تساعيّة صلاة لأجل تطويب المكرّم البطريرك إسطفان الدّويهيّ

اليوم الأوّل

باسم الآب والابن والرّوح القدس الإله الواحد. آمين

صلاة: أيّها الرَبّ يسوع، يا مَنْ دَعَوتَ البطريركَ إسطفان الدّويهيّ وأغدقتَ عليه النّعمَ المتنوّعة، فَراحَ يتجاوبُ معها "كتلميذ حَسْبُهُ أنْ يكونَ مثلَ مُعَلّمِه" حُبًّا لكَ ولتمجيدِكَ. لقدْ أَحببتَ كنيستَكَ وبذلتَ دمَكَ لِفِدائها، وصفيُّكَ إسطفان احتملَ الكثيرَ في سبيلِ الكنيسةِ التي اْئتَمَنْـتَهُ عليها حُبًّا بِها وَلِكي يُنمّيها. فيا ربّ، نسألُكَ أنْ تَكشِفَ كَمْ هي غزيرةٌ نِعَمُكَ عَليه، وَكَمْ هو عظيمٌ تَجاوبُه مَعَها، فَتُظْهِر قداستَهُ. أَعطِنا، اللّهمَّ، أنْ نَرَى المكرَّمَ البطريركَ إسطفان الدّويهيّ طوباويًّا وفي مَصافِّ القدّيسين، ليبقى منارةً في الشّرقِ والعالمِ أجمع وامنحنا بشفاعته النّعم التي نحن بحاجة إليها. ونرفع لك التّسبيحَ والمجدَ والإكرامَ ولأبيكَ ولروحِكَ القدّوسِ الآن وإلى الأبد. آمين.

تأمّل من حياة الدّويهيّ

إِنِّ البطريرك إسطفان الدّويهيّ هو خير ممثِّل للشّعب المارونيّ. فيه تأصّلتْ الفطرةُ المارونيّة بكلِّ صفاتها الحسنة وذلك منذ صغره. فقد اكتسب رضى معلِّميه ومحبّتهم ليس باجتهاده في الدّرس فقط، بل بقداسة حياته وطهارة سيرته. أخذ من أمثال سلفائه الأبرار سبيلاً لممارسة الفضائل كلِّها واتّكاله على عناية ربّه وتدبيره ومحبّته للسّيّد المسيح. واقتدى بأسلافه البطاركة، فكان على مثالهم في ممارسة التّقشّف واختيار نمط الزّهد وجهد النّفس والتّحلّي بالصّبر والوداعة ومناصرة العدل والحقّ.

كان البطريرك الدّويهيّ يقضي السّاعات الطِّوال في الصّلاة والتّأمّل. لقد عُرف، منذ صغره، بتقواه. فكان يكتّف يديه في الصّلاة ويحني رأسه ويطرق إلى الأرض ويجلس بدون حراك في حضرة الباري بكلِّ خشوع ووقار. وفي مدّة رئاسته على الكرسيّ الإنطاكيّ كان يقوم في نصف اللّيل شتاءً وصيفًا ويصلّي ويتوسّل إلى الله لساعات طويلة. لقد سمعوه مرارًا كثيرة يتكلّم مع مريم البتول التي كرّس ذاته لها بإكرام خاصٍّ، وهي تراءت له أكثر من مرّة.

تأمّل في إيمان الدّويهيّ

يظهر إيمان الدّويهيّ في حياته وصلاته وكتاباته. فالإيمان، بالنّسبة إليه، هو أساس العيش والتّجذّر. الإيمان يولّد التّواضع الذي هو أساس الحياة المسيحيّة ومبدأ كلّ الفضائل. الإيمان عطيّة من الله، إذ إنّ بيئة الدّويهيّ، بيئة الإيمان والتّقوى، سهّلت عليه السّبل ليقدّس نفسه وَمَنْ أُوكِلَتْ إليه رعايتهم. الإيمان تواضع، وهذه فضيلة تميّز بها الدّويهيّ وتجلّت في محطّات عديدة من حياته. الإيمان صلابة واستقرار، فما كانت النّوائب تهزّ الدّويهيّ ولا تزعزع عزمه وشجاعته، بل بالصّبر تغلّب على جميع النّكبات التي حلّت في أيّامه بالكرسيّ البطريركيّ والكنيسة المارونيّة. الإيمان غيرة ومحبّة، فكان الدّويهيّ يحبّ طائفته حبًّا يفوق كلّ حدّ، حتّى أنّه ما كان يبالي بحياته لأجلها. الإيمان ينبوع الصّلاة وثمرتها، فالدّويهيّ المؤمن رجل صلاة اعتاد عليها منذ صغره وحافظ عليها طوال حياته. قَرَنَ الصّلاة بالتّقشّف والإماتة. ويخبر معاصروه أنّه لم ينهض مرّة عن الطّعام شبعانًا ولم يأكل فاكهة جديدة وكان يتخلّى عن كلّ ما يشتهيه.

صلاة لإعلان قداسة الدّويهيّ

أيّها الآب السّماويّ، يا مَنْ زَيّنتَ كنيستك بالقدّيسين بواسطة ابنك الوحيد وروحك المحيي، لقد شئت فاصطفيت خادمك إسطفان ووهبته أَنْ يُبْصِرَ العالمَ بِعينينِ مُشعّتين بغيرةِ ملكوتك، فاندفع يعلِّمُ الصّغارَ والكبارَ ويبشّرُ بكلمتك ويدبّرُ كنيستك حاملًا أمانةَ مارون ومجد لبنان. حفظ طقوس البيعة وشرح أقداسها فغدت منارة للعقول وأرّخ أزمنتها إرثًا للشّعوب فسمت كرامتها وعلا شأنها. نسألك، اللّهمّ، أنْ تُظهِرَ قداسته لمجد اسمك فيغدو خمير رجاء في عالمنا ونور إصلاح في كنيستنا وملح كرامة في أوطاننا. وأهّلنا أن نبني، على مثاله، ملكوتك على الأرض بِالعِلْمِ والإيمان ِوالتّقوى والجرأة والالتزام، ونكون شهودًا لابنك الفادي وهياكل لروحك القدّوس ورسلًا لحضارة المحبّة وروّادًا للحقيقة والسّلام. لك التّسبيح والمجد والإكرام إلى أبد الدّهور. آمين.

الأبانا... والسّلام... والمجد.

اليوم الثّاني

باسم الآب والابن والرّوح القدس الإله الواحد. آمين

صلاة: يا رَبَّنا يَسُوعَ المــَسيح، يا مَنْ رَقَّيْتَ الشَّمّاسَ إِسْطِفان، بِوَضْعِ يَدِ البَطْرِيَرْك، إِلى دَرَجَةِ الكَهَنُوتِ المــُـقَدَّس، يَومَ عِيدِ بِشارَةِ العَذراءِ مَرْيَمَ أُمِّكَ الكُلِّيَّةِ القَداسَة، الَّتِي سَبَقَتْ فَقَبِلَتْ نَذْرَهُ وَأَعادَتْ إِليهِ نَظَرَهُ كامِلًا، فَراحَ يَعْمَلُ واصِلًا الماضِيَ بِالحاضِر، وَمُخْتَطِفًا مِنْ أَيْدِي النُّسْيانِ وَالدَّمارِ تاريخَ أُمَّتِهِ الكَريمة، امنَحْ، يا رَبّ، بِيعَتَكَ المقَدَّسَةَ أَمثالَهُ كَهَنَةً عامِلِينَ في كَرْمِكَ مِنَ الصَّباحِ إِلى المــَساء، وأَنْعِمْ عَلَينا بِشَفاعَتِهِ بِالخَيراتِ الرُّوحيّةِ والجَسَديّةِ التي نَلْتَمِسُها مِنْكَ، وَأَهِّلْنا أَنْ نُحْيِيَ ذِكْراهُ بِالفَرَحِ وَالتَّرانِيمِ الرُّوحِيَّة، لَكَ وَلِأَبِيكَ وَرُوحِكَ القُدُّوس، الآنَ وَإِلى الأَبَد.

تأمّل من حياة الدّويهيّ

البطريرك الدّويهيّ هو القائد الرّوحيّ الحكيم الذي عرف أن يواكب شعبه ويوقظ ضميره وينقل إليه ما قدّمه له الله من مواهب وعطايا وما قلّده من رسالة تحمّل في سبيل أدائها أمرّ الآلام والعذابات. كان له نظرة سامية إلى سرّ الكهنوت الذي عبّر عنه في كتاباته وفي حياته. فكتب عن دور الكاهن الأبويّ والرّعويّ: "أمّا درجة الكهنوت فهي أشرف من درجات ولاة الأرض وملائكة السّماء. ولهذا يجب على الكاهن أن يجتهد في حسن السّلوك مع نفسه ومع الله ومع القريب. فمن جهّة نفسه، يجب أن يكون تقيًّا، ليّن الأخلاق، محبّ التّواضع، شديد الإيمان، متيقّظ الضّمير، مواظبًا على الصّوم والصّلاة وتلاوة الكتب الإلهيّة... وبشأن سلوكه مع الله، يجب ألاّ يتّكل على أحد سواه ولا يقدِّم على خدمته شيئًا... ويرفع الطّلبات ليلاً ونهارًا لأجل الأحياء والأموات من شعبه... وأمّا بخصوص سلوكه مع الشّعب... فينبغي أنْ يُعنى بالبيعة وأولاد الإيمان إذ يرتبط بالرّعيّة التي قَبِلَ عليها وضع اليد ويسوسها أحسن سياسة بوعظه وحسن سيرته كالأب الرّوحيّ يربّي أبناء رعيّته على المحبّة والرّجاء والإيمان والطّاعة والصّوم والصّلاة وباقي الفضائل...".

تأمّل في لاهوت الدّويهيّ

كان الدّويهيّ يعلِّم أنّه لا يمكن للإنسان أن يناقش اللّه في قصده ويدّعي معرفة أسراره أو التّحلّي بقدرته. وكان يدعو إلى التّعمّق بالإيمان من خلال الإشتراك بالقدّاس ومن خلال إكرام القدّيسين وطلب شفاعتهم والتّشبّه بهم. وكان يعتبر أنَّ القصدَ من عِلْمِ اللّاهوت هو التّعرّف إلى الله والإيمان به والشّعور بحضرته ونقل هذا الإيمان للآخرين متجاوزًا الكتاب إلى خبرة روحيّة تفتح العين على حقيقة المسيح وعلى فعله الإلهيّ. لقد رأى بوضوح أنَّ القصد من عِلْمِ اللّاهوت ليس مجرَّد توفير المعطيات للجدل العقليّ، بل التّعرّف الوجدانيّ إلى الله، وأنَّ اللّاهوتيّ يدعو إلى مواكبة البشر ليبيّن لهم وينقل إليهم ما قدّمه الله لهم من عطايا وهبات وأنْ يكون قدوة لهم. من هنا، كان أسلوبه في عِلْمِ اللّاهوت، كما تلقّنه في روما، أقربَ إلى أسلوب الحفاظ على الإيمانِ الموروث والدّفاع عن العقيدة الكاثوليكيّة منه إلى أسلوب التّحليل والاستنتاج المنطقيّ. ذلك أنّ المناخ الثقافيّ الذي عاش فيه الدّويهيّ غلب عليه هذا الأسلوب الذي اعتمده في مؤلّفاته ذات الطّابع اللّاهوتيّ البارز.

صلاة لإعلان قداسة الدّويهيّ

أيّها الآب السّماويّ، يا مَنْ زَيّنتَ كنيستك بالقدّيسين بواسطة ابنك الوحيد وروحك المحيي، لقد شئت فاصطفيت خادمك إسطفان ووهبته أَنْ يُبْصِرَ العالمَ بِعينينِ مُشعّتين بغيرةِ ملكوتك، فاندفع يعلِّمُ الصّغارَ والكبارَ ويبشّرُ بكلمتك ويدبّرُ كنيستك حاملًا أمانةَ مارون ومجد لبنان. حفظ طقوس البيعة وشرح أقداسها فغدت منارة للعقول وأرّخ أزمنتها إرثًا للشّعوب فسمت كرامتها وعلا شأنها. نسألك، اللّهمّ، أنْ تُظهِرَ قداسته لمجد اسمك فيغدو خمير رجاء في عالمنا ونور اصلاح في كنيستنا وملح كرامة في أوطاننا. وأهّلنا أن نبني، على مثاله، ملكوتك على الأرض بِالعِلْمِ والإيمان ِوالتّقوى والجرأة والالتزام، ونكون شهودًا لابنك الفادي وهياكل لروحك القدّوس ورسلًا لحضارة المحبّة وروّادًا للحقيقة والسّلام. لك التّسبيح والمجد والإكرام إلى أبد الدّهور. آمين.

الأبانا... والسّلام... والمجد.

اليوم الثّالث

باسم الآب والابن والرّوح القدس الإله الواحد. آمين

صلاة: أَيُّها الآبُ السَّماوِيّ، يا مَنِ ٱخْتَرْتَ أَبانا الأُسْقُفَ المتَواضِعَ إِسْطِفان، بَطْرِيَرْكًا راعِيًّا لِلرُّعاة، وَأَلْزَمْتَهُ بِالقُبُول، بَعْدَ أَنْ هَرَبَ إِلى البَراريّ، مُحْتَجِبًا عَنِ الأَبْصار، فَمَلَأْتَ قُلُوبَ المـؤْمِنِينَ فَرَحًا وَسَلامًا. نَسْأَلُكَ أَنْ تُبْهِجَ قُلوبَنا في ذِكْراه، وُتُثَبِّتَنا بِشَفاعَتِهِ عَلى إِيمانِنا الرَّسُولِيِّ المــُسْتَقِيم، لِنَشْهَدَ لَكَ نَظِيرَهُ، مُحْتَمِلينَ في سَبِيلِكَ كُلَّ أَلَم، وَنَحْظَى بِمَجْدِكَ الأَبَدِيّ، فَنَشْكُرَكَ وَنُسَبِّحَكَ وَٱبْنَكَ الوَحيدَ وَرُوحَكَ القُدُّوسَ إِلى الأَبَد.

تأمّل من حياة الدّويهيّ

كرّس البطريرك الدّويهيّ حياته للدّفاع عن كنيسته وعن صحّة عقيدتها وتمسّكها بالإيمان القويم وللذّود عن شعبها والوقوف بوجه الحكّام الظّالمين وتحمّل الإهانات والتّهجير عدّة مرّات من قنّوبين إلى كسروان والشّوف... ولم يتوانَ عن الإستغاثة بعدالة الباب العاليّ أحيانًا وعن رفع شكواه إلى الحبر الأعظم أو طلب الحماية له ولشعبه من ملك فرنسا لويس الرّابع عشر، أحيانًا أُخرى. لقد تحمّل البطريرك الدّويهيّ من الظّلم والاضطهاد ما يفوق الوصف. وكان طيلة بطريركيّته قلقًا على مصير طائفته، يفرّ من مخبأ إلى آخر، ومن وادٍ إلى آخر... كأنّما كُتِبَ له أنْ يختصر بمعاناته الشّخصيّة معاناة الطّائفة المارونيّة.

تأمّل في رجاء الدّويهيّ

إستنادًا إلى إعتقاد الدّويهيّ الرّاسخ بأنّ يدَ الله هي مع شعبه وكنيسته التي صانها في حفاظها على سلامة العقيدة والدّيانة المهذَّبة بشفاعة مَنْ تكنّتْ باسمه، برز في مؤلّفاته بُعدٌ لاهوتيّ جديد أَلا هو بُعْدُ الرّجاء الواثق بالرّغم من الأخطار التي تُحيق به وبشعبه والأحداث المميتة التي مرّت عليه. إنّ روحيّة الرّجاء في حياة الدّويهيّ تتخطّى حتميّة المصير لتعتصم بقدرة الله. فالانفتاح على الرّبّ والاعتصام به يكوّنان نعمة عظيمة تفترض نكران الذّات، لأنّ الرّجاء يفرّغ الإنسان من ذاته ليلقي ثقل همّه على الرّبّ.

هنا يظهر وجه جديد من وجوه الرّجاء الصّالح لدى البطريرك الكبير أَلَا وهو الصّبر على الحدث المؤلم بالتّحلّي بالرّوح الإنجيليّة التي ترى دعوة من الله في كلّ محنة تحلّ بنا أو في كلِّ مصيبة تصيبنا. هو يؤمن بأنّ وجه الرّبّ يبدو أشدّ إشراقًا من خلال الأحداث المؤلمة وما كان أكثرها في أيّام الدّويهيّ! فكان يقاسيها مع شعبه بروح سَمِحٍ وصبور متلمّسًا يد الله في نسيج آلامه وأوجاعه. مهما قست المحنة وسُدّت نوافذ الرّجاء يظلّ على يقين بأنّ الله قريب منه أكثر من أيّ زمن آخر. فهكذا كان موقف القدّيسين من نوائب الدّهر.

صلاة لإعلان قداسة الدّويهيّ

أيّها الآب السّماويّ، يا مَنْ زَيّنتَ كنيستك بالقدّيسين بواسطة ابنك الوحيد وروحك المحيي، لقد شئت فاصطفيت خادمك إسطفان ووهبته أَنْ يُبْصِرَ العالمَ بِعينينِ مُشعّتين بغيرةِ ملكوتك، فاندفع يعلِّمُ الصّغارَ والكبارَ ويبشّرُ بكلمتك ويدبّرُ كنيستك حاملًا أمانةَ مارون ومجد لبنان. حفظ طقوس البيعة وشرح أقداسها فغدت منارة للعقول وأرّخ أزمنتها إرثًا للشّعوب فسمت كرامتها وعلا شأنها. نسألك، اللّهمّ، أنْ تُظهِرَ قداسته لمجد اسمك فيغدو خمير رجاء في عالمنا ونور اصلاح في كنيستنا وملح كرامة في أوطاننا. وأهّلنا أن نبني، على مثاله، ملكوتك على الأرض بِالعِلْمِ والإيمان ِوالتّقوى والجرأة والالتزام، ونكون شهودًا لابنك الفادي وهياكل لروحك القدّوس ورسلًا لحضارة المحبّة وروّادًا للحقيقة والسّلام. لك التّسبيح والمجد والإكرام إلى أبد الدّهور. آمين.

الأبانا... والسّلام... والمجد.

اليوم الرّابع

باسم الآب والابن والرّوح القدس الإله الواحد. آمين

صلاة: أَيُّها الرُّوحُ القُدُس، يا مَنْ مَلَأْتَ بِمَواهِبِكَ الرُّوحِيَّةِ بَطْرِيَرْكَنا الوَديعَ إِسْطِفان، وَثَبَّتَّهُ في مَقَرِّهِ الوَادِعِ في دَيرِ قَنُّوبِين، في قَلْبِ الوَادِي المقَدَّس، حَيثُ كانَ يَقْضِي لَيالِيَ صَلاةٍ وَتَسْبِيح، مِنْ أَجْلِ قَطيعِهِ الصَّغِير، مَع آلافِ النُّسَّاكِ الَّذِينَ عَطَّرُوا ذٰلِكَ الوادي بِصَلَواتِهِمْ وَفَضائِلِهم، أَهِّلْنا أَنْ نَضُمَّ أَصْواتَنا إِلَيْهِم بِالمــَـزامِيرِ وَالتَّسابِيحِ المقدَّسَة. يا رَبَّنا وَإِلٰهَــنَا لَكَ المــَجْدُ إِلى الأَبَد.

تأمّل من حياة الدّويهيّ

قضى البطريرك الدّويهيّ حياته كلّها، إلى جانب ما أُسند إليه من المسؤوليّات الجسام، في الدّرس والبحث والتّنقيب والتّأليف بهدف معرفة كنيسته المارونيّة معرفة أعمق، معرفة تاريخها وعقائدها وطقوسها وشعبها والمسؤولين فيها. ولم يكن ليحتفظ بتلك المعرفة لنفسه، بل راح ينشرها بكلّ الوسائل المتاحة في عصره: بالتّعليم، والوعظ والكتابة والمناظرات... وجهد البطريرك الدّويهيّ طوال حياته لكي يؤمِّن لأبناء كنيسته الغذاء الفكريّ والرّوحيّ وكلّ شروط الاستمراريّة والتّقدّم. فبالإضافة إلى عمله الشّخصيّ الضّخم في التّعليم والوعظ والتّأليف عمل على بناء المدارس وترميم الكنائس والأديرة وتأمين الكهنة والمعلِّمين الكفؤ والأساقفة الغيورين لكي يعاونوه في عمل التّثقيف والبنيان والتّنظيم. وسهر بصورة خاصّة على إبراز الكنوز اللّيتورجيّة في الكنيسة وعلى تجديد الرّهبانيّات المارونيّة وتشجيع أعضائها على الإصلاح المنشود بحمل مشعل العِلْمِ والمعرفة والصّلاة والقداسة. فكان في أساس النّهضة الثّقافيّة والعلميّة والرّوحيّة الرّائعة التي عمّت كلّ أنحاء لبنان ومنه انطلقت إلى سائر بلدان الشّرق.

تأمّل في غيرة الدّويهيّ على الأمانة الكاثوليكيّة

إنّ غيرة الدّويهيّ الشّديدة على الأمانة لكنيسته المارونيّة وقيمها الموروثة وتقاليدها العريقة شحذت فيه هذا الأسلوب اللّاهوتيّ النّضاليّ في وجه مَنْ سوّلت له النّفس التّعرّض من قريب أو بعيد إلى أمانة الموارنة وطاعتهم وثباتهم في إيمانهم خاصّةً أنّ الموارنة كانوا يعانون في أيّامه اضطهادًا فكريًّا من شرقيّين وغربيّين على السّواء. ذلك أنّ تراثهم وعاداتهم الشّرقيّة كانت تختلف عن تراث الغربيّين وعاداتهم وهذا ما كانوا يسمّونه خروجًا على الكثلكة كما أنّ طلّابهم الذين تأثّروا بالفكر الغربيّ والحضارة اللّاتينيّة حملهم على إدخال بعض العادات والأفكار الغربيّة إلى مجتمعهم وطقوسهم وهذا ما دفع بعض الشّرقيّين إلى أَنْ ينظروا إليهم نظرة استهجان واستغراب لأنّ الشّرق في نظر هؤلاء قطع صلته بالغرب المسيحيّ ولم يبقَ له شركة معه. إنّ لاهوت الدّويهيّ هو لاهوت متجسّد يرتبط بمعاناة شعب وبرقعة أرض، والأرض التي يرتبط بها هي وطنه لبنان. والزّمن المارونيّ، بحسب تفكير الدّويهيّ اللّاهوتيّ، ليس زمنًا أفقيًّا منفتحًا على آفاق الحضارات، بل هو في أساسه زمن عاموديّ، زمن الله والكنيسة في حياة شعب.

صلاة لإعلان قداسة الدّويهيّ

أيّها الآب السّماويّ، يا مَنْ زَيّنتَ كنيستك بالقدّيسين بواسطة ابنك الوحيد وروحك المحيي، لقد شئت فاصطفيت خادمك إسطفان ووهبته أَنْ يُبْصِرَ العالمَ بِعينينِ مُشعّتين بغيرةِ ملكوتك، فاندفع يعلِّمُ الصّغارَ والكبارَ ويبشّرُ بكلمتك ويدبّرُ كنيستك حاملًا أمانةَ مارون ومجد لبنان. حفظ طقوس البيعة وشرح أقداسها فغدت منارة للعقول وأرّخ أزمنتها إرثًا للشّعوب فسمت كرامتها وعلا شأنها. نسألك، اللّهمّ، أنْ تُظهِرَ قداسته لمجد اسمك فيغدو خمير رجاء في عالمنا ونور إصلاح في كنيستنا وملح كرامة في أوطاننا. وأهّلنا أن نبني، على مثاله، ملكوتك على الأرض بِالعِلْمِ والإيمان ِوالتّقوى والجرأة والالتزام، ونكون شهودًا لابنك الفادي وهياكل لروحك القدّوس ورسلًا لحضارة المحبّة وروّادًا للحقيقة والسّلام. لك التّسبيح والمجد والإكرام إلى أبد الدّهور. آمين.

الأبانا... والسّلام... والمجد.

اليوم الخامس

باسم الآب والابن والرّوح القدس الإله الواحد. آمين

صلاة: يا أَبانا السَّماوِيّ، إِلَيْكَ نرفع صَلاتَنا، متأمّلين في سِيرَةِ حَياةِ أبينا البطريرك إسطفان الدّويهيّ البَارَّة، وَخُصُوصًا في ذَكائِهِ الحادّ، وَتَقْواهُ العَميقَةِ الجُذُور، وَعِلْمِهِ الفَلْسَفِيِّ وَاللّاهوتِيّ، وَغَيْرَتِهِ الرَّسُولِيَّةِ الكَامِلَة، وَبَحْثِهِ العِلْمِيِّ في التَّارِيخ، وَحُبِّهِ الكَبِيرِ لِلْكَنِيسَةِ وَالوَطَن. ثَبِّتْنا، يا إِلٰهَنا، في عَمَلِ الرِّسالَة، وَالجَهْدِ المــُـتَواصِلِ في سَبيلِ تَحقِيقِ وَحْدَةِ كَنِيسَتِكَ المــُـقَدَّسَة، فَنُتِمَّ رَغْبَةَ ٱبْنِكَ الحَبِيبِ رَبِّنا يَسُوعَ المــَـسيح، وَنُمَجِّدَكَ وَنَشْكُرَكَ مَعَهُ وَمَعَ رُوحِكَ الحَيِّ القُدُّوس، الآنَ وَإِلى الأَبَد.

تأمّل من حياة الدّويهيّ

لمّا اكتشف الدّويهيّ، وهو يدرس في روما، أنّ العلاجات والوسائل البشريّة لم تنجح في شفاء نظره التجأ إلى العذراء مريم التي لا يعسر أمر على شفاعتها القديرة. فنزل إلى الكنيسة وخرّ أمام أيقونتها وابتهل إليها من صميم فؤاده ونذر لها نذرًا ألزم ذاته به إِنْ التمستْ له الشّفاء من ابنها المجيد. وفي الحال، بعد أنْ فاه بنذره، رجع نظره إليه وصار أحسن ممّا كان عليه قبل ابتلائه بالمرض المذكور. ومنذ ذلك اليوم لم يفقد شيئًا من حدّة نظره طول حياته بالرّغم من انكبابه على الدّرس والتّأليف إلى آخر أيّامه. وشهد بعض مَنْ عرفه أنّه في شيخوخته كان يقرأ الخطوط الصّغيرة من دون نظّارات. وكان لشفائه فرح عظيم عند الجميع وقدّموا معه الشّكر لله ولتلك الأمّ الشّفوق التي استجابت دعاه. أمّا النّذر الذي أوجبه على ذاته فلم يخبر أحدًا به وطلب إليه الكثيرون من أصدقائه في ما بعد أنْ يكشفه لهم فأبى وكان يقول إِنّه شيء يسير وكان يُظهِر الانذهال كيف أنّ البتول قبلته ومنّت عليه بالشّفاء لأجله.

تأمّل في تواضع الدّويهيّ وصبره  

كان البطريرك الدّويهيّ، مع ما كان عليه من التّواضع، يحافظ على شرف مقامه أمام الناس. لقد عاش التّواضع كالقدّيسين. وكان يخدم الجميع ويهتمّ خاصّةً بالصّغار والفلّاحين والّذين ليس لهم عضد. وهذا التّصرّف ينمّ عن محبّة كبيرة وتواضع عميق واحترام لكلّ إنسان.

وأفاض الرّوح القدس مواهبه في قلبه فأظهرها في أعماله واحتمل من الشّدائد ما لا تقوى عليه قدرة الإنسان إِنْ لم يعضده الله، فَلَمْ يرَ يوم راحة واحد في مدّة رئاسته كلّها. ولمّا كان الحكّام والمشايخ والأمراء يسعرون نار الحروب باختلافاتهم ومطامعهم كان البطريرك يتأثّر في قلبه ويحزن من خراب وطنه وضرر أبنائه وكان يدافع ويقاوم ويناضل بلا راحة ولا خوف ويجاهد للحقّ ولو لحقه الأذى. وقاسى أهوالاً وعذابات لم تنزل بغيره، فاحتملها بصبر لا نفاذ له ونشاط لا يعرف الملل. إنّ رجاء الدّويهيّ جعله يصبر ويتحمّل كلّ أنواع الاضطهادات والصّعوبات، إِنْ على الصّعيد الشّخصيّ وإِنْ على صعيد أُمّته وطائفته، فتهجّر وأُجبِر على مغادرة كرسيه البطريركيّ مرّات عديدة وأحيانًا متنكِّرًا.

صلاة لإعلان قداسة الدّويهيّ

أيّها الآب السّماويّ، يا مَنْ زَيّنتَ كنيستك بالقدّيسين بواسطة ابنك الوحيد وروحك المحيي، لقد شئت فاصطفيت خادمك إسطفان ووهبته أَنْ يُبْصِرَ العالمَ بِعينينِ مُشعّتين بغيرةِ ملكوتك، فاندفع يعلِّمُ الصّغارَ والكبارَ ويبشّرُ بكلمتك ويدبّرُ كنيستك حاملًا أمانةَ مارون ومجد لبنان. حفظ طقوس البيعة وشرح أقداسها فغدت منارة للعقول وأرّخ أزمنتها إرثًا للشّعوب فسمت كرامتها وعلا شأنها. نسألك، اللّهمّ، أنْ تُظهِرَ قداسته لمجد اسمك فيغدو خمير رجاء في عالمنا ونور إصلاح في كنيستنا وملح كرامة في أوطاننا. وأهّلنا أن نبني، على مثاله، ملكوتك على الأرض بِالعِلْمِ والإيمان ِوالتّقوى والجرأة والالتزام، ونكون شهودًا لابنك الفادي وهياكل لروحك القدّوس ورسلًا لحضارة المحبّة وروّادًا للحقيقة والسّلام. لك التّسبيح والمجد والإكرام إلى أبد الدّهور. آمين.

الأبانا... والسّلام... والمجد.

اليوم السّادس

باسم الآب والابن والرّوح القدس الإله الواحد. آمين

صلاة: أَيُّها الآبُ القُدُّوس، يا مَنْ أَنْعَمْتَ عَلى أَبِينا البَطْرِيَرْكِ الطُّوباوِيِّ مار إِسْطِفانَ بِالذَّكاءِ وَالعِلْمِ وَالتَّقْوَى، وَكالأَبِ الحَنُونِ أَعْدَدْتَهُ، بَعْدَ تَيَتُّمِهِ مُنْذُ الطُّفُولَة، لِيُدَبِّرَ بِيعَتَكَ، وَيَحْمِلَ ٱسْمَكَ بَينَ الشُّعُوب، أَهِّلْنا أَنْ نُحْيِيَ ذِكْراهُ بِالصَّلواتِ وَالأَناشِيد وَالأَلْحانِ السُّرْيانِيَّةِ العَريقَة، الّتي طَالَما تَعِبَ في جَمْعِها وَضَبْطِ أَوزانِها الشِّعْرِيَّةِ الأَصِيلَة. فَتُثْمِرَ في حَياتِنا نِعَمًا وَبَرَكاتٍ بِشَفاعَةِ صَفِيِّكَ البَطرِيَرْك إسطفان. وَمَعَهُ نَرْفَعُ المــَجْدَ وَالشُّكْرَ إِلَيكَ وَإِلى ٱبْنِكَ الوَحيدِ وَرُوحِكَ القُدُّوس، الآنَ وَإِلى الأَبَد.

تأمّل من حياة الدّويهيّ

كلّما ذُكِر اسم الدّويهيّ إِقترن بالعالِمِ والمؤرِّخ واللّاهوتيِّ واللّيتورجيِّ. فعندما كان صغيرًا نبغ بالعِلْمِ والتّقوى وفي مدينة النّور الخالدة إنكبّ أثناء دراسته على زيارة المكتبات وجمع المخطوطات والوثائق ونقّب في تجواله بين حلب وقبرص وكنائس لبنان في الخفايا والزّوايا عن معالم الزّمن الغابر وآثار الأجيال السّالفة إيمانًا منه بأنَّ شعبًا لا يعرف ماضيه وجذوره يجهل مستقبله ويضيع في آنيّة حاضره العشواء دونما استمراريّة ولا إخلاص للذّات وللحقيقة. وعلى الرّغم من كلّ الإغراءات التي تعرّض لها للانخراط في سلك الرّهبنة اليسوعيّة أو للبقاء في روما نزولاً عند رغبة آباء المجمع المقدّس بصفة معلِّم للفلسفة والإلهيّات إلى ما هنالك من عروض ماليّة مغرية تلقّاها من الأغنياء الأوروبيّين لم يستجب الدّويهيّ إلّا لنداء الحاجة عند قومه. فعاد إلى وطنه يعلِّم أولاد قريته في غمرة النّسيان وغربة البعد عن الأضواء واعتزال العظمة إلى غنى الفقر وسكنى القفر والقلق لا القصور والسّكينة الخدّاعة. وعند رجوعه إلى لبنان، بدأ الدّويهيّ عهده بالعطاء تعليمًا وتأليفًا.

تأمّل في محبّة الدّويهيّ وخدمته

عاش الدّويهيّ كمال المحبّة في حياته الشّخصيّة وفي حياته ككاهن وأسقف وبطريرك. وعاش هذه المحبّة أفقيًّا وعاموديًّا بالتّوازي. عاش الحبّ الكامل للّه وانعكس هذا الحبّ على كلّ البشر. ولأنّه أحبّ تعب وضحّى وخدم واحتمل الاضطهاد. أحبّ الصّغار والكبار، الوجهاء والفلاّحين، الأبرار والخطأة، الأبناء والأعداء، فكانت محبّته شاملة على مثال مَنْ نذر نفسه له. ولم تميّز خدمته بين كبير وصغير، فكان يعلّمهم ويُطعمهم ويأكل معهم. إنّ الدّويهيّ، شأنَ أبناء بلده، كان يعتبر الضّيافة واجبًا مقدَّسًا، فاستقبل القريب والغريب وأطعمهم وآواهم واهتمّ لأمرهم. ولم تقتصر خدمته على الأمور الماديّة والدّنيويّة، بل بالأحرى على الأمور الرّوحيّة لأنّه كان يعتبر أنّ الكاهن وبالأخصّ الأسقف والبطريرك مدعوّون للاهتمام بخلاص أبناء رعيّتهم.

صلاة لإعلان قداسة الدّويهيّ

أيّها الآب السّماويّ، يا مَنْ زَيّنتَ كنيستك بالقدّيسين بواسطة ابنك الوحيد وروحك المحيي، لقد شئت فاصطفيت خادمك إسطفان ووهبته أَنْ يُبْصِرَ العالمَ بِعينينِ مُشعّتين بغيرةِ ملكوتك، فاندفع يعلِّمُ الصّغارَ والكبارَ ويبشّرُ بكلمتك ويدبّرُ كنيستك حاملًا أمانةَ مارون ومجد لبنان. حفظ طقوس البيعة وشرح أقداسها فغدت منارة للعقول وأرّخ أزمنتها إرثًا للشّعوب فسمت كرامتها وعلا شأنها. نسألك، اللّهمّ، أنْ تُظهِرَ قداسته لمجد اسمك فيغدو خمير رجاء في عالمنا ونور إصلاح في كنيستنا وملح كرامة في أوطاننا. وأهّلنا أن نبني، على مثاله، ملكوتك على الأرض بِالعِلْمِ والإيمان ِوالتّقوى والجرأة والالتزام، ونكون شهودًا لابنك الفادي وهياكل لروحك القدّوس ورسلًا لحضارة المحبّة وروّادًا للحقيقة والسّلام. لك التّسبيح والمجد والإكرام إلى أبد الدّهور. آمين.

الأبانا... والسّلام... والمجد.

اليوم السّابع

باسم الآب والابن والرّوح القدس الإله الواحد. آمين

صلاة: يا رَبَّنا يَسوعَ المــَسيح، يا مَنْ تَجَذَّرْتَ في تاريخِ شَعْبِكَ، وَأَحْبَبْتَ السُّكْنَى في بَيتِ ٱللهِ أَبِيكَ، أَنْتَ أَلْهَمْتَ خادمك إِسْطِفان، أَنْ يَعُودَ مِنْ رُوما إِلى أَرْضِهِ وَشَعْبِهِ، وَيَتَأَصَّلَ في عَيْشِ النُّسْكِ الحَقِيقِيِّ في الوادِي المــُـقَدَّس. إِمْنَحْنا نَحْنُ شَعْبَهُ، أَنْ نُحْيِيَ هٰذا التُّراثَ النُّسْكِيّ، وَنَسيرَ في خُطى آبائِنا النُّسَّاكِ القِدِّيسِين، وَنُمَجِّدَكَ وَأَباكَ وَرُوحَكَ القُدُّوس، الآن وَإِلى الأَبَد.

تأمّل من حياة الدّويهيّ

تحمّل البطريرك الدّويهيّ العذاب والاضطهاد والتّهجير في سبيل الحفاظ على كرامة شعبه. فعندما حضر الشّيخ عيسى حمادة إلى دير قنّوبين مع جمهور من ذويه فارضًا على البطريرك مبلغًا من المال، لم يستجب طلبهم. فغضب عيسى المذكور وصاح بالبطريرك وخاصمه ورفع يده الشّقيّة ولطمه لطمة قويّة أوشكت أنْ ترميه إلى الأرض. أمّا البطريرك فاحتمل هذه الإهانة بصبر ولم يجبن أو يفشل ولم يطرد من الدّير أولئك الظّالمين. وعندما اعتذر منه الشّيخ عيسى تحت ضغط العسكر وأراده أنْ يبقى في قنّوبين، أجابه الدّويهيّ: "إنّي أغفر لك جميع ما فعلته معي وإنّي لمستعدّ وأشتهي أنْ أحتمل أكثر من ذلك حبًّا بِسَيّدي الذي لأجلي تألّم ومات، لكنّ شعبي لا يدعني أمكث في الجبّة".

تأمّل في تواضع الدّويهيّ

من الفضائل التي تحلّى بها الدّويهيّ التّواضع المسيحيّ القائم بمعرفة الإنسان ذاته معرفة حقيقيّة بالرّغم من تعظيم النّاس له. وهذه الفضيلة التي سمّاها الرّوحانيّون أساس الحياة المسيحيّة ومبدأ كلّ الفضائل ظهرت في البارّ إسطفان منذ صباه. لقد نبغ أثناء دراسته وتحلّقت الجموع حوله في المحاورات التي كان يجريها في المدرسة لكنّه لم يتكبّر قط، بل كان يوقِّر الجميع من حوله ويصغي إليهم، حاسبًا ذاته أدنى الجميع وأصغرهم. وعند رجوعه إلى قريته لم يطلب العُلى والمديح، بل اختبأ في دير واعتنق حياة الإِنفراد الرّهبانيّ طوعًا وتفرّغ للأعمال الوضيعة ولتعليم الأولاد ولتوجيه بني بلدته في أعمال البرّ مبتغيًا رضى الله لا غير. ومكث في تدبير النّفوس وتعليم الشّعب وسياسة الرّعايا إلى أنْ دعاه الله إلى البطريركيّة. وإذ علم بوقوع انتخاب السّادة المطارين عليه فرّ هاربًا وتخفّى إلّا أنّ الله لم يبلّغه منيته. وقبل أن يثبّته على كرسيّه امتحن صبره وتقواه إذ قام عليه نفرٌ من الطّائفة وطلبوا عزله عن البطريركيّة، فألقى همّه على الرّبّ وسلّم إليه تدبيره، فلم يسمح الله بذلك. لقد عاش الدّويهيّ، على مثال معلّمه، التّواضع كلّ أيّام حياته بالمحبّة والخدمة والتّضحية.

صلاة لإعلان قداسة الدّويهيّ

أيّها الآب السّماويّ، يا مَنْ زَيّنتَ كنيستك بالقدّيسين بواسطة ابنك الوحيد وروحك المحيي، لقد شئت فاصطفيت خادمك إسطفان ووهبته أَنْ يُبْصِرَ العالمَ بِعينينِ مُشعّتين بغيرةِ ملكوتك، فاندفع يعلِّمُ الصّغارَ والكبارَ ويبشّرُ بكلمتك ويدبّرُ كنيستك حاملًا أمانةَ مارون ومجد لبنان. حفظ طقوس البيعة وشرح أقداسها فغدت منارة للعقول وأرّخ أزمنتها إرثًا للشّعوب فسمت كرامتها وعلا شأنها. نسألك، اللّهمّ، أنْ تُظهِرَ قداسته لمجد اسمك فيغدو خمير رجاء في عالمنا ونور إصلاح في كنيستنا وملح كرامة في أوطاننا. وأهّلنا أن نبني، على مثاله، ملكوتك على الأرض بِالعِلْمِ والإيمان ِوالتّقوى والجرأة والالتزام، ونكون شهودًا لابنك الفادي وهياكل لروحك القدّوس ورسلًا لحضارة المحبّة وروّادًا للحقيقة والسّلام. لك التّسبيح والمجد والإكرام إلى أبد الدّهور. آمين.

الأبانا... والسّلام... والمجد.

اليوم الثّامن

باسم الآب والابن والرّوح القدس الإله الواحد. آمين

صلاة: يا رُوحَ ٱللهِ القُدُّوس، لَقَدْ زَيَّنْتَ أَبانا إِسْطِفانَ بِالقَداسَة، وَنَوَّرْتَهُ بِسُمُوِّ الإِدْراكِ وَالحِكْمَةِ وَالنَّزاهَةِ وَالاِسْتِقامَة، فَجَعَلْتَهُ مَرْجِعًا لِلمُؤْمِنِين. نَشْكُرُكَ عَلى جَمِيعِ مَواهِبِكَ لَهُ، وَنَسْأَلُكَ أَنْ تَمُنَّ عَلَينا دائِمًا بِأَمْثالِهِ في بِيعَتِنا، يَكُونونَ لَنا المــَـثَلَ الجَذّاب، وَالنُّورَ الهادِي، بِقَداسَةِ سِيرَتِهِم، وأَنْ تَمْنَحَنا نَحْنُ أَيضًا بِشَفاعَتِهِ المَواهِبَ وَالنِعَمَ الموافِقَةَ لِخلاصِنا. يا رَبَّنا وَإِلٰهَنا، لَكَ المــَـجْدُ وَالشُّكْرُ إِلى الأَبَد.

تأمّل من حياة الدّويهيّ

لم ييأس الدّويهيّ يومًا إزاء نوائب الدّهر وجور البشر ولم يكن يومًا ذلك العبد البطّال حتّى أثناء هربه كان يكتب في مخابئ الوديان، فأوراقه والمخطوطات كانت ترافقه أنّى ذهب. وأينما حلّ، كان يقوم بواجباته الرّعائيّة، يبني ويرمّم الكنائس والأديار، يرسم قسوسًا وكهنة وأساقفة، ينقّح الكتب البيعيّة ويضبط كتب الطّقوس اللّيتورجيّة، يستقبل موفدي الغرب ويطلب إلى ملوكه الإنعام على أشراف طائفته ليس كرمى لأشخاص معيّنين، بل إعلاءً لِشَأن الطّائفة بأسرها. يهتمّ بمدرسة روما المارونيّة اقتناعًا منه بأهميّتها في دور الطّائفة الحضاريّ شرقًا وغربًا، يوفد إليها التّلامذة ويعيّن لخرّيجيها مهامًّا ومسؤوليّات كبيرة في حلب وقبرص وجميع الأصقاع اللّبنانيّة. يدافع عن حقوق طائفته ولا ينسى الطّوائف الكاثوليكيّة، يدير الكرسيّ البطريركيّ ويسوس طائفته كما الرّاعي الصّالح ويؤمِّن لها بِبُعد نظره شروط الاستمراريّة والعمران، إذْ لا يكتفي بإبراز جذورها التّاريخيّة ودورها الحضاريّ، بل يسهر على إعداد جنود وقدّيسين منها، يشجّع على الإصلاح في الرّهبانيّات المارونيّة كأنّما يرى فيها ضمانة للدّفاع عن الطّائفة وللحفاظ على أصالتها.

تأمّل في طاعة الدّويهيّ للكنيسة ومحبّته لها

تميّز الدّويهيّ بمحبّته للكنيسة وبطاعته لها. وهذه الفضيلة ظاهرة في كتاباته وتعليمه، فيقول: "إنّ بابا رومية أقامه اللّه له وكيلاً ونائبًا". فقداسة البابا هو وكيل اللّه على الأرض وبالتّالي إنّ طاعته ومحبّته هي كطاعة اللّه ومحبّته. لذلك، فإنّ قداسة البابا هو الذي يثبّت الأساقفة والبطاركة لأنّه رئيس الرّعاة. من ناحية أُخرى، يُشَدِّد الدّويهيّ على أنّ الكنيسة هي واحدة ومقدَّسة وجامعة ورسوليّة، بذلك تتمايز عن باقي الأديان فيردّد: "وهذه الكنيسة أمرَتْنا أنْ نعتقد أَنّها واحدة ومقدّسة وجامعة ورسوليّة لبيان فضلها على جميع أديان الأرض".

صلاة لإعلان قداسة الدّويهيّ

أيّها الآب السّماويّ، يا مَنْ زَيّنتَ كنيستك بالقدّيسين بواسطة ابنك الوحيد وروحك المحيي، لقد شئت فاصطفيت خادمك إسطفان ووهبته أَنْ يُبْصِرَ العالمَ بِعينينِ مُشعّتين بغيرةِ ملكوتك، فاندفع يعلِّمُ الصّغارَ والكبارَ ويبشّرُ بكلمتك ويدبّرُ كنيستك حاملًا أمانةَ مارون ومجد لبنان. حفظ طقوس البيعة وشرح أقداسها فغدت منارة للعقول وأرّخ أزمنتها إرثًا للشّعوب فسمت كرامتها وعلا شأنها. نسألك، اللّهمّ، أنْ تُظهِرَ قداسته لمجد اسمك فيغدو خمير رجاء في عالمنا ونور إصلاح في كنيستنا وملح كرامة في أوطاننا. وأهّلنا أن نبني، على مثاله، ملكوتك على الأرض بِالعِلْمِ والإيمان ِوالتّقوى والجرأة والالتزام، ونكون شهودًا لابنك الفادي وهياكل لروحك القدّوس ورسلًا لحضارة المحبّة وروّادًا للحقيقة والسّلام. لك التّسبيح والمجد والإكرام إلى أبد الدّهور. آمين.

الأبانا... والسّلام... والمجد.

اليوم التّاسع

باسم الآب والابن والرّوح القدس الإله الواحد. آمين

صلاة: إِلَيْكَ، يا أَبانا السَّماوِيّ، رَفَعْنا صَلاتَنا وَتَمْجِيدَنا وَطِلْبَاتِنا، في ذِكْرَى أَبِينا البطريرك إِسْطِفان، فَٱقْبَلْها بِحَنانِكَ، وَأَغْزِرْ عَلَينا بِشَفاعَتِهِ نِعَمَكَ وَمَراحِمَكَ، وَثَبِّتْنا في تُراثِ آبائِنا وَأُمَّهاتِنا وَأَجْدادِنا القِدِّيسِين، وَٱحْفَظْ لَنا الكُرْسِيَّ البَطْرِيَرْكِيَّ الإِنْطاكِيّ، شَهادَةً حَيَّةً لِلإِيمانِ المــُـسْتَقِيم. قَدِّرْنا عَلى العَمَلِ الجِدِّيِّ نَظِيرَهُ في سَبِيلِ وَحْدَةِ كَنِيسَتِكَ المــُـقَدَّسَة، وَنَشْرِ السَّلامِ وَالمــَـحَبَّةِ بَيْنَ صُفُوفِ المــُـؤْمِنِين، فَنَرْفَعَ مَعَهُ المــَـجْدَ وَالشُّكْرَ إِلَيكَ، أَيُّها الآب، وَإِلى ٱبْنِكَ الوَحِيدِ رَبِّنا يَسُوعَ المــَـسِيح، وَرُوحِكَ الحَيِّ القُدُّوس، الآنَ وَإِلى الأَبَد.

تأمّل من حياة الدّويهيّ

يتمحور عِلْمُ الدّويهيّ حول كشف الذّات المارونيّة على أصالتها وبعث التّاريخ المارونيّ وإحياء التّراث اللّيتورجيّ واللّاهوتيّ المارونيّ. كانت المهمّة اللّيتورجيّة الأُولى للدّويهيّ تنقيح الكتب وردّها إلى أصالتها. أمّا مهمّته اللّيتورجيّة الثّانية فكانت شرح الكتب الطّقسيّة. ومؤلّفات الدّويهيّ التّاريخيّة، منها ما ينحصر بالتّاريخ المارونيّ وإِستجلاء معالمه دفعًا للاتّهامات والمثالبة التي رُميت بها الطّائفة من خصوم منحازين أو مرسَلين مدّعين، وإيقاظًا لوعي جماعيّ عند أبنائها بأصالة الجذور والاستمراريّة على الرّغم من الاضطهادات ومنها ما يتناول تاريخ الشّرق بأسره حيث المارونيّة تتفاعل مع محيطها سلبًا وإيجابًا. ويكتب: "ألحّ علينا كثيرون، ... من أصحاب العِلْمِ والصّداقة حتّى نمدّهم بصحّة الإعلام عن أصل جماعتنا الموارنة وعن اتّحادهم مع الكنيسة الجامعة بسبب أنّنا طفنا جميع الكنائس والأديرة وغربلنا الكتب التي وقفنا عليها، وجمعنا رسايل البابيّة (البابوات) وأصحاب الولايات المبعوثة إلى البطاركة، وفحصنا كافّة رتب البيعة، وشرحنا على تواريخ بلدان الشّام منذ بدء الهجرة إلى وقتنا هذا ممّا نظرناه في كتب النّصارى والمسلمين القصّاص والتّواريخ التي تخصّ هذه الطّايفة. فلأجل خاطر المحبّين ولأجل غيرة الطّائفة التزمنا نحمّل ضعفنا هذه المشقّة زود (أزيد) عن المشقّات والانشغالات التي علينا في هذا الدّهر العسير".

تأمّل في قداسة الدّويهيّ

إنّ هدف الدّويهّي، منذ طفولته، هو أنْ يصبح قدّيسًا فوجّه كلّ حياته وأعماله وكتاباته لبلوغ الهدف الذي وضعه لنفسه ولطائفته ولكلّ النّاس ألا وهو بلوغ القداسة. فلم يسكره العِلْمُ ولم تسحره أوروبا بصروحها ومراكزها. فالعِلْمُ عنده ليس الغاية في حدّ ذاته، بل السّبيل إلى الله. وإنْ تحلّى بصفات العالِم ومزاياه من موضوعيّة وتواضع وصدق ودقّة ويقين ومنطق وتجرّد ونزاهة فدافعه إلى ذلك لم يكن العِلْمُ بحدّ ذاته، إنّما مستلزمات الحياة المسيحيّة، فَقَبْلَ أنْ يكون عالِمًا، كان المسيحيَّ المثاليَّ. التزم الدّويهيّ بمسيحيّته دعوةً إلى الكمال الإنسانيّ، وما العِلْمُ إلا أحد عناصر هذا الكمال. وكانت حياته رسوليّة بامتياز، فكان المعلِّم والواعظ وخادم الرّعايا والزّائر البطريركيّ ومُحاور الخارجين عن الإيمان الكاثوليكيّ ومساعد معتنقيّ الكثلكة. هكذا كانت مثاليّته أنْ يجمع بين العِلم والقداسة، ويقود بذلك شعبه إلى النُّور والحقيقة، إلى حضارة الإنسان وحضور الله. وأكرمه الرّبّ في حياته كما بعد وفاته بأنْ جرت على يده وبشفاعته معجزات وخوارق كثيرة.

صلاة لإعلان قداسة الدّويهيّ

أيّها الآب السّماويّ، يا مَنْ زَيّنتَ كنيستك بالقدّيسين بواسطة ابنك الوحيد وروحك المحيي، لقد شئت فاصطفيت خادمك إسطفان ووهبته أَنْ يُبْصِرَ العالمَ بِعينينِ مُشعّتين بغيرةِ ملكوتك، فاندفع يعلِّمُ الصّغارَ والكبارَ ويبشّرُ بكلمتك ويدبّرُ كنيستك حاملًا أمانةَ مارون ومجد لبنان. حفظ طقوس البيعة وشرح أقداسها فغدت منارة للعقول وأرّخ أزمنتها إرثًا للشّعوب فسمت كرامتها وعلا شأنها. نسألك، اللّهمّ، أنْ تُظهِرَ قداسته لمجد اسمك فيغدو خمير رجاء في عالمنا ونور إصلاح في كنيستنا وملح كرامة في أوطاننا. وأهّلنا أن نبني، على مثاله، ملكوتك على الأرض بِالعِلْمِ والإيمان ِوالتّقوى والجرأة والالتزام، ونكون شهودًا لابنك الفادي وهياكل لروحك القدّوس ورسلًا لحضارة المحبّة وروّادًا للحقيقة والسّلام. لك التّسبيح والمجد والإكرام إلى أبد الدّهور. آمين.

الأبانا... والسّلام... والمجد.