لبنان
24 شباط 2019, 11:45

الأب بشارة أبو مراد يُكرّم في زحلة

في ذكرى رحيل المُكرّم الأب بشارة أبو مراد، غصّت كنيسة مار الياس المخلصيّة بالمؤمنين الذين شاركوا في القدّاس الاحتفاليّ، الذي ترأّسه راعي أبرشيّة الفرزل وزحلة والبقاع للرّوم الملكيّين الكاثوليك المطران عصام يوحنّا درويش، وعاونه الأرشمندريت نقولا صغبيني ولفيف من الكهنة، وخدمته جوقة مار الياس المخلصيّة. وبعد الإنجيل، ألقى المطران درويش عظةً تحدّث فيها عن صفات المُكرّم فقال بحسب "إعلام المطرانيّة":

"أبونا بشارة أبصر النّور عندكم، في حارتكم، صار اسمه مرتبطًا بحيّ ورعيّة مار الياس المخلصيّة، لذلك أنتم معنيّون أكثر من غيركم باسمه ومحبّته وقداسته.

من خلال رعاية والديه شبّ على التّقوى، وفي كنيسة الحارة تعلّم الصّلاة، وفيها سمع الرّبّ يقول له "أُترك كلّ شيء وتعال اتبعني". من هنا تكمن أهميّة التّعاون بين الأهل والرّعيّة.
وفي دير المخلّص صقلته الصّلاة، ورأى في آباء الدّير ورهبانه أيقونات مقدّسة تشعُّ نورًا وصفاءً وقداسة، فسار معهم على درب القداسة، فكان كملاك له قدمان يسير بهما على الأرض، لكنّ قلبه كان يحلّق في السّماء.
ومن الدّير انطلق أبونا بشارة للرّسالة إلى دير القمر والودايا والشّوف وصيدا، ليكون القنديل الذي أضاء قلوب النّاس وبدّد عتمتهم وجعلهم يرون المسيح يسير بينهم، من خلال تقواه وسيرة حياة لامست البطولة.

وحياة أبونا بشارة كانت دعوةً للنّاس ليقتدوا به لأنّه هو اقتدى بالمسيح، تمامًا مثل بولس الرّسول عندما دعا النّاس الذين بشّرهم ليقتدوا به؛ فقد كرّر هذا القول ثماني مرات في رسائله: "اقتدوا بي كما أنّي اقتدي بالمسيح" (1كور11/1).

نحن الشّرقيّين نفهم جيّدًا معنى الاقتداء، فالطّفل يُقلّد أباه والتّلميذ معلّمه، كما أنّ الآباء القدّيسين الشّرقيّين تتلمذوا على يد آباء معلّمين، تعلّموا منهم طرقَ التّقوى والقداسة وساروا على خطى مرشدين روحيّين وفهموا منهم كلمة اللّه وتعاليم الكتاب المقدّس. هذا ما أراده بولس حين قال لتلميذه تيموثاوس "أَمَّا أَنتَ فَقد تَبعتَني في تَعليمي وسِيرتي ومَقاصدي؛ وفي إِيماني وطُول أَناتي، ومحبَّتي وصَبْري" (2تيم 3/10) عندئذ يحصلون على سلام اللّه: "إله السّلام يكون معكم" (في4/9).

بمَ علينا أن نقتدي؟ يطلب بولس أن نقتدي بغيرته الرّسوليّة، بعمله ومسلكه لأنّه بدوره يقتدي بالمسيح: "ليكُنْ فيكُم مِنَ الاستِعداداتِ ما هُوَ في المسيح يسوع" (في2/5). نقتدي أيضًا بآبائنا القدّيسين، وأبونا بشارة واحدًا منهم! كما قال أحد الآباء (الأرشمندريت بطرس خرياطي) الذين عاصروه: "أيّة فضيلة مارسها القدّيسون ولم يمارسها الأب بشارة؟"

نقتدي أوّلًا بمحبّته للصّلاة التي صارت جزءًا منه ومن حياته اليوميّة، ليست فقط فرضًا يصلّيه في ساعدة معيّنة أو وقتًا يقضيه في الكنيسة. صلاة أبونا بشارة صارت عنده حالة دائمة، لذلك كان بشوشًا، فرحًا، مرتاحًا ولطيفًا، لأنّ الصّلاة جعلته يعيش في حضرة اللّه، ومن يعيش مع اللّه لا يمكن إلّا أن يكون طيّبًا مع أخوته البشر، ولا يمكن أن ترتفع الأيدي إلى اللّه والقلبُ بعيدٌ عن قلوب النّاس الذين هم صورة اللّه على الأرض.

ونقتدي ثانيًا بتواضعه، فالتّواضع هو الفضيلة الأهم والأكبر في الحياة الرّوحيّة والكنسية وفي العلاقات الإنسانيّة؛ إنّها فضيلة الطيّبين الذين يسيرون باستقامة ويعيشون بفرح. أبونا بشارة هو المثال بتواضعه.

ونقتدي ثالثًا بمحبّته للقريب، ولاسيّما للفقراء والمحتاجين. كان أبونا بشاره يحرم حاله من الأكل ليطعم الفقراء، والآباء الرّهبان الذين عاصروه سمّوه بعد وفاته بـ"شهيد الفقراء".

واليوم بعد القدّاس الإلهيّ، سنُكرّس مجسّمًا لأبونا بشارة قدّمه السيّد جورج حنكش وعائلته مشكورين، ليكون حاضرًا معنا في الرّعيّة. إنّه يعود إلى رعيته وإلى قلوب أبناء رعيّته بعد أن غادرها سيرًا على الأقدام إلى دير المخلّص في 7 أيلول عام 1874. 

ونطلب اليوم ونصلّي ونبتهل، أن يرفع المخلّص خادمه الأمين أبونا بشارة إلى مرتبة القداسة لِنتّخِذَه مثال الكمال، ولِتكبُرَ كنيستُنا بأمجاد قدّيسيها؛ فيشهدَ العالم بأنّك أنت وحدك ينبوعُ القداسة."

وبعد القدّاس، توجّه الحضور إلى باحة الكنيسة حيث أُقيمت صلاةً خاصّة، وأزيح السّتار عن تمثال حجري للمُكرّم الأب بشارة أبو مراد.