لبنان
23 شباط 2024, 14:20

ابراهيم شارك في صلاة النوم الكبرى في تربل

تيلي لوميار/ نورسات
شارك رئيس أساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للرّوم الملكيّين الكاثوليك المطران ابراهيم مخايل ابراهيم في صلاة النّوم الكبرى في كنيسة القدّيس جاورجيوس-تربل، بحضور خادم الرّعيّة الأب جوني أبو زغيب وحشد كبير من المؤمنين أبناء البلدة، وألقى للمناسبة كلمة جاء فيها بحسب إعلام الأبرشيّة:

"أتيت اليوم لأكون معكم، لنصلي معًا, لم آتِ لأعظكم أو أحمل لكم رسالة معيّنة، لكن أتيت لأقول لكم إنّه من أجمل الأشياء التي تجري في الكنيسة هي الصّلاة الجماعيّة، لأنّ الإنسان يختلط صوته مع صوت الآخرين، ويختلط فكره مع فكر الآخرين، وتختلط مشاعره واحتياجاته مع مشاعر واحتياجات الآخرين، والرّبّ يكشف عن كلّ ما في داخلنا، ما يختلج في قلوبنا وفي أفكارنا، وكأنّه يخلطها مع بعضها البعض ويخلقها من جديد على صورة محبّته لكلّ واحد منّا، بدون أيّ تفرقة، لا يسمع صلاة أحدنا ويهمل صلاة الآخر، الله يريدنا جميعًا على قلب واحد وفكر واحد. أنا أقول دائمًا إنّنا لسنا منفصلين عن بعضنا البعض، نحن المسيحيّين نقف أحيانًا محتارين أمام عقيدة الثّالوث الأقدس ونسأل عن ماهية هذه العقيدة الإلهيّة التي تجمع ثلاثة أشخاص: الآب والإبن والرّوح القدس، هل يوجد أحد خارجهم لديه الطّبيعة الإلهيّة؟ هذا موضوع لاهوتيّ عميق كتب حوله الكثير من الكتب، والكثير من النّاس يتبرّأون منه ويحيلونه إلى رجال الدّين واللّاهوتيّين، لكن في الحقيقة السّؤال المهمّ جدًّا الذي يطرح هو : لماذا الطّبيعة الإلهيّة محصورة فقط في ثلاثة أقانيم، لديهم جوهر واحد وطبيعة واحدة يشتركون فيها من دون انقسام ومن دون أيّ تشوّش كما يقول قانون الإيمان النّيقاويّ.

نحن أمام عقيدة تقول إنّه هناك طبيعة إلهيّة يشترك فيها الآب والإبن والرّوح القدس، وكلّ مرّة نذكرهم في صلواتنا، تقول القدّيسة برناديت، سواء في الكنيسة أو على الصّعيد الفرديّ في بيوتنا يجب أن نقوم برسم إشارة الصّليب على أجسادنا، أيّ على أفكارنا وعلى قلوبنا وعلى كياننا وجوهرنا، ليس فقط على الأجساد لكن بنوع خاصّ على الأفكار والقلوب.

عندما نذكر الثّالوث الأقدس ننتقل إلى سؤال آخر مهمّ جدًّا هو : عبر تاريخ البشريّة، لا أحد يستطيع أن يحصي عدد البشر، منذ ما قبل التّاريخ، وهو التّاريخ غير المدوّن، إلى عتبة التّاريخ، أيّ التّاريخ المدوّن، إلى يومنا الحاضر، كم يبلغ العدد؟ بالطّبع لا أحد يملك الجواب سوى الرّبّ، هؤلاء جميعًا مشتركين بطبيعة واحدة من أوّل الخليقة، وحتّى من قبل السّقطة إلى ما بعد الخطيئة إلى يومنا الحاضر، لماذا الطّبيعة الإلهيّة تحتوي ثلاثة أقانيم، أمّا الطّبيعة الإنسانيّة فيها الكثير من النّاس. وأنا أقول بكلام على مستوى آمالنا، إنّ هذه الطّبيعة هي عائلة، ونحن لدينا قرابة مع كلّ الذين خلقوا عبر التّاريخ، ونحن نعجز أن نسلسل شجرة العائلة إلى مئة سنة إلى الوراء! لكن إذا أردنا التّفكير بهذه الشّجرة الإنسانيّة البشريّة الكبيرة، نرى أنّ الإنسانيّة مشتركة بعائلة واحدة في طبيعة واحدة على صورة ومثال الطّبيعة الإلهيّة والعائلة الثّالوثيّة. كلّ تصرّف يقوم به إنسان يؤثّر على باقي النّاس لذلك هناك شيء أسميناه الخطيئة الأصليّة، بمعنى أنّه إذا حصلت نكسة أو ضعف أو تشوّه أو هدم لهذه الطّبيعة في مكان ما من قبل احد الأشخاص، كلّ الطّبيعة تتأثر."

هناك فرق بين الطّبيعة الإنسانيّة والطّبيعة الإلهيّة، فالطّبيعة الإلهيّة هي كاملة أمّا الطّبيعة الإنسانيّة فهي طبيعة تحلم بالكمال وتسير في طريق التّكامل، تتكامل مع بعضها البعض لكنّها لا تصل إلى الكمال، حتّى ما قبل الخطيئة وما بعد الفداء تبقى الطّبيعة الإنسانيّة غير كاملة، حتّى الطّبيعة الإنسانيّة المخلّصة تبقى طبيعة غير كاملة لأنّ الكمال هو لله وحده، لكن التّكامل هو شيء جميل جدًّا.

في علم اللّاهوت هناك علم الأصول الذي يتطرّق إلى حالة الإنسان قبل الخطيئة، كيف كانت حالة البرارة، الحالة الفردوسيّة. هناك علم خاصّ بهذه الحالة، لاهوت خاصّ بها يعتمد على التّحليل اللّاهوتيّ وعلى الكتاب المقدّس، على تعليم الآباء والكنيسة، ويعتمد أيضًا على عمل الرّوح القدس فينا الذي يكشف لنا الكثير. من المستحيل أن نستطيع كشفها لذاتنا او لغيرنا، لذلك نحن لدينا طاقة عظيمة جدًّا اسمها الرّوح القدس لكن لا نستعملها. عندما نصلّي للرّوح القدس لكي ينوّرنا، وفي كلّ صلاة من صلواتنا اللّيتورجيّة نبدأ بـ "أيّها الملك السّماويّ المعزّي روح الحقّ الحاضر في كلّ مكان..." هذه الصّلاة لا يجوز تكرارها من دون تفكير ومن دون تحليل ومن دون فهم. لذلك هذه الصّلاة تقودنا إلى الاستنارة أيّ إلى الفهم وإلى التّمييز، وقوّة التّمييز ضروريّة جدًّا لدى النّاس، وعندما تغيب لا يستطيع الفرد أن يعرف اليمين من اليسار، ولا الضّوء من العتمة، ولا الأبيض من الأسود، قوّة التّمييز هي القوّة التي نستعملها بفعل الرّوح القدس فينا للتّمييز بين الخير والشّر.

نحن مسؤولون عن الطّبيعة البشريّة التي تجمعنا كلّنا، لا يستطيع أحد أن يخلص وحده، ولا يستطيع أحد أن يجرم وحده، ولا يستطيع أحد أن يؤذي بدون أن يؤذي غيره.

دعونا جميعُا في هذه البلدة الجميلة نبقى عائلة واحدة، مشتركين في الطّبيعة الإنسانيّة، ولندع إنسانيّتنا تساعدنا لتخطّي كلّ شيء قد يبعد بين قلب وقلب، بين فكر وفكر، لكي نبقى على فكر واحد، ونبقى على حسب قلب المسيح ورغبته، متّحدين مع بعضنا البعض كما هو والآب واحد.

أشكر محبّة الأب جوني أبو زغيب الذي دعاني اليوم لكي أكون معكم، وأعترف لكم أنّني كلّما زرت تربل أتزوّد بالطّاقة لكي أكمل مسيرة الخدمة في هذه الأيّام الصّعبة التي لا تهون إلّا بقوّة الله. صلاة النّوم الكبرى هي صلاة كلّها إيجابيّة، ترفع النّفس وتقوّي موقفنا وتدفعنا لإكمال مسيرة الحياة مع إدراك أنّه لا أحد يقدر علينا لأن الله معنا."