البابا فرنسيس: الضّعف مع الله ليس عقبة بل فرصة
كلام البابا جاء في كلمته قبيل التّبشير الملائكيّ ظهر الأحد، قال فيها بحسب "فاتيكان نيوز":
"نرى في الإنجيل الّذي تقدّمه اللّيتورجيا اليوم ردّ فعل غير عاديّ ليسوع: لقد استاء. وما يثير دهشتنا بشكل أكبر هو أنّ استياءه لم يكن بسبب الفرّيسيّين الّذين حاولوا أن يُحرجوه بأسئلة حول شرعيّة الطّلاق، وإنّما بسبب تلاميذه الّذين، ولكي يحموه من الجمع، انتهروا الّذين وأَتَوهُ بِأَطفالٍ لِيَضَعَ يَدَيهِ علَيهم. بعبارة أخرى، إنَّ الرّبّ لا يستاء من الشّخص الّذي يجادله، وإنّما من الّذي لكي يريحه من التّعب يُبعد الأطفال عنه. لماذا؟
نتذكّر– وذلك في الإنجيل الّذي قدّمته لنا اللّيتورجيا منذ أحدين– أنَّ يسوع، وإذ أقام طفلاً بين تلاميذه وَضَمَّهُ إِلى صَدرِهِ، شبّه نفسه بالصّغار: لقد علَّم أنّ الصّغار، أيّ الّذين يعتمدون على الآخرين، والمعوزين الّذين لا يستطيعون ردّ الجميل، هم الّذين علينا أن نخدمهم أوّلاً. وأنَّ الّذين يطلبون الله يجدونه هناك، في الصّغار وفي المحتاجين ليس فقط للخيور المادّيّة، وإنّما أيضًا للعناية والرّاحة، مثل المرضى، والمهانين، والسّجناء، والمهاجرين. إنّه هناك، ولهذا السّبب استاء يسوع: وبالتّالي فكل إهانة تُوجَّه إلى طفل صغير، أو شخص فقير، أو شخص أعزل، هي موجّهة إليه.
يستعيد الرّبّ هذا التّعليم اليوم ويكمله. ويضيف في الواقع: "مَن لَم يَقبَل مَلكوتَ اللهِ مِثلَ الطِّفل، لا يَدخُلهُ". هذه هي الحداثة: لا يجب على التّلميذ أن يخدم الصّغار وحسب، وإنّما عليه أيضًا أن يعترف بصغره. أن نعرف أنّنا صغار، وأنّنا بحاجة إلى الخلاص، هو أمر لا غنى عنه لكي نقبل الرّبّ. إنّها الخطوة الأولى لكي ننفتح عليه، لكننا غالبًا ما ننسى ذلك. في الرّخاء والرّفاهية، يكون لدينا وهم الاكتفاء الذّاتيّ، وأنّنا نكفي لأنفسنا وأنّنا لسنا بحاجة إلى الله. إنّها خدعة، لأنّ كلّ واحد منّا هو كائن معوز وصغير.
يعتبر المرء نفسه صغيرًا في الحياة، هو نقطة البداية لكي يصبح عظيمًا. إذا فكّرنا في الأمر، فنحن لا ننمو كثيرًا على أساس النّجاحات والأشياء الّتي نملكها، وإنّما وبشكل خاصّ في لحظات الصّراع والهشاشة. هناك، في العوز والحاجة، ننضج؛ هناك نفتح قلوبنا لله وللآخرين، وعلى معنى الحياة. عندما نشعر بأنّنا صغار أمام مشكلة ما، أو صليب، أو مرض، وعندما نشعر بالإرهاق والوحدة، لا نشعرنَّ بالإحباط. إنّ قناع السّطحيّة آخذ في التّلاشي وقد عادت هشاشتنا الجذريّة لتظهر مرّة أخرى: إنّها قاعدتنا المشتركة، كنزنا، لأنّ الضّعف مع الله ليس عقبة بل فرصة. في الواقع، في حالة الهشاشة تحديدًا نكتشف مدى اهتمام الله بنا. يقول لنا إنجيل اليوم أنّ يسوع كان حنونًا جدًّا مع الصّغار: "ضَمَّهُم إِلى صَدرِهِ، وَوَضَعَ يَدَيهِ عَلَيهِم فَبارَكَهُم". إنَّ المعاكسات والمواقف الّتي تكشف هشاشتنا هي مناسبات مميّزة تجعلنا نختبر محبّة الله. ويعرف ذلك جيّدًا الّذين يثابرون على الصّلاة: في اللّحظات المظلمة أو في لحظات العزلة، يصبح حنان الله تجاهنا- إذا جاز التّعبير- أكثر حضورًا. يمنحنا السّلام، ويجعلنا ننمو. في الصّلاة، يشدّنا الرّبّ إليه ويعانقنا، مثلما يعانق الأب طفله. هكذا نصبح عظماء: ليس بالادّعاء الوهميّ باكتفائنا الذّاتيّ، وإنّما في القوّة في أن نضع كلّ رجاء في الآب. تمامًا كما يفعل الصّغار.
لنطلب اليوم من العذراء مريم نعمة عظيمة، نعمة الصّغر: لكي نكون أولادًا يثقون في الآب، واثقين من أنّه لا يتوقّف أبدًا عن الاعتناء بنا."
وفي تحيّته بعد تلاوة صلاة التّبشير الملائكيّ، عبّر البابا فرنسيس عن قربه من شعب ميانمار وذكّر بإعلان تطويب ماريا أنطونيا سما وغايتانا تولوميو، فقال: "أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، لقد أحزنني جدًّا ما حدث خلال الأيّام الماضية في سجن غواياكيل في الإكوادور. أدّى اندلاع أعمال عنف مروّعة بين مساجين ينتمون إلى عصابات متناحرة إلى مقتل أكثر من 100 شخص وإصابة كثيرين. أُصلّي من أجلهم ومن أجل عائلاتهم. ليساعدنا الله لكي نداوي جراح الجريمة الّتي تستعبد الأشخاص الأشدّ فقرًا. وليساعد الّذين يعملون كلّ يوم لكي يجعلوا الحياة في السّجون أكثر إنسانيّة.
أودّ مرّة أخرى أن ألتمس من الله عطيّة السّلام لأرض ميانمار الحبيبة: لكي لا تُضطّر أيدي الّذين يعيشون هناك بعد الآن إلى تجفيف دموع الألم والموت، وإنّما أن يتمكّنوا من أن يتمسّكوا ببعضهم البعض لكي يتغلّبوا على الصّعوبات ويعملوا معًا من أجل حلول السّلام.
يتمُّ اليوم، في كاتانزارو، إعلان تطويب ماريا أنطونيا سما وغايتانا تولوميو، امرأتان عانتا من الشّلل طوال حياتهما. وإذ عضدتهما النّعمة الإلهيّة، عانقتا صليب مرضهما، وحوَّلتا الألم إلى تسبيح للرّبّ. أصبح سريرهما نقطة مرجعيّة روحيّة ومكانًا للصّلاة والنّموّ المسيحيّ للعديد من الأشخاص الّذين كانوا يجدون فيهما التّعزية والرّجاء.
في هذا الأحد الأوّل من شهر أكتوبر، يتوجّه فكرنا إلى المؤمنين المجتمعين في مزار بومباي لتلاوة الصّلاة التّقليديّة إلى مريم العذراء. لنجدّد معًا في هذا الشّهر الالتزام بصلاة مسبحة الورديّة."