دينيّة
23 أيار 2024, 11:00

المحبّة الفاعلة، بشارة فعّالة، ومضة من حياة باخوميوس

تيلي لوميار/ نورسات
الأب أنطونيوس إبراهيم راعي الأقباط الكاثوليك في لبنان

 

 

لمّا سأل أحد الفرّيسيّين أو الصدّوقيّين يسوع عن الوصيّة العظمى، أجابه أنّ الوصيّة الأولى هي محبّة الله من كلّ القلب والعقل وبكلّ القوّة، والوصية الثانية، هي محبّة الإنسان قريبَه حبّه لنفسه.

والواقع أنّ هذه المحبّة، إن أتت شعورًا دافئًا، أم نيّةً صافية، فكرةً صالحة، أم عملًا خيِّرًا، فهي بشارةٌ حقيقيّة بيسوع المسيح، ابن الله الحيّ الذي عُلّق على خشبة الصليب حبًّا بأبيه وطاعةً له في مخطّط خلاصنا، وحبًّا بنا "ونحن بعدُ خطأة، فمات من أجلنا".  

هكذا، شهدَ عمل محبّة عاشه مسيحيّون منذ أكثر من ألفٍ وسبعمئة سنة على أنّ الله محبّة وحوّل باخوميوس الوثنيّ إلى مسيحيٍّ حقيقيّ، بل راهبٍ مكرَّسٍ بالكامل لله، وحتّى إلى أبٍ للشركة الرهبانيّة.  

إنخرط باخوميوس في الجيش الرومانيّ وقد وقع أسيرًا مع آخرين وتمّ حبسهم. في المساء جاء بعضٌ من مواطني هذه البلدة وقدّموا لهم طعامًا في السجن وأجبروهم على الأكل وقد رأوهم غرقى في حزنهم ويأسهم. فلّما رأى باخوميوس صنيعهم هذا، استفسر عن هويّة من أحسنوا إليهم من دون سابق معرفة. فأجابوه أنّهم مسيحيّون، فصلّى قائلًا: "أيّها المسيح ليت صلاحك يدركني سريعًا وينقذني من هذه المحنة"...

ثمّ، أراد أن يكون جنديًّا حقيقيًّا للربّ، فسمع بشيخ قدّيس يقيم في البرّيّة، اسمه بلامون، فذهب إليه وتتلمذ على يده والشيخ ضمّه إلى قلّايته ولمّا ازدادت عزيمة الشاب ليصير راهبًا، ألبسه الثوب الرهبانيّ.  

في حدود العام 325م، بنى باخوميوس قلّاية صغيرة على ضفاف النيل بعد أن سمع كلام الملاك وهو يصلّي، يحدّثه عن أصول الحياة الرهبانيّة.

يوحنّا أخوه الأكبر كان أوّل مَن قدم إليه، ثمّ جاءت أخته، التي أسّس لها ديرًا، ضمَّ حوالى ثلاثمئة راهبة، وضمّ ديره مئة راهب.

عمل باخوميوس على إرساء قواعد حياة الترهّب، لحفظ الرهبان وصونهم عن التهاون وتجارب إبليس التي تعترض حياتهم، فصارت مطالعة الكتاب المقدّس والسهر والصوم وأعمال الرحمة، دربًا مشتركًا لقاطني الدير المتعبّدين جميعهم. كما اشترك الكلّ في الطعام والمناولة المقدَّسة.

نموذج حياة رهبان باخوميوس لفت الأنظار حولهم، فزاد عدد المتوحّدين المبتغين الحياة الرهبانيّة. هذا ما دفع باخوميوس إلى بناء ستّة أديارٍ أخرى في نواحي ديره. ونما عدد الرهبان سريعًا حتّى بلغ ألفًا وخمسمئة راهب.

مَنَّ الله على باخوميوس بنعمة اجتراح العجائب، وبنعمة التمييز التي حارب بها تجارب إبليس كلّها.  

وبلغت أيّام باخوميوس على الأرض ستين عامًا قضى منها تسعةً وثلاثين في الحياة الرهبانيّة.  

بركة صلاته وشفاعته تصحبنا على الدوام لنموّنا الروحيّ في درب الكمال، "يسوع"، وعيش السيرة الصالحة.

نصحية من القدّيس باخوميوس: "يا بنيّ، إن جعلت على الربّ اتكالك، فإنّه يصير لك ملجأ ويخلّصك من جميع شدائدك".

"إذا ضعفتَ أن تكون غنيًّا بالله فالتصق بمن يكون غنيًّا به، لتسعد بسعادته وتتعلّم كيف تمشي حسب مشورات الإنجيل".