كندا
23 كانون الثاني 2024, 14:20

أنطاكية مدينة في السّماء... سهرة صلاة في كاتدرائيّة المخلّص للرّوم الملكيّين الكاثوليك- مونتريال، وتفاصيلها؟

تيلي لوميار/ نورسات
أنطاكية مدينة في السّماء"، تحت هذا العنوان أقيمت سهرة صلاة في كاتدرائيّة المخلّص للرّوم الملكيّين الكاثوليك- مونتريال لمناسبة الذّكرى المئويّة الثّالثة لإعادة الشّركة الكنسيّة بين الكنيسة الرّوميّة الأنطاكيّة وكنيسة روما (1724-2024)، ترأّسها راعي أبرشيّة كندا للرّوم الملكيّين الكاثوليك المطران ميلاد الجاويش، وشاركه فيها السّفير البابويّ في كندا المونسنيور إيفان يوركوفيتش، راعي أبرشيّة Trois-Rivières ورئيس مجلس الأساقفة الكاثوليك في كيبيك المطران مارتان لاليبرتيه، المطران المعاون في مونتريال الآن فوبير، راعي أبرشيّة كندا للموارنة المطران بول- مروان تابت، راعي أبرشيّة كندا للسّريان الكاثوليك المطران أنطوان ناصيف، راعي أبرشيّة كندا للسّريان الأرثوذكس أثناسيوس إيليا باهيى، أمين عامّ مجلس الأساقفة الكاثوليك في كيبيك المونسنيور بيار موراي، ولفيف من الكهنة، بحضور قنصل لبنان العامّ أنطوان عيد، النّائب في البرلمان الكنديّ فيصل الخوري، رئيس بلديّة سان لوران آلان دوسوزا، رئيسة بلديّة Ahuntsic-Cartierville إيميلي تويي، رئيس بلديّة Ville Mont-Royal بيتر معلوف، رئيس المعارضة في بلديّة مونتريال عارف سالم وأعضاء البلديّات ألين ديب، راي خليل، أنطوان طيّار، وفانا نازاريان، رئيس جمعيّة كاتدرائيّة المخلّص السّيّد جو شلهوب، رئيس وأعضاء نادي زحلة مونتريال، رئيس وأعضاء تجمّع مسيحيّي الشّرق الأوسط (RCMO)، أهل الصّحافة وحشد من المؤمنين.

وللمناسبة، وجّه بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للرّوم الملكيّين الكاثوليك يوسف العبسيّ كلمة ألقاها الأرشمندريت أنطوان سمعان جاء فيها: "أودّ أوّلاً أن أعرب عن امتناني لالتزامكم الثّابت تجاه كنيستنا الكاثوليكيّة الملكيّة اليونانيّة، الّتي تسعى لتجاوز الحدود الجغرافيّة والسّياسيّة لتكون مكانًا للالتقاء بين الشّرق والغرب.

لقد حدّد سينودسنا سنة 2024 "سنة اليوبيل" للاحتفال بالاتّحاد مع كرسيّ روما في عام 1724. وخلال هذه الفترة الخاصّة، دعونا نكرّس أنفسنا بالصّلاة والتّأمّل ونبذل جهودًا لتجديد رسالتنا كمبشّرين بالوحدة، ليس داخل كنيستنا فحسب، ولكن أيضًا في سياق المجتمع الأوسع.

رسالتنا كملكيّين تحثّنا على أن نكون وكلاء للوحدة. أوّلاً وقبل كلّ شيء، في منازلنا، بين عائلاتنا، في العمل، في حياتنا اليوميّة، داخل كنيستنا، وهكذا يتطلّب نجاح هذه المهمّة تمسّكًا صادقًا بإنجيلنا، التزامًا خالصًا، كما تدعونا إلى تجاوز رغباتنا الشّخصيّة. عندما نتأمّل في تاريخنا الغنيّ، نجد العديد من الافراد الّذين ساهموا بشكل كبير في الخير العامّ للمجتمعات من خلال إقامة مؤسّسات تعليميّة ودور للمسنّين ودور للأيتام. أشجّع كلّ واحد منكم على التّأمّل وتجديد رؤيتنا في العالم من خلال التّركيز على دعوتنا كبناة للوحدة.

في هذا العام اليوبيليّ، من المهمّ تجاوز الحواجز الّتي تفصلنا والتّوجّه نحو الآخر، خاصّة تجاه أولئك الّذين يختلفون عنّا. بدلاً من التّركيز على اختلافاتنا، من الضّروريّ البحث عمّا يجمعنا من خلال تنمية مواقف من الانفتاح والفهم تجاه وجهات النّظر المختلفة، نعمل على تهيئة بيئة تشجّع على التّثقيف المتبادل للوصول إلى الوحدة المرغوبة والّتي نتوق إليها منذ وقت طويل، فعندما نوحّد جهودنا يمكننا التّغلّب على التّحدّيات وبناء مستقبل أكثر تضامنًا في لقاء الصّلاة هذا المسمّى "أنطاكيا: مدينة في السّماء"، نأمل أن تشعروا بالوجود السّماويّ. تمامًا كما كانت أنطاكيا مدينة في السّماء، نتمنّى أن يشعر كلّ شخص بأنّ كندا هي "مدينة" حيث يتّحد السّلام والتّناغم والرّوحانيّة في تواصل جماعيّ. ومن خلال مشاركة صلواتنا وتطلّعاتنا، نحن واثقون من أنّ أرضنا الكنديّة تصبح أيضًا "مدينة في السّماء".

على الرّغم من المسافات الجغرافيّة، تظلّ كنيسة الملكييّن كيانًا موحّدًا. بينما تعتبر أنطاكيا كنيستنا الأمّ، من المهمّ الاعتراف بأنّ جماعات الملكيّين في جميع أنحاء العالم هي جزء لا يتجزّأ من التّراث الأنطاكيّ. يجب علينا عدم نسيان أنّ وحدتنا تنبع في المقام الأوّل من انتمائنا إلى نفس جسد المسيح. إنتماؤنا إلى أنطاكيا هو طريقتنا الخاصّة لعيش حياتنا في الكنيسة. لنعمل بجدّ للحفاظ على روابط قويّة وحيّة بين مختلف الجاليات الأنطاكيّة والمكوّنات المختلفة لهذا الجسد. الحفاظ على جذور وحيويّة المسيحيّة هو واجب جماعيّ. أدعوكم للتّأمّل في هذه المهمّة الحيويّة والمساهمة الفعّالة في تنمية تراثنا المسيحيّ. فليمنحكم الرّبّ بركات وفيرة في دفاعكم عن قيم ورسالة كنيستنا الكاثوليكيّة الملكيّة".

بدوره عبّر السّفير البابويّ في كندا إيفان يوركوفيتش عن امتنانه لوجوده "في هذه المناسبة في قلب الكنيسة الملكيّة الأنطاكيّة" محيّيًا الملكيّين في كندا "الّذين عرفوا كيف يتأقلمون مع هذه البلاد ويحافظوا على جذورهم وطقوسهم وتقاليدهم".

أمّا الجاويش فتوقّف عند "أهمّيّة هذه المناسبة الّتي تهدف إلى إدخال الفرح إلى قلب المخلّص" وقال: "نجتمع اليوم في سهرة الصّلاة هذه، تحت سقف كاتدرائيّة المخلّص، وفي قلوبنا رغبة واحدة وهي أن نفرح قلب المخلّص بأن نحبّ بعضنا بعضًا وبأن نكون جميعنا واحدًا، كما هو واحد مع أبيه السّماويّ.

إسمحوا لي، بداية، أن أرحّب بسعادة السّفير البابويّ في كندا المونسنيور إيفان يوركوفيتش، في سهرة الصّلاة هذه الّتي فيها نحتفل بالذّكرى المئويّة الثّالثة على إعادة الشّركة الكنسيّة بين الكنيسة الرّوميّة الملكيّة الأنطاكيّة وكنيسة روما (1724-2024). حضوركم بيننا، يا سعادة السّفير، مع أميني سرّ السّفارة، هو علامة حسّيّة على تمسّك كنيستنا الملكيّة الشّديد بالإيمان الكاثوليكيّ واعترافًا منها بأبوّة الأب الأقدس الرّوحيّة.

أن نحتفل بالذّكرى المئويّة الثّالثة على إعادة الشّركة الكنسيّة بين الكنيسة الرّوميّة الملكيّة الأنطاكيّة وكنيسة روما هو أبعد من أن يكون يوبيل فرح، خصوصًا أنّ الانقسام الّذي حصل في القرن الثّامن عشر، في قلب الكنيسة الرّوميّة الملكيّة الأمّ، بين الرّوم الكاثوليك والرّوم الأرثوذكس قائم دائمًا. هذه المناسبة أراها بالأحرى وقفة ضمير وإعادة قراءة لحضورنا الكنسيّ، لأفراحنا وآلامنا، لأمجادنا وخطايانا. لن نحتفل باليوبيل كاملاً إلّا عندما نحقّق إرادة الرّبّ، الأعزّ على قلبه، ألا وهي أن يكون أبناؤه كلّهم واحدًا في المحبّة وفي الشّهادة للإنجيل.

هذه الذّكرى ليست أيضًا احتفالاً بعيد مولد كنيستنا. فنحن لم نولد سنة 1724، لأنّ كنيستنا هي كنيسة رسوليّة، آبائيّة، مجمعيّة، تتوارث إرثًا عظيمًا تكون مع الرّسل الأوائل وتناقله خلفاؤهم وقدّيسو أنطاكيا العظماء.

أنطاكيا هي الأرض الّتي فيها ولدت كنيسة يسوع، هي حقل بشارة الرّسل الأوّل، هي بطريركيّة الأجداد العظيمة الّتي امتدّت من جنوب آسيا الصّغرى إلى فلسطين مرورًا بسوريا ولبنان والأردنّ وسائر المشرق. من هذه الأرض المباركة نحن أتينا وخرجنا. أنطاكيا هي الكنيسة الأولى، النّضرة دائمًا، الشّابّة دائمًا، الّتي تتعالى فوق الانقسامات. هي الكنيسة الّتي، بفضل موقعها الجغرافيّ المتوسّط عند مفترق الحضارات القديمة، عرفت أن تجمع تيّارات لاهوتيّة وفكريّة مختلفة: فمنها انطلق بولس في إرساليّاته نحو الأمم، وفيها أيضًا وجد بطرس المحافظ ملجأ وموئلاً.

الكنيسة الأنطاكيّة الأولى كانت فوق الانقسامات ويجب أن تبقى فوقها. برأيي، هي ليست أرثوذكسيّة، ولا كاثوليكيّة، ولا سريانيّة، ولا عربيّة... هي بالأحرى هذه كلّها: أرثوذكسيّة وكاثوليكيّة في آن معًا، يونانيّة وسريانيّة، عربيّة وبيزنطيّة. أنطاكيا هي فوق انقسامات البشر. وإذا كان أن حصلت معظم الانقسامات الكنسيّة عبر التّاريخ ضمن رقعتها، فانطلاقًا منها ستجد الكنيسة الجمعاء يومًا ما وحدتها. فيها يجب على أتباع المسيح "أن يدعوا أوّلاً مسيحيّين"، وليس أيّ شيء آخر، كما يشهد على ذلك كتاب أعمال الرّسل (أع 11: 26).

لقد قالها يومًا القدّيس باسيليوس الكبير بطريقته الفصيحة: "هل يوجد في العالم أعظم من كنيسة أنطاكيا؟ إذا عادت إلى الوئام فكلّ الجسم يتّخذ صحّته من الرّأس السّليم" (الرّسائل 66، 2). من إنطاكيا بالذّات يخرج "نور الشّرق"، إذا أردنا أن نستعير من البابا يوحنّا بولس الثّاني تعبيره الرّائع، أيّ ذلك الطّريق الّذي يقود إلى الوحدة المسيحيّة الشّاملة.

أنا راهب وكاهن وأسقف مخلّصيّ، خرجت من الرّهبانيّة الباسيليّة المخلّصيّة الّتي من رحمها ولدت كنيسة الرّوم الملكيّين الكاثوليك في القرن الثّامن عشر. مؤسّس الرّهبانيّة المخلّصيّة المطران أفتيميوس الصّيفيّ كان رائد الإيمان الكاثوليكيّ في بطريركيّة أنطاكيا الرّوميّة وأشرس المدافعين عن الوحدة مع روما، الأمر الّذي لم يوفّر عليه الاضطهادات في ذلك الزّمان. إنتمائي الرّهبانيّ هذا لا يمنعني من أن أعتقد أنّ انقسام سنة 1724 جاء نتيجة مسيرة تاريخيّة معقّدة تتّسم، عند كلا الطّرفين الكاثوليكيّ والأرثوذكسيّ على السّواء، بكثير من عدم الفهم وسوء الفهم والتّحجّر والجهل والعشوائيّة والمنافسة والطّموح غير المحدود والقوميّة العمياء... أنطاكيا، الّتي أصاب جسمها الهزال بسبب الفتح العربيّ والمناحرات الدّاخليّة، وقعت ضحيّة صراع بين أكبر كنيستين شقيقتين، حاول كلّ منهما أن يجرّها إلى معسكره: الكنيسة الغربيّة في روما والكنيسة الشّرقيّة في القسطنطينيّة.

لنقل الأمر بطريقة أخرى أكثر إيجابيّة. كان في كنيسة أنطاكيا، في القرن الثّامن عشر، تيّاران اثنان لكلّ منهما وجهة نظر لا تخلو من الصّحّة: تيّار كاثوليكيّ يحلم بإعادة الشّركة بين كنيسة أنطاكيا وكنيسة روما وتوحيد كنيسة الله تحت سقف خليفة بطرس، كما كان الأمر عليه في القرن الميلاديّ الأوّل؛ وتيّار أرثوذكسيّ تمسّك بأرثوذوكسيّته نتيجة مخاوفه من محاولات اللّيتنة القديمة. إذا كان لكلّ من هذين التّيّارين انطلاقة إيجابيّة، فالوسائل الّتي استعملها كلّ فريق لتحقيق بغيته لم تكن كلّها على حسب قلب الرّبّ.

أنطاكيا، "مدينة الله"، تستحقّ منّا حاليًّا طريقة جديدة في رؤية الأمور، مقاربة جديدة في قراءة التّاريخ وفي العمل من أجل الوحدة المنشودة. ليس الأمر على طريقة "نحن وأنتم"، بل "نحن ونحن"؛ ولا أن نحبس الآخر ضمن إطارات جامدة وتسميات عفا عنها الزّمن، مثل "نحن مستقيمو الرّأي وأنتم الهراطقة"، في حين أنّنا "جميعنا انقساميّون" كما قال يومًا المطران إلياس الزّغبيّ. أنطاكيا تستحقّ منّا جرأة في أن نبحث عن طرق جديدة تقود إلى الوحدة.

أن تكون كاثوليكيًّا هو قبل كلّ شيء أن تكون مسيحيًّا عالميًّا، عضوًا في كنيسة الله الّتي تنتشر في أربع أقاصي الأرض هو أن تعيش التّنوّع في قلب الوحدة؛ هو أن تستفيد من الغنى اللّامتناهي من تيّارات الكنيسة الفلسفيّة واللّاهوتيّة المتنوّعة؛ هو أن تبقى منفتحًا على التّغيير، على استنباط طرق جديدة تطبّق فيها كلمة الله في عالم اليوم؛ هو خصوصًا أن ترفض أن تنغلق ضمن تعال غشيم أو تطرّف أعمى. أن تكون كاثوليكيًّا هو أن تعرف كيف تستوعب الجميع في قلب الله.

وأن تكون أرثوذكسيًّا هو قبل كلّ شيء أن تمتلك استقامة قلب وتستقرّ في المسيح. هو فخامة في المحبّة، وليس فخامة في أداء الصّلاة والتّرنيم فحسب. الأرثوذوكسيّة هي أوّلاً، كما يقول المطران جورج خضر الأرثوذكسيّ الّذي لا غشّ فيه، "انغماس في المسيح" أكثر ممّا هو انغماس في الطّقوس. الطّقوس إنّما هي طريق نحو المسيح، وإن لم تكن كذلك فستصبح طريقًا إلى تفخيم الذّات.

أنطاكيا "مدينة في السّماء"، يا له من تعبير رائع للقدّيس يوحنّا الذّهبيّ الفمّ، ابن أنطاكيا! ما يقصده قدّيسنا هنا ليس السّماء العليا الّتي فوقنا، بل السّماء الّتي تعاش هنا على الأرض: مدينة تعاش فيها محبّة الرّبّ بنسختها الأصليّة، الصّافية، البسيطة، الإنجيليّة.

أنطاكيا ليست أرضًا فحسب، ولا تاريخًا ولا بطريركيّة فقط. هي قبل كلّ شيء قيمة علينا أن ننقلها إلى أبنائنا، خصوصًا هنا في المهجر: قيمة أن تكون أوّلاً مسيحيًّا، مسيحيًّا فحسب من دون أيّ إضافة أخرى، أن تكون رسوليًّا في إيمانك، عالميًّا في روحك، أصيلاً في تجذّرك في المسيح، مجنونًا في محبّة الرّبّ وفي محبّة أمّه مريم العذراء والدة الله".

وفي الختام عرض فيلم خاصّ بالمناسبة حمل عنوان "رعايا من قلب" من إخراج الأب تيودور زخّور.