الفاتيكان
21 تشرين الأول 2020, 11:15

البابا فرنسيس: أبواب الكنيسة نافذة مستعدّة لاستقبال صرخة الجميع

تيلي لوميار/ نورسات
إختتم البابا فرنسيس اليوم خلال المقابلة العامّة الّتي عقدها في قاعة بولس السّادس، تعليمه حول سفر المزامير، أكّد خلاله أنّ "إنّ الصّلاة هي محور الحياة"، فتوقّف عند مفاعيلهما على المؤمن محذّرًا من "الصّلاة الزّائفة"، فقال بحسب "فاتيكان نيوز":

"نختتم اليوم تعليمنا حول صلاة المزامير، ونلاحظ أوّلاً أنّ غالبًا ما تظهر في المزامير صورة سلبيّة وهي صورة "الشّرير"، أيّ ذلك الّذي يعيش كما ولو أنَّ الله ليس موجودًا. إنّه الشّخص الّذي لا يملك أيّة مرجعيّة مع الله وليس هناك أيّ مانع لكبريائه ولا يخاف من الأحكام على ما يفكّر به أو يقوله.

لذلك يقدّم سفر المزامير الصّلاة كواقع أساسيّ للحياة. إنّ الإشارة إلى المطلق والمتسامي– والّتي يسمّيها معلّمو التّقشّف والزُّهد "مخافة الله المقدّسة"– هي الّتي تجعلنا بشرًا بالكامل، وهي الحدود الّتي تخلّصنا من أنفسنا وتمنعنا من أن ننقضّ على هذه الحياة بطريقة مفترسة وشرسة. إنّ الصّلاة هي خلاص الكائن البشريّ.

هناك بالطّبع، أيضًا صلاة زائفة، صلاة نقوم بها فقط لكي نُعجب الآخرين، ويسوع قد حذّر بشدّة من هذه الصّلاة. ولكن عندما نقبل روح الصّلاة الحقيقيّ بصدق وينزل إلى قلوبنا عندها تجعلنا الصّلاة نتأمّل الواقع بعيني الله. عندما نصلّي يكتسب كلُّ شيء "معنى"؛ وبالتّالي فأسوأ خدمة يمكننا أن نقدّمها لله والإنسان هي أن نصلّي بتعب وبشكل اعتياديّ. إنّ الصّلاة هي محور الحياة؛ وإذا كانت موجودة يصبح الأخ مهمًّا أيضًا. هناك قول قديم للرّهبان المسيحيّين الأوائل يقول: "طوبى للرّاهب الّذي بعد الله يعتبر جميع البشر كالله"، لأنّ الّذي يعبد الله يحبّ أبناءه، ومن يحترم الله يحترم جميع الكائنات البشريّة.

لذلك الصّلاة ليست مُهدِّئًا لتخفيف قلق الحياة أو على أيّ حال صلاة كهذه ليست بالتّأكيد مسيحيّة. لا بل إنّ الصّلاة تجعل المرء يتحمّل المسؤوليّة ونرى ذلك بوضوح في صلاة "الأبانا" الّتي علّمها يسوع لتلاميذه.

لكي نتعلّم أسلوب الصّلاة هذا يشكّل سفر المزامير مدرسة كبيرة. لقد رأينا أنَّ المزامير لا تستعمل على الدّوام كلمات راقية ولطيفة وغالبًا ما تحمل ندوب الحياة. وعلى الرّغم من ذلك استُعملت جميع هذه الصّلوات أوّلاً في الهيكل ومن ثمّ في المجمع؛ حتّى تلك الحميمة والشّخصيّة. وهكذا يشرح التّعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة: "إنّ التّعابير المتعدِّدة الأشكال لصلاة المزامير تولد في الوقت عينه في ليتورجيّة الهيكل وفي قلب الإنسان". وهكذا تستقي الصّلاة الشّخصيّة وتتغذّى من صلاة شعب إسرائيل وبعدها من صلاة شعب الكنيسة.

حتّى المزامير الّتي كُتبت بصيغة المتكلِّم والّتي تكشف الأفكار والمشاكل الحميمة لفرد ما هي إرث جماعيّ، لكي يصلّيها الجميع من أجل الجميع. إنّ صلاة المسيحيّين تحمل هذا "النَّفَس" وهذا "التّوق" الرّوحيّ الّذي يجمع الهيكل والعالم. قد تبدأ الصّلاة في ضوء صحن الكنيسة الخافت، لكنّها تنتهي بعد ذلك في شوارع المدينة. والعكس صحيح إذ يمكنها أن تُزهر خلال الاهتمامات اليوميّة وتجد تمامها في اللّيتورجيّة. إنّ أبواب الكنيسة ليست حواجز وإنّما "أغشية" نافذة مستعدّة لاستقبال صرخة الجميع.

إنّ العالم حاضر على الدّوام في صلاة سفر المزامير. إنّ المزامير، على سبيل المثال، تعطي صوتًا للوعد الإلهيّ لخلاص الأشدّ ضعفًا؛ ويقول الرّبّ "مِنِ اغتِصَابِ المَسَاكِينِ، مِن صَرخَةِ البَائِسِينَ، الْآنَ أَقُومُ، يَقُولُ الرَّبُّ، أَجعَلُ فِي وُسْعٍ الَّذِي يُنفَثُ فِيهِ" (مز 12، 6). أو تحذّر من خطر الغنى الدّنيويّ لأنّ "الإِنسَانُ فِي كَرَامَةٍ لَا يَبِيتُ. يُشبِهُ البَهَائِمَ الَّتِي تُبَادُ" (مز 48، 21). أو حتّى تفتح الأفق لنظرة الله على التّاريخ: "الرَّبُّ أَبطَلَ مُؤَامَرَةَ الأُمَمِ. لَاشَى أَفكَارَ الشُّعُوبِ. أَمَّا مُؤَامَرَةُ الرَّبِّ فَإِلَى الأَبَدِ تَثبُتُ. أَفكَارُ قَلبِهِ إِلَى دَورٍ فَدَورٍ" (مز 33، 10- 11).

وبالتّالي حيث يكون الله فهناك أيضًا على الإنسان أن يكون. إنّ الكتاب المقدّس قاطع وجازم: "أَمَّا نَحنُ فإِنَّنا نُحِبّ لأَنَّه أَحَبَّنا قَبلَ أَن نُحِبَّه. إِذا قالَ أَحَد: "إِنِّي أُحِبُّ الله" وهو يُبغِضُ أَخاه كانَ كاذِبًا لأَنَّ الَّذي لا يُحِبُّ أَخاه وهو يَراه لا يَستَطيعُ أَن يُحِبَّ اللهَ وهو لا يَراه.  إِلَيكُمُ الوَصِيَّةَ الَّتي أَخَذْناها عنه: مَن أَحَبَّ اللهَ فلْيُحِبَّ أَخاه أَيضًا" (1 يوحنّا 4، 19- 21). إنّ الكتاب المقدّس يعترف بحالة الشّخص الّذي، وعلى الرّغم من أنّه يبحث بصدق عن الله، إلّا أنّه لا يتمكّن من مقابلته أبدًا؛ ولكنّه يؤكِّد أيضًا أنّه لا يمكننا أبدًا أن ننكر دموع الفقراء، عقاب عدم لقاء الله. إنّ الله لا يحتمل "الإلحاد" الّذي يُنكر الصّورة الإلهيّة المطبوعة في كلّ كائن بشريّ. لأنّ عدم الاعتراف بذلك هو تدنيس للمقدّسات، ورجس، وهو أسوأ إهانة يمكن ارتكابها بحقّ الهيكل والمذبح.

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، تساعدنا صلاة المزامير لكي لا نسقط في تجربة "الشّرّ"، أيّ أن نعيش وربّما أيضًا أن نصلّي كما ولو أن الله لم يكن موجودًا وكما لو أنّ الفقراء ليسوا موجودين أيضًا."