البابا: الرّبّ يحثّ الجميع على ارتداد يبدأ من القلب
البابا الّذي في مستهلّ عظته أشار إلى هذه الكنيسة الّتي "تقع في مكان خاصّ"، لفت إلى أنّ موقعها "هو أيضًا مفتاح للخدمة الرّعويّة لهذه الكنيسة"، وقال: "نحن نوجد على الحدود إن صحّ التّعبير حيث يمرّ أمام هذه الكنيسة جميع من يدخلون إلى حاضرة الفاتيكان ويخرجون منها.
هناك مَِن يمرّ بحكم عمله ومَن يمرّ كضيف أو حاج، مَن يُسرِع ومَن يمرّ بهدوء. فليختبر الجميع أنّ هنا توجد أبواب وقلوب منفتحة على الصّلاة والإصغاء والمحبّة."
وأضاف بحسب "فاتيكان نيوز": "إنّ الإنجيل اليوم يحفّزنا على أن نتفحّص بانتباه رباطنًا بالرّبّ وبالتّالي فيما بيننا. إنّ يسوع يفصل بشكل قاطع بين الله والثّراء طالبًا منّا أن نأخذ قرارًا واضحًا وقويمًا، حيث قال: "ما مِن خادِمٍ يَستَطيعُ أَن يَعمَلَ لِسَيِّدَيْن... فأَنتُم لا تَستَطيعونَ أَن تَعمَلوا لِله ولِلمال" (راجع لو ١٦، ١٣). إنّ هذا ليس اختيارًا يقبل احتمالات أو يمكن إعادة النّظر فيه مع مرور الزّمن حسب الظّروف، فالمطلوب هنا هو أن نقرّر أسلوب حياة بكلّ معنى الكلمة. إنّنا نتحدّث عن اختيار أين نضع قلبنا، أن نوضح مَن نحبّ بصدق، مَن نخدم بتفانٍ وما هو بالفعل خيرنا.
ولهذا يضع يسوع الله والمال في تناقض، فالرّبّ يتكلّم بهذا الشّكل لأنّه يعلم أنّنا مخلوقات فقيرة وأنّ حياتنا مليئة بالاحتياجات، فمنذ ولادتنا، فقراء وعراة، نحتاج جميعًا إلى الرّعاية والمحبّة، إلى بيت، غذاء، ملابس."
وواصل الأب الأقدس متحدّثًا "عن خطر أن يأخذ التّعطّش إلى المال مكان الله في قلوبنا حين نعتقد أنّ المال هو ما سينقذ حياتنا، وذلك مثلما فعل الوكيل الخائن في المَثل الّذي يرويه يسوع (راجع لو ١٦، ٣-٧). فالتّجربة تكمن في الاعتقاد بأنّ بإمكاننا أن نعيش بدون الله بشكل جيّد، بينما بدون مال سنكون حزانى ولدينا احتياجات كثيرة. إنّنا وأمام اختبار العوز نشعر بأنّنا مهدّدون ولكن، وبدلًا من أن نطلب المساعدة بثقة وأن نتقاسم بأخوّة، فنحن نميل إلى إجراء حسابات والاكتناز فنشكّ في الآخرين ولا نثق فيهم. إنّ هذه الأفكار تُحوِّل القريب إلى منافس، إلى غريم أو شخص يمكن الاستفادة منه".
وذكّر البابا هنا "بحديث النّبيّ عاموس عمّن يريدون أن يجعلوا من المال أداة للهيمنة وينتظرون بفارغ الصّبر لحظة شراء الضّعفاء بالفضّة مستغلّين الفقر (راجع عاموس ٨، ٦). أمّا الله فعلى العكس يجعل خيور الخليقة للجميع. إنّ فقرنا كمخلوقات هو دليل وعد ورباط يعتني بهما الرّبّ بنفسه. إنّ صاحب المزامير يصف أسلوب العناية الإلهيّة هذا حين يتحدّث عن الرّبّ "الّذي تنازل ونظر إلى السّموات والأرض" والّذي "يُنهض المسكين من التّراب وُيقِيم الفقير من الأقذار" (راجع مز ١١٣، ٦٠٧). وهكذا يتصرّف الأب الصّالح دائمًا وإزاء الجميع، لا فقط إزاء مَن هو فقير بخيور الأرض بل وأيضًا إزاء الفقر الرّوحيّ والأخلاقيّ الّذي يصيب على حدّ سواء الأقوياء والضّعفاء، الفقراء والأغنياء.
إنّ الرّبّ لا يجعل البشر في طبقات غريمة بل يحثّ الجميع على ثورة داخليّة، على ارتداد يبدأ من القلب. وهكذا ستنفتح أيادينا للعطاء لا للانتزاع، هكذا ستنفتح عقولنا للتّخطيط لمجتمع أفصل لا لعقد صفقات بأفضل سعر."
ثم ذكَّر البابا بما كتب القدّيس بولس: "أَسأَلُ قَبلَ كُلِّ شَيءٍ أَن يُقامَ الدُّعاءُ والصَّلاةُ والاِبتِهالُ والشُّكرُ مِن أَجْلِ جَميعِ النَّاس ومِن أَجْلِ المُلوكِ وسائِرِ ذَوي السُّلْطَة" (راجع ١ طيم ٢، ١-٢)، وأضاف: "إنّ الكنيسة تصلّي اليوم بشكل خاصّ كي يكون حكّام الأمم متحرّرين من تجربة استخدام المال ضدّ الإنسان، محوّلين المال إلى أسلحة تدمّر الشّعوب وإلى احتكارات تزدري العَمَلة. إنّ مَن يخدم الله يصبح متحرّرًا من المال، أمّا مَن يخدم المال فيظلّ عبدًا له، مَن يسعى إلى البِرً يُحوِّل المال إلى خير مشترك، أمّا مَن يسعى إلى الهيمنة فيُحوِّل الخير المشترك إلى فريسة لجشعه."
تحدّث البابا بعد ذلك عن تسليط الكتاب المقدّس الضّوء على هذا التّشبّث بالخيور المادّيّة والّذي يجعل قلوبنا تتخبّط ويُحرِّف مستقبلنا، وأضاف: "إنّ القدّيس أغسطينوس يعلّق على شخصيّة الوكيل الخائن الّذي يحدّثنا عنه الإنجيل فيقول إنّ هذا الوكيل يهتمّ بحياة ستنتهي لا بالحياة الأبديّة."
ثمّ إختتم البابا عظته شاكرًا "مَن يتعاونون بأشكال مختلفة للحفاظ على جماعة هذه الرّعيّة حيّة ويقومون بعمل رسوليّ سخيّ." كما وأراد تشجيع الجميع على المثابرة برجاء وذلك في زمن تهدّده بشكل خطير الحرب. وأضاف: "إنّ هناك اليوم شعوبًا بكاملها يسحقها العنف، وتسحقها بشكل أكبر لا مبالاة شائنة تترك هذه الشّعوب بمفردها أمام مصير بائس. إنّنا لا نريد أن نذعن أمام هذه المآسي بل أن نعلن بالكلمة وبالأفعال أنّ يسوع هو مخلّص العالم، هو مَن يحرّرنا من كلّ شرّ."
وتضرّع "كي ترتدّ قلوبنا يغذّيها القربان الأقدس لنصبح شهودًا للمحبّة والسّلام."