لبنان
08 أيار 2020, 11:50

الأب جورج اسكندر: الرّبّ يسوع سيتدخّل وفي دقائق قليلة سيتغيّر كلّ شيء

تيلي لوميار/ نورسات
إحتفل الأب جورج اسكندر الخميس بقدّاس إلهيّ، رفع خلاله الصّلوات إلى الله من مقام سيّدة زحلة والبقاع.

وللمناسبة ألقى عظة قال فيها:

"أحبّائي المشاهدين أحيّيكم أينما كنتم باسم الله، ربّ السّلام، الّذي يريد أن يفهم الجميع طريق البرّ الّذي أسّسه، وأن يسلكوا فيه، فيكون لهم سلام حقيقيّ معه إلى الأبد.

يسعدني أن أتأمّل وإيّاكم بكلمة الله الّتي سمعناها في إنجيل اليوم: "أنا نور العالم، من يتبعني لا يمش في الظّلام، بل يكون له نور الحياة" (يو 8:12).

الخطيئة أحبّائي جعلت الإنسان يعيش في ظلمةٍ، ويسلك في الظّلمة، والظّلمة أعمت عينيه. لكن المسيح بتجسّده، أتى نورًا للعالم كي ينير كلّ إنسانٍ. وأضاء في وسط الظّلمة بلمعانٍ كاملٍ، أظهر وكشف حالة النّاس، لذا أبغضوه لأنّهم أحبّوا الظّلمة. لكن المسيح لم يستسلم، فكما أنّه لا بدّ للذّهب أنّ يمرّ بالنّار والسّحق والضّغط ليصير ذهبًا، كذلك كان لا بدّ للمسيح كي يخرجنا من الظّلمة إلى النّور، أن يمرّ بمراحل كثيرةٍ من الآلام، وبالموت، وبالظّلام على الصّليب، هو السّاكن في النّور الّذي لا يدنى منه (1تيموثاوس 16:6).

هذا المسيح الّذي أنار حياتنا بشعاع نوره الإلهيّ، هو نفسه طلب إلينا بأن نكون نحن أيضًا بدورنا نورًا للعالم. "أنتم نور العالم" (متّى 5: 14)، فرسالتنا بحسب القدّيس بولس، هي أن نضيء بين النّاس كأنوارٍ. (فيلبّي 2:15)؛ فهل مصابيحنا مسرجًة كي نضيء للآخرين؟

رسم أحد الفنّانين لوحةً لأشجارٍ وهي في فصل الخريف، بعد غروب الشّمس بقليل. كانت اللّوحة تميل إلى الظّلام. الأشجار عارية الأوراق، وهناك بيت منعزل بلا أضواء يقف منفردًا، يواجه عاصفةً ثلجيّةً شديدةً. كلّ ما في اللّوحة كان يعبّر عن الظّلام والكآبة والوحشة وفقدان الرّجاء. لكن الفنّان لم يكن قد انتهى بعد من رسم لوّحته، وبقيت بضع دقائقٍ قبل أن يسلّمها للمعرض. فغمس ريشته بسرعةٍ في اللّون الأصفر ورسم به نورًا في نافذة المنزل، فبان النّور آتيًا من الدّاخل.

يا للتّغيّر المذهل، لقد تحوّل مدلول المشهد تمامًا وصار يعبّر عن الدّفء والطّمأنينة والأمان رغم شدّة العاصفة وقساوتها. بيت مضيء وسط الظّلام وغضب الطّبيعة. هذه هي رسالتنا نحن أيضًا، أن نكون هذا النّور المنبعث من نافذة بيتٍ تلفّه الظّلمة.

رغم كلّ الظّروف الصّعبة الّتي يمرّ بها وطننا لبنان، ورغم القلق الّذي يقضّ مضاجعنا، خصوصًا القلق على المصير مع اشتداد الأزمة الاقتصاديّة والاجتماعيّة والنّقديّة وتعثّر معظم المؤسّسات وصرف الموظّفين أو إعطائهم نصف راتب، والقلق على المستقبل من الجوع والموت، والقلق من الحرب وتهديد سلامة المواطنين في صحّتهم وحياتهم وجنى عمرهم. رغم كلّ الخيبات الّتي قد يصاب بها الإنسان، ورغم الظّنّ إلى حدّ اليقين أنّ لا أمل في الأفق. إلّا أنّ الرّبّ يسوع سيتدخّل، وفي دقائق قليلةٍ سيتغيّر كلّ شيءٍ، بكلمةٍ واحدةٍ منه ستتحوّل المستحيلات إلى ممكنات، بلمسةٍ واحدةٍ منه سيشفي جراحاتنا العميقة، بنظرةٍ واحدةٍ منه سيملأ حياتنا نورًا حقيقيًّا نابعًا من الدّاخل. وسيجعلنا سعداء حتّى وإن كنّا في وسط العاصفة.

دعونا في هذا الشّهر المبارك، شهر أيّار، المخصّص لتكريم أمّنا مريم، دعونا نثق بيسوع كما وثقت به مريم أمّه في عرس قانا، فحوّل الماء خمرًا. دعونا نؤمن بأنّ نور المسيح سيشعّ لا محالة من داخل البيوت الّتي ظنّ أهلها أنّ الظّلام هو دائم، بعد أن خاب أملهم من وعود الكثيرين. دعونا نؤمن أنّه في لحظةٍ واحدةً نضع فيها كلّ رجائنا بالرّبّ، كما تطلب منّا أمّنا مريم، سيتحوّل ظلامنا إلى نور، وليلنا إلى نهار.

وبعد، وإن كانت البشريّة لا تعرف حتّى الآن كلّ شيءٍ عن هذا النّور الّذي ينير في الظّلمة، فهي إذا ما زالت تبحث جاهدةً لتعرف شيئًا عن مصدره وقوّته وخصائصه وفوائده، كذلك نحن، فإنّنا سوف نقضي الدّهر كيما نعرف شيئًا عن ذاك الّذي قال عن نفسه بجدارة وصدق: "أنا هو نور العالم".

وإن كانت قمّة أضواء الحبّ قد انطلقت من فوق الصّليب منذ ألفي عام، فهي ما زالت تنطلق من هناك عبر كلّ الأجيال، وهي في ملء قوّتها ومجدها. وهي ما زالت تبدّد الظّلام وتبعث الحياة وتغيّر القلوب وتشفي المرضى وتقيم الموتى وتولّد الفرحة والبهجة.

نعم، إنّ الرّبّ يسوع قد أضاء الحياة والخلود بالحبّ، فله نصلّي لكيما ينير قلوب المؤمنين به في ظلمة هذا العالم. آمين!".