الفاتيكان
27 تشرين الثاني 2020, 11:20

البابا فرنسيس: الرّجاء هو فضيلة القلب الّذي لا ينغلق في الظّلام

تيلي لوميار/ نورسات
إنطلق بالأمس في فيرونا مهرجان العقيدة الاجتماعيّة للكنيسة والّذي يستمرّ لغاية التّاسع عشر من الجاري، وللمناسبة وجّه البابا فرنسيس رسالة مصوّرة، كتب فيها بحسب "فاتيكان نيوز":

"أوجّه تحيّة من القلب للأسقف ولكم جميعًا أنتم الّذين تشاركون في فيرونا وفي مختلف المدن الإيطاليّة المتّصلة عبر الإنترنت، في مهرجان العقيدة الاجتماعيّة للكنيسة الّتي ترغب، بمنهجيّتها الإبداعيّة، في إطلاق مواجهة بين مواضيع مختلفة للتّوعية والعمل، ولكنّها تلتقي في بناء الخير العامّ.

إنّها نسخة مختلفة عن المعتاد، لأنّنا نصارع الوباء الّذي لا يزال حاضرًا، وهو سيناريو يحمل معه صعوبات وجراحًا شخصيّة واجتماعيّة خطيرة. إنّها أيضًا نسخة مختلفة قليلاً عن المعتاد، لأنّه ولأول مرّة، لا يكون حاضرًا فيها معنا الأب أدريانو فينتشنزي ليدعم وقفة التّنشئة هذه الّتي بلغت إلى نسختها العاشرة. نريد أن نتذكّره في السّمة المميّزة لخدمته بكلمات تتناغم مع ما كتبته في الرّسالة العامّة الأخيرة  Fratelli Tutti: "إنّه لنُبلٌ رفيع، أن نكون قادرين على إطلاق عمليّات يجمع ثمارها الآخرون، واضعين الرّجاء في القوّة السّرّيّة للخير الّذي نزرعه". إنَّ الموضوع الّذي اخترتموه لهذا العام هو "ذكرى المستقبل". يبدو غريبًا بعض الشّيء لكنّه خلّاق: "ذكرى المستقبل". إنّه يدعونا إلى هذا الموقف الخلّاق الّذي يمكننا أن نسمّيه: "الاعتياد على المستقبل". بالنّسبة لنا نحن المسيحيّين، يحمل المستقبل اسمًا وهذا الاسم هو "الرّجاء". الرّجاء هو فضيلة القلب الّذي لا ينغلق في الظّلام، ولا يتوقّف عند الماضي، ولا يعيش الحاضر على الهامش، بل يعرف كيف يرى الغد. ماذا يعني الغد بالنّسبة لنا نحن المسيحيّين؟ إنّها الحياة المفتداة، فرح عطيّة اللّقاء مع الحبّ الثّالوثي. بهذا المعنى، فإنّ كوننا كنيسة يعني أن يكون لدينا نظرات وقلوب خلّاقة موجّه بشكل إسكاتولوجي بدون الاستسلام لتجربة الحنين إلى الماضي تشكّل مرضًا روحيًّا حقيقيًّا.

يؤكّد المفكّر الرّوسيّ إيفانوفيتش إيفانوف أنّ ما يتذكّره الله فقط هو موجود حقًّا. هذا هو السّبب في أنّ ديناميكيّة المسيحيّين ليست ديناميكيّة الحنين إلى الماضي، بل هي الوصول إلى ذكرى الآب الأبديّة وهذا ممكن من خلال عيش حياة المحبّة. لذلك ليس الحنين الّذي يعيق الإبداع ويجعلنا أشخاصًا جامدين وعقائديّين حتّى في المجال الاجتماعيّ والسّياسيّ والكنسيّ. وإنّما الذّكرى الّتي ترتبط ارتباطًا جوهريًّا بالحبّ والخبرة، والّتي تصبح إحدى أعمق أبعاد الشّخص البشريّ.

لقد ولدنا جميعًا للحياة في المعموديّة. لقد نلنا عطيّة الحياة الّتي هي شركة مع الله ومع الآخرين ومع الخليقة. لذلك نحن مدعوّون لتحقيق الحياة في الشّركة مع الله أيّ في علاقة الصّلاة الحميمة بحضور الرّبّ، وفي المحبّة تجاه الأشخاص الّذين نلتقّي بهم أيّ في المحبّة، وأخيرًا تجاه أمّنا الأرض الّتي تشير إلى عمليّة تجلّي للعالم. والحياة الّتي نلناها كهديّة هي حياة المسيح عينها ولا يمكننا أن نعيش كمؤمنين في العالم إلّا بإظهار حياته فينا. وبالتّالي إذ نُطعَّم في حياة المحبّة الثّالوثيّة نصبح قادرين على الذّكرى، ذكرى الله. وما هو حبّ فقط، لا يذهب طيّ النّسيان لأنّه يجد سبب وجوده في محبّة الآب والابن والرّوح القدس. بهذا المعنى، يجب على حياتنا بأسرها أن تكون بطريقة ما ليتورجيا، وتذكار؛ ذكرى أبديّة لفصح المسيح.

هذا هو، إذًا، معنى مهرجان هذا العام: عيش ذكرى المستقبل يعني الالتزام لكي تتمكّن الكنيسة، شعب الله العظيم، من أن تؤسّس على الأرض بداية وبذرة ملكوت الله. وبالتّالي أن نعيش كمؤمنين منغمسين في المجتمع ومظهرين حياة الله الّتي نلناها كعطيّة في المعموديّة حتّى نتمكّن الآن من أن نتذكّر الحياة المستقبليّة الّتي سنكون فيها معًا أمام الآب والابن والرّوح القدس. يساعدنا هذا الموقف على تخطّي تجربة اليوتوبيا، واختزال إعلان الإنجيل إلى مجرّد أفق اجتماعيّ بسيط أو الانخراط في تسويق مختلف النّظريّات الاقتصاديّة أو الفصائل السّياسيّة. لنكن في العالم بقوّة وإبداع حياة الله فينا: بهذه الطّريقة سنتمكّن من جذب قلوب النّاس ونظراتهم إلى إنجيل يسوع، وسنساعد في خلق مشاريع جديدة لاقتصاد إدماجيّ وسياسة قادرة على الحبّ.

كلمة أخرى أوجّهها بشكل خاصّ إلى مختلف الفاعلين في الحياة الاجتماعيّة المجتمعين بمناسبة المهرجان: إلى عالم روّاد الأعمال والمهنيّين ودعاة العالم المؤسّساتيّ والتّعاون والاقتصاد والثّقافة: استمرّوا في الالتزام باتّباع المسار الّذي رسمه الأب أدريانو فينتشنزي معكم من أجل المعرفة والتّنشئة في العقيدة الاجتماعيّة للكنيسة. كونوا بناة للجسور: لكي لا يجد الّذين يجتمعون هنا الجدران بل الوجوه... ومن فضلكم، لا تنسوا أن تصلّوا من أجلي."