. فأحرّضكم على التفكير في هذه الدعوة والبحث عن طرق لتفعيلها وتعزيزها في عالمنا"

ثمّ تطرّق العبسي إلى يوبيل العام 2025 فقال: "في هذه السنة اليوبيليّة...نحن مدعوّون إلى الصلاة والتفكير كيف يمكننا تفعيل دور كنيستنا المسكونيّ، في العلاقة مع إخوتنا الأرثوذكس...بتضافر جهودنا، يمكننا التغلّب على التحدّيات وبناء مستقبل نكون فيه كلّنا أكثر تضامنًا وأكثر قربًا. فلنسعَ بالمحبّة والنيّة الحسنة والإرادة الصُلبة  إلى البحث عمّا يجمعنا بدلًا من التركيز على اختلافاتنا. من خلال تبنّي موقف إنجيليّ منفتح تجاه وجهات النظر المختلفة، نستطيع أن نسهم في خلق بيئة تعزّز التبادل المثمر والتقابس البنّاء وصولًا إلى وحدة المسيحيّين المنشودة".

ثمّ اختتم البطريرك يوسف العبسي كلمته بشكر المشاركين في المؤتمر ومن عملوا على تنظيمه، ووسائل الإعلام التي غطّته وشدّد على أنّ الكنيسة الملكيّة بـ"تضافر جهود ، تسير في النور الذي هو السيّد المسيح. وهي، بنعمة الله تعالى، باقية على مسيرتها على الرُغم من الجراحات وقسوة التاريخ" واستمطر بركات الله الوفيرة على الجميع....

ثمّ كانت كلمة للبروفسور يوسف بخّاش، رئيس الجمعيّة الروميّة الملكيّة، ممّا جاء فيها: "نلتقي اليوم تحت جناح بطريركنا يوسف العبسي وبرعايته لنستعرض التحدّيات التي تهدّد وجودنا كمسيحيّين عمومًا وملكيّين خصوصًا في ظلّ توتّرات سياسيّة وحروب مدمّرة تعصف بالمنطقة التي طالما كانت عبر التاريخ مهد المسيحيّة... شكّلت تلك الحروب الممتدّة منذ قرون واحدة من الأسباب الرئيسة للهجرة من المشرق العربيّ والانتشار في أصقاع الأرض...نتكلّم اليوم عن الانتشار وما أدراكم ما الانتشار وما معنى الهجرة بحثًا عن حياة كريمة وما يعني ذلك من فروقات في الثقافة لا سيّما على سبيل العائلة ما يمكن اعتباره تشتيتًا للعائلات الملكيّة ولأبناء كنيستنا الروميّة...هناك الهجرة الدائمة التي ترفد الانتشار وهي تتّجه نحو الغرب والأميركيّتين، والهجرة الموقّتة التي عادة ما تكون باتّجاه دول الخليج بقصد تحسين مستوى العيش والبحث عن فرصة نجاح غير متوافرة في بلادنا لأسباب مختلفة ...وهنا علينا التركيز على عدم تحويل الهجرة الموقّتة إلى دائمة...

وبالعودة الى الانتشار نتوقّف عند أبرز تحدّياته وتتمحور بشكل أساسيّ حول الاندماج في المجتمعات الغربيّة واكتساب عاداتها وتقاليدها وثقافتها ما أسّس ويؤسّس للابتعاد عن تقاليدنا وشرذمة العائلات الواحدة وبالأخصّ الابتعاد عن الكنيسة الأمّ وما تحمله من انتظام عائليّ وتعاليم أخلاقيّة. ناهيك عن انقطاع التواصل مع الكنيسة الأمّ، وهنا نتوقّف عند الالتزام المنقوص أكان لجهة العائلة الصغيرة أم العائلة الكبيرة وأعني هنا العائلة الملكيّة".

تابع البروفسّور بخّاش كملته قال: "لم نكتف في هذا المؤتمر بعرض التحدّيات بل تضمّن أربع ورش عمل انعقدت بإدارة الأساقفة المشاركين والمتخصّصين في مجال الاغتراب والانتشار في محاولة جادّة للخروج بتوصيات علميّة قابلة للتنفيذ، ورسم خريطة طريق لاستخلاص الحلول العمليّة ومتابعة التواصل عبر ابتكار طرق حديثة والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة لتشكيل قاعدة بيانات توضع بتصرّف البطريركيّة وأبناء الطائفة" .