لبنان
21 أيار 2020, 06:30

الأب عازار: أتركوا مدارسنا تستمرّ في دورها ليعيش الوطن وليرتاح الإنسان

تيلي لوميار/ نورسات
في يوم المدرسة الكاثوليكيّة في خميس الصّعود، أكّد الأمين العامّ للمدارس الكاثوليكيّة الأب بطرس عازار على استمراريّة المدارس الكاثوليكيّة، "ولو بمدارس معدودة"، في الشّهادة للحقّ، مصدرًا رسالة للمناسبة ناشد فيها المسؤولين "لتدارك الأمر ووضع حدّ لاستفحاله من خلال مبادرات جريئة وعلميّة تنقذ المدارس الخاصّة والرّسميّة"، فقال نقلاً عن "الوكالة الوطنيّة للإعلام":

"في خميس الصّعود، من كلّ سنة، كان يطلّ يوم المدرسة الكاثوليكيّة في لبنان حاملاً معه بشائر الفرح بمسيرة مستمرّة بتضحيات العائلة التّربويّة كلّها، وبغبطة جميع مكوّناتها وتضامنهم ليكونوا معًا في خدمة الأجيال الطّالعة، وبالتّالي في خدمة الوطن الرّسالة: لبنان، ولكن، وفي هذه السّنة، يطلّ هذا اليوم حاملاً معه القلق على المصير والخوف من أزمة تربويّة واجتماعيّة واقتصاديّة، تهدّد، مع جائحة كورونا، كلّ لبنان وكلّ اللّبنانيّين.

مع هذا القلق والخوف يشدّنا الرّجاء إلى مناشدة المسؤولين عندنا ليتداركوا الأمر، ويضعوا حدًّا لاستفحاله، من خلال مبادرات جريئة وعلميّة وموضوعيّة ومتجرّدة، تنقذ، لا المدارس الكاثوليكيّة والمدارس الخاصّة وحسب، بل والمدارس الرّسميّة والتّعليم في لبنان ومستواه وجودته وحتّى شموليّته وكلفته.

بالرّغم من هذا القلق وهذا الخوف نحن لا نزال مطبوعين على الرّجاء، وعلى الالتزام بالصّعود على سلّم المراقي، لنستشرف بعض إشراقات تساعدنا لنعزّز الشّراكة مع الجميع، ونتطلّع دومًا إلى القائل لنا، "ستعانون الشّدّة في هذا العالم، فتشجّعوا. أنا غلبت العالم." (يوحنّا 16/33).

بهذا التّشجيع نحن مستمرّون، وحتّى بمدارس معدودة، لنشهد للحقّ الّذي يحرّرنا من تحدّيات هذا الزّمن وغطرساته. فنحن ثابتون على القناعات الكنسيّة الّتي بنت التّعليم في لبنان منذ تأسيس المدرسة المارونيّة في روما سنة 1584، وحتّى المجمع اللّبنانيّ سنة 1736 وما بعده مدرسة عين ورقة، ومعهد مار يوسف عينطورة وسائر مدارس البطريركيّات والأبرشيّات والرّهبانيّات، دون أن ننسى مدرسة تحت السّنديانة ومدرسة حوقا سنة 1624، الّتي كانت تؤمّن التّعليم بستّ لغات لإطلاق اللّبنانيّين إلى العالم الواسع.

يأتينا اليوم من يشكّك برسالة مدارسنا ودورها في خدمة الإنسان والوطن. فيا ويلنا، لا بل يا ويل لبنان، لو لم تؤمّن كنيستنا التّعليم والتّربية، أتراه كان، وكما وصفه القدّيس يوحنّا بولس الثّاني، "أكثر من وطن، أيّ رسالة حرّيّة ونموذج في التّعدّديّة للشّرق كما للغرب؟

إنّ يوم المدرسة الكاثوليكيّة ليس يومًا للتّباهي ولا للتّباكي، بل هو يوم لشكر الله على النّعمة الّتي أعطانا إيّاها لنستطيع القيام بواجبنا وتأمين التّعليم للجميع، بهدف، وكما ورد في شرعة التّربية والتّعليم، "تكوين المتعلّم، بإنسانيّته في إطاره العائليّ والمجتمعيّ" (المادّة 14)، "وإرواء عطشه إلى الحقيقة" (المادّة 15)، "وإعداده للحياة الاجتماعيّة والوطنيّة" (المادّة 19)، "وتنشئته على التّربية المنفتحة على التّنوّع والتّعدّد، وعلى إرساء روح المواطنيّة، وعلى السّلام بين الأديان ومساعدته على الانخراط في مسؤوليّة بناء الوطن" (المادّة 21).

إنّها الرّسالة الّتي نحن مؤتمنون عليها، ومن أجلها نصرخ في الضّمائر: أتركوا مدارسنا تستمرّ في دورها ليعيش الوطن وليرتاح الإنسان إلى غده. نعم، في يوم المدرسة الكاثوليكيّة نشكر الله، وفي الوقت عينه نشكر: قداسة البابا فرنسيس على مبادرته، ليس فقط بتقديم منح للمتعلّمين، بل وأيضًا على دعوته للمشاركة في لقاء حول "الميثاق العالميّ للتّربية"، ورعاة كنيستنا في لبنان على مطالبتهم المتواصلة بوجوب حماية حرّيّة التّعليم وتأمين حقوق جميع مكوّنات الأسرة التّربويّة، وسعادة السّفير البابويّ في لبنان الّذي حمل همّ المدارس واستمراريّة رسالتها إلى فخامة رئيس الجمهوريّة، ومثله فعل أمس رؤساء الرّهبانيّات ورئيساتها في كتابهم المفتوح إلى فخامته.

ينسحب الشّكر أيضًا لجميع الأوفياء الغيارى على استمراريّة مدارسنا الكاثوليكيّة، الّذين أعربوا اليوم، كما في الأمس، في وسائل الإعلام وعلى شبكات التّواصل الاجتماعيّ وباتّصالاتهم مع الأمانة العامّة، عن الاستنكار للهجمة الشّرسة والغوغائيّة والممنهجة الّتي تطال هذه المدارس والمسؤولين والمسؤولات عنها، ومطالبين بوجوب رفع الصّوت لتأمين الإمكانيّات اللّازمة من المقيمين ومن المغتربين ومن الدّولة لمتابعة الخدمة التّربويّة للأجيال الطّالعة ولدعم الأهل وتأمين حقوق المعلّمين، لكي يبقى للبنان غده المشرق.

نعم، بنعمة الله، وبأمثال من ذكرت، وبثباتنا على الشّهادة للحقّ وعلى تصميمنا بحمل الرّسالة، يكبر الرّجاء عندنا. ومن توسّط عيد الصّعود بين الفصح والعنصرة يبقى أساس يوم المدرسة الكاثوليكيّة قناعة برجاء القيامة، مهما كثرت الصّلبان والعذابات، وإصغاء للرّوح الّذي يغني الّذين صلبوا أنفسهم لخدمة التّربية والتّعليم، وهم مشكورون ومقدرون على صبرهم، بثماره، أيّ: "المحبّة والفرح والسّلام والصّبر واللّطف والصّلاح والأمانة والوداعة والعفاف" (غلاطية، 5-13 /12).

بهذه الثّمار نواصل حمل رسالة الرّجاء وخدمة الخير والحقّ والجمال".