البابا فرنسيس: إنّ محبّة يسوع مجّانيّة ولا تطلب منّا أبدًا شيئًا بالمقابل
"يربط يسوع المحبّة تجاهه بالحفاظ على الوصايا ويصرّ على هذا الأمر في خطاب الوداع إذ يقول: "إِذا كُنتُم تُحِبُّوني، حَفِظتُم وَصاياي"؛ "مَن تَلَقَّى وَصايايَ وحَفِظَها فذاكَ الَّذي يُحِبُّني". يطلب منّا يسوع أن نحبّه ولكنّه يشرح أنّ هذا الحبّ لا ينتهي في مجرّد الرّغبة به أو في شعور ما، لا! وإنّما هو يتطلّب الجهوزيّة لاتّباع دربه أيّ مشيئة الآب. وهذا الأمر يتلخّص في وصيّة المحبّة المتبادلة الّتي أعطاها يسوع نفسه: "أَحِبُّوا بَعضُكم بَعضًا. كما أَحبَبتُكم أَحِبُّوا أَنتُم أَيضًا بَعَضُكم بَعْضًا". لم يقل: "أحبّوني كما أنا أحببتكم"، وإنّما "كما أَحبَبتُكم أَحِبُّوا أَنتُم أَيضًا بَعَضُكم بَعْضًا". هو يحبّنا بدون أن يطلب منّا شيئًا بالمقابل. إنّ محبّة يسوع مجّانيّة ولا تطلب منّا أبدًا شيئًا بالمقابل وهو يريد أن يصبح حبّه المجّانيّ الشّكل الملموس للحياة بيننا: هذه هي مشيئته.
لكي يساعد التّلاميذ على السّير في هذه الدّرب، يعد يسوع تلاميذه بأنّه سيصلّي إلى الآب لكي يرسل "مُؤَيِّدًا آخَرَ"، أيّ معزٍّ ومدافع يأخذ مكانه ويمنحهم الذّكاء لكي يصغوا والشّجاعة لكي يحافظوا على كلماته. هذا هو الرّوح القدس، عطيّة محبّة الله الّتي تحلُّ في قلب المسيحيّ. بعد أن مات يسوع وقام من الموت، مُنحت محبّته لجميع الّذين يؤمنون به وتعمّدوا باسم الآب والابن والرّوح القدس. إنّ الرّوح القدس هو الّذي يقودهم وينيرهم ويقوّيهم لكي يتمكّن كلّ فرد منهم من السّير في الحياة حتّى وسط المحن والصّعوبات وفي الأفراح والآلام ثابتين على درب يسوع. هذا الأمر ممكن فقط بالطّاعة للرّوح القدس لكي يتمكّن، بحضوره الفاعل، لا من أن يعزّي وحسب وإنّما من أن يحوّل القلوب ويفتحها على الحقيقة والحبّ.
إزاء خبرة الخطأ والخطيئة– الّتي نعيشها جميعًا– يساعدنا الرّوح القدس لكي لا نستسلم ويجعلنا نفهم ونعيش بالكامل معنى كلمات يسوع: "إِذا كُنتُم تُحِبُّوني، حَفِظتُم وَصاياي". إنّ الوصايا لم تُعطى لنا كمرآة نرى فيها انعكاس بؤسنا وتناقضاتنا. لا! إنّ كلمة الله قد أُعطيت لنا ككلمة حياة تحوّل القلب والحياة وتجدّد، كلمة لا تحكم لتدين وإنّما هي كلمة تشفي وهدفها المغفرة. كلمة تكون نورًا لخطانا. وهذا كلّه هو عمل الرّوح القدس! إنّه عطيّة الله، إنّه الله نفسه الّذي يساعدنا لكي نكون أشخاصًا أحرارًا؛ أشخاص يريدون ويعرفون أن يحبّوا، أشخاص فهموا أنّ الحياة هي رسالة لكي نعلن العظائم الّتي يحقّقها الله في الأشخاص الّذين يثقون به.
العذراء مريم، مثال الكنيسة الّتي تعرف كيف تصغي إلى كلمة الله وتقبل عطيّة الرّوح القدس، لكي نعيش الإنجيل بفرح وفي اليقين بأنّ الرّوح القدس يعضدنا، تلك النّار الإلهيّة الّتي تُدفئ قلوبنا وتنير خُطانا.
وبعد تلاوته الصّلاة، تابع البابا كلمته ليقول: "تصادف غدًا الذّكرى المئويّة الأولى لولادة القدّيس يوحنّا بولس الثّاني في فادوفيتسيه في بولندا. نذكره بمودّة وامتنان كبيرَين. سأحتفل عند السّاعة السّابعة من صباح غد بالقدّاس الإلهيّ الّذي سيتمُّ نقله عبر "mondovisione" على المذبح حيث ترقد رفاته. ليتشفّع باستمرار من السّماء من أجل شعب الله والسّلام في العالم.
لقد استُعيدت في بعض البلدان الاحتفالات اللّيتورجيّة بحضور المؤمنين، فيما لا تزال تدرس إمكانيّة ذلك في بلدان أخرى؛ ابتداء من يوم غد سيصبح من الممكن في إيطاليا الاحتفال بالقدّاس الإلهيّ بمشاركة الشّعب. ولكن من فضلكم لنسر قدمًا بحسب القوانين والتّدابير الّتي تُعطى لنا لكي نحافظ على صحّة كلّ فرد وعلى صحّة الشّعب.
من تقليد العديد من الرّعايا أن تحتفل في شهر أيّار بقداديس المناولة الأولى. بالتّأكيد وبسبب الوباء تمّ تأجيل وقفة الإيمان والعيد هذه؛ لذلك أرغب في أن أتوجّه بفكري إلى الأطفال الّذين كانوا سينالون الإفخارستيّا للمرّة الأولى؛ أيّها الأعزّاء، أدعوكم لكي تعيشوا زمن الانتظار هذا كفرصة لكي تستعدّوا بشكل أفضل بواسطة الصّلاة وقراءة كتاب التّعليم المسيحيّ لكي تتعمّقوا في معرفة يسوع وتنموا في الصّلاح وخدمة الآخرين.
يبدأ اليوم أسبوع "كُن مُسبّحًا" والّذي سيُختتم يوم الأحد المقبل الّذي سنذكر فيها الذّكرى السّنويّة الخامسة لصدور هذه الرّسالة العامّة. لنكن في زمن الوباء هذا أكثر إدراكًا لأهمّيّة العناية ببيتنا المشترك، وأتمنّى أن يساعد التّأمّل والالتزام المشترك في خلق وتعزيز مواقف بنّاءة من أجل العناية بالخليقة."