قدّيسو وآباء الكنيسة

عيد القدّيس 5 تموز

القدّيس أثناسيوس الآثوسي

الكنيسة الأرثوذكسيّة

وُلدَ القديس أثناسيوس حوالي العام ٩٣٠م في تريبيزوند البنطس من والدين نبيلين وأعطيَ، في المعمودية اسم أبراميوس. تيتمَ بعد قليل من مولده واحتضنته إحدى قريبات أمه. كان ميّالاً إلى الوحدة منذ طفوليته، ومحباً للدرس، ذكياً، شديد الانتباه، حذق في تصرفاته. هذا لفت انتباه موظف ملكي كبير وفد على المدينة في مهمة فمال إليه وأخذه معه إلى القسطنطينية. هناك تابع دروسه على معلّم مشهور اسمه أثناسيوس وصار استناداً مساعداً رغم حداثته. 

لطالما أحبَّ أبراميوس حياة الوحدة، وعيش الرهبان. حتىَّ أنه اعتزل مهنة التدريس متجهاً إلى جبل كيميناس حيثُ ترهَّب واتخذ اسم أثناسيوس، بعد أن تعَّرف برئيس دير جبل كيميناس واتخذه أباً روحياً له يُرشده إلى ضالته المنشودة.

سلك أثناسيوس في حياة الطاعة لأبيه الروحي، تقدَّم في الفضيلة وعيش حياة نسكية قاسية. فكان صواماً، ورجل صلاة، وصبرٍ، ومحارباً صنديداً لكلِّ أنواع التجارب الشيطانية.

غادر أثناسيوس إلى جبل أثوس بعد أن لاحظ الجميع فضائله وراحت المدائح تأتيه من كلِّ ناحية وصوب. في جبل أثوس أعجبته بساطة العيش الرهباني، وجعلته يخفي اسمه ويدعي أنه برنابا ليعيش البساطة بتواضعٍ، بعيداً عن عظمة الحياة، مما دفعه إلى القول بأنه لا يجيد القراءة والكتابة.

في سهرانية عيد الميلاد، ولماَّ كان الرهبان الأثوسيين مجتمعين في كنيسة بروتاتون في كرياس عاصمة الجبل المقدَّس، أمر إستفانوس وهو المتقدم بين الرهبان، الراهب الذي ادعى أنه برنابا وأُنه لا يجيد القراءة والكتابة، بأن يقرأ عظة القديس غريغوريوس اللاهوتي. فأخذ يقرأ وكأنه ولد. فقال له الرئيس إستفانوس أن يقرأ كما يعرف ولا يتظاهر بأنه جاهل. فإذا لم يعد بمقدور أثناسيوس أن يخفي نفسه أخذ يقرأ بطريقة بديعة أثارت إعجاب كل الرهبان فتقدَّموا منهُ وعملوا له مطانية.

أخذ الرئيس أثناسيوس على حدى واستعلمه الحقيقة، ثمَ وعده بألا يفضح أمره. ثمَّ عينَ له قلاّية منعزلة على بعد ثلاثة فراسخ من كرياس، حيث بإمكانه أن يناجي الله وحده وليس من يلهيه. وقد رضي القديس بالمقابل، أن يوفر حاجات الرئيس لجهة نسخ الكتب الكنسية. فأبدى من المهارة في عمله قدراً جعله ينسخ، بكتابة أٌنيقة مرتية، كتاب المزامير كل أسبوع.

إن حب أثناسيوس للسكينة، جعله يهرب من جديد، مبتعداً عن كلِّ مدحٍ أو مشورة. خاصةً وأن الرهبان توافدوا عليه بغية للنصح، لأنه كان بفضائله كمنارةٍ على جبل. فاختار مكاناً قاحلاً تضربه الأهوية بتواتر اسمه ميلانا. هناك جرّبه إبليس بقسوة، بتجربة الضجر. إلى أن تمكن بعون الله من الانتصار على إبليس.

في ميلانا انضم إلى أثناسيوس أحد أبنائه الروحيين، نيقيفورس فوقا القائد الأعلى للجيش البيزنطي، الذي طالما حلم بأن يكون وأثناسيوس. بنيا قلالٍ على اسم السابق وكنيسة لوالدة الإله ودير كبير في الموضع المسمّى ميلانا. حيث راح الرهبان يتوافدون إليه من كلِّ ناحيةٍ وصوب، وبانت فاعلية النعمة الإلهية التي على أثناسيوس، الذي صار أباً ورئيساً لهم بعد أن اقتبل الإسكيم الكبير من ناسك في الجوار اسمه إشعياء.

لمّا زاد عدد الرهبان في الدير الذي ابتنى أثناسيوس، راح هذا الأخير، ينظم الشركة، ضابطاً إلى أبعد التفاصيل، الخدم الليتورجية ورسوم الحياة اليومية على مثال دير ستوديون في القسطنطينية متمماً كل أمر بلياقة وترتيب ليتسنّى للرهبان السالكين في القفر وقطع المشيئة، أن يثابروا، بقلب واحد وبلا همٍّ على التمجيد الدائم لله.

في 5 تموز سنة 1001م وبعد قداسٍ أخيرٍ اشترك فيه أثناسيوس، رقد بالرب إثر انهيار قبة كنيسة كان يشرف عليها خلال تفقده لها. حيث تهدّمت فوقه وستٌ من الرهبان معه.

بقي تحت الأنقاض ثلاث ساعات، وكان يسمع صوته وهو يقول: "المجد لك يا الله. أيها الرب يسوع المسيح بادر إلى معونتي".