لبنان
16 أيلول 2024, 07:30

"لنحمل صليب المحبّة ونتبع الربّ بلا خجل أو تململ": المطران عوده

تيلي لوميار/ نورسات
إحتفل المتروبوليت الياس عوده، راعي أبرشيّة بيروت للروم الأرثوذكس بالقدّاس الإلهيّ لمناسبة حلول عيد الصليب، نهار الأحد 15 أيلول/سبتمبر 2024 في كاتدرائيّة القدّيس جاورجيوس في وسط بيروت بحضور فاعليّات وشخصيّات وحشد من المؤمنين.

 

بعد قراءة الإنجيل المقدّس من بشارة القدّيس مرقس (8: 1-4) قال المطران عوده: "يدعونا الربّ يسوع إلى اتّباعه، كما يحذّرنا من مغبّة الخجل منه ومن تعاليمه في هذا العالم الخاطئ. 

يلفتنا أنّ الربّ طلب من تلاميذه أوّلًا إطعام الجموع، لكنّهم لم يقدروا أن ينفّذوا طلبه (8: 1-4). بعدها، لم يستطع التلاميذ فهم تلميحاته حول تعليم الفرّيسيّين والهيرودسيّين (8: 15-21). لم يقتصر الأمر على عدم فهمهم تعاليمه، لكنّهم لم يقبلوا أيضا الصورة التي صوّرها عن نفسه، على الرغم شفائه أعمى أمامهم (8: 22-33)".

تابع المطران عوده كلامه قال: "الأمر المتوقّع من التلاميذ أن يفهموا تعاليم الربّ لأنّهم «من الداخل»، أي من أتباعه، وقد أعطي لهم أن يعرفوا سرّ ملكوت الله (مر4: 11)، في مقابل «الذين هم من الخارج»، الذين أعطاهم تعليمه بالأمثال «لكي ينظروا نظرًا ولا يروا ويسمعوا سماعًا ولا يفهموا» (مر 4l: 12). فشل التلاميذ، مرارًا وتكرارًا، في فهم تعاليم الربّ ومعرفته على حقيقته، لذلك كان الربّ يسوع قاسيًا معهم، واضعًا إيّاهم في خانة الذين هم من الخارج قائلًا: «ألكم أعينٌ ولا تبصرون...» (8: 18)، مؤنّبًا بطرس قائلًا له: «إذهب عنّي يا شيطان لأنّك لا تهتمّ بما لله لكن بما للناس" (8: 33).

هذا يعني أنّ كلّ تلميذ تابع للربّ يسوع لا يكون تلميذًا حقيقيّا له ما لم يقبله كما هو، أي كابن الإنسان الذي ينبغي أن يتألّم ويرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويُقتل، وبعد ثلاثة أيّام يقوم (مر 8: 31؛ 9: 31؛ 10: 33-34)".

أكمل المتروبوليت عوده شرحه، قال: "الأمر لا يقتصر على فهم تعاليم الربّ يسوع وقبوله كما أعلن هو عن نفسه، لأنّ المطلوب هو اتّباع الربّ، أي السير في الطريق الذي سلكه هو، طريق الآلام والصلب وصولًا إلى القيامة. لهذا قال الربّ: «إن أراد أحدٌ أن يتبعني، فلينكر نفسه ويحمل صليبه كلّ يوم ويتبعني» (لو9: 23).

إنّ عيش الصليب يكون في إنكار الذات وتخلّي المؤمن عن كلّ ما يربطه بهذا العالم الماديّ ليرتفع نحو السماويّات. حمل الصليب يكون في المحبّة المضحّية، والصبر على التجارب، واحتمال الشدائد ليس قهرًا للنفس بل رجاءً بمستقبل مشرق بنور القيامة البهيّ".

وقال: "ما من سبيل للسير على خطى الربّ سوى المحبّة المصلوبة من أجل الجميع من دون استثناء. هذا الأمر لا يمكن أن يحقّقه الإنسان في الخفاء...بل عليه أن يظهره أمام الملء، وألّا يستحي ممّا قد يقوله الناس عنه «لأنّ من يستحي بي وبكلامي في هذا الجيل الفاسق الخاطئ يستحي به ابن البشر متى أتى في مجد أبيه» كما يقول الربّ يسوع (مر 8: 38).

التعبير عن المحبّة لا يكون بالكلام لأنّ المحبّة لا تتحقّق إلّا بالأفعال. احترام الحياة، والعطاء، والمسامحة والتعاطف، وقبول الآخر كما هو، وعدم إدانته أو ظلمه أو قتله، وعدم شنّ الحروب وإبادة البشر... كلّها أفعال محبّة...". 

أضاف عوده: "في هذا العالم، يسعى الإنسان إلى تحقيق ذاته لا إلى نكرانها، واتّباع الربّ كما أوصانا يشكّل فعلًا نافرًا أمام عيون «هذا الجيل الفاسق الخاطئ» (مر 8: 38). إلّا أنْ لا مفرّ من ذلك ولا مساومة عليه، وإلّا كانت العواقب وخيمة لأنّ من يستحي بالربّ وبكلامه سوف يستحي به ابن الإنسان..(8: 38).

هل من ينكر نفسه في أيّامنا من أجل الآخرين؟ وهل من محبّته بلا حدود كما علّمنا الربّ؟ أم أنّ عيون معظم الناس شاخصةٌ إلى الأنا، إلى المصلحة، إلى إرضاء الغرور وإشباع الرغبات؟ «ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كلّه وخسر نفسه» كما سمعنا في الإنجيل؟ ألم يطلب منّا أن نترك كلّ شيء ونتبعه؟ وهو الذي صلب ومات عنّا، لن يتغافل عن آلامنا وحاجاتنا، بل يحتضننا برحمته ويذيقنا حلاوة ملكوته".

أردف المطران عوده، قال: "دعوتنا اليوم، أن نحمل صليب المحبّة ونتبع الربّ بلا خجل أو تململ. كثيرون قد لا يقبلون المحبّة خوفًا من أن تكون زائفة، وما عادوا يثقون بمحبّة أحد من هذا العالم...عملنا وواجبنا أن ننشر المحبّة الحقيقيّة التي أساسها المسيح، لكي يصبح العالم الخاطئ الفاسق فردوسا أرضيّا. لهذا، «أحبّوا بعضكم بعضًا من صميم القلب» (1بط1: 22)، أحبّوا حتّى النهاية، وابذلوا نفوسكم من أجل محبّة الآخر كائنًا من كان، لأنّ المسيح هكذا يرتضي، آمين".