الفاتيكان
14 نيسان 2022, 13:30

البابا فرنسيس ترأّس رتبة تبريك الزّيوت وهذا ما قاله عن الكهنوت!

تيلي لوميار/ نورسات
ترأّس البابا فرنسيس صباحًا قدّاس تبريك الزّيوت المقدّسة في خميس الأسرار، في بازيليك القدّيس بطرس، بمشاركة عدد كبير من الإكليريكيّين والكهنة والأساقفة والكرادلة.

وللمناسبة، ألقى البابا عظة قال فيها بحسب "فاتيكان نيوز": "في قراءة النّبيّ أشعيا الّتي سمعناها، يقطع الرّبّ وعدًا مليئًا بالرّجاء يلمسنا عن كثب: "أمّا أنتم فتدعون كهنة الرّبّ ويقال لكم خدمة إلهنا... فأعطيهم المكافأة في الحقّ وأعاهدهم عهدًا أبديًّا". أن نكون كهنة، أيّها الإخوة الأعزّاء، هي نعمة، نعمة عظيمة جدًّا، وهي ليست نعمة لنا بالدّرجة الأولى، بل هي نعمة للنّاس؛ وهي عطيّة عظيمة لشعبنا أنّ يختار الرّبّ، من بين قطيعه، البعض لكي يعتنوا بخرافه بشكل حصريّ، كآّباء ورعاة. والربّ نفسه هو الّذي يعطي الكاهن أجره: "فأعطيهم المكافأة في الحق". وهو يدفع جيِّدًا، على الرّغم من أنّ لديه ميزاته الخاصّة، مثل أن يدفع أوّلاً للأخيرين.

تخبرنا قراءة سفر الرّؤيا ما هو أجر الرّبّ. إنّه حبّه والمغفرة غير المشروطة لخطايانا بثمن دمه المسفوك على الصّليب: "ذاك الّذي أحبّنا فحلّنا من خطايانا بدمه، وجعل منّا مملكة من الكهنة لإلهه وأبيه". لا أجر أعظم من الصّداقة مع يسوع، ولا سلام أعظم من مغفرته. لا يوجد ثمن أغلى من ثمن دمه الثّمين، الّذي لا يجب أن نسمح بأن يُحتقر بسلوك غير لائق. إذا قرأنا بقلوبنا، أيّها الإخوة الكهنة الأعزّاء، فهذه هي دعوات الرّبّ لنكون أُمناء له، ونكون أُمناء لعهده، ونسمح له بأن يُحبَّنا، ونسمح له بأن يغفر لنا؛ إنّها ليست دعوات فقط لأنفسنا، وإنّما أيضًا لكي نتمكّن بهذه الطّريقة من أن نخدم، بضمير صافٍ، شعب الله الأمين المقدّس. إنَّ النّاس يستحقّون ذلك ويحتاجون لذلك أيضًا. يخبرنا إنجيل لوقا أنّه بعد أن قرأ يسوع مقطع النّبيّ أشعيا أمام شعبه وجلس، "كانت عيون أهل المجمع كلّهم شاخصة إليه". كذلك يحدّثنا سفر الرّؤية اليوم عن عيون شاخصة إلى يسوع، عن الجاذبيّة الّتي لا تقاوم للرّبّ المصلوب القائم من بين الأموات الّتي تقودنا لكي نعبد ونعترف: "ها هوذا آت في الغمام. ستراه كلّ عين حتّى الّذين طعنوه، وتنتحب عليه جميع قبائل الأرض. أجل، آمين". إنَّ النّعمة الأخيرة، عندما سيعود الرّبّ القائم من بين الأموات، ستكون نعمة الاعتراف الفوريّ: سنراه مطعونًا، وسنعرف من هو ومن نحن، خطأة، فقط لا غير.

أن نُحدق النّظر إلى يسوع هي نعمة علينا ككهنة أن ننمِّيها. ففي نهاية يومنا سيفيدنا أن ننظر إلى الرّبّ وأن ينظر هو إلى قلوبنا مع قلوب الأشخاص الّذين التقينا بهم. إنّها ليست مسألة عدّ الخطايا، وإنّما هي تأمُّل محبّ ننظر فيه إلى يومنا بنظرة يسوع فنرى هكذا نِعَمَ النّهار، والعطايا وكلّ ما فعله من أجلنا، لكي نشكره. ولنريه أيضًا تجاربنا لكي نعترف بها ونرفضها. وكما نرى، فإنّ الأمر يتعلّق بأن نفهم ما يرضي الرّبّ وما يريده هو منّا هنا والآن، في تاريخنا الحاليّ. وربّما، إذا دعمنا نظرته المُفعمة بالصّلاح، فستكون هناك أيضًا علامة من جانبه لكي نظهر له أصنامنا. تلك الّتي على مثال راحيل قد خبّأناها تحت ثنايا عباءتنا. أن نسمح للرّبّ أن ينظر إلى أصنامنا المخفيّة يجعلنا أقوياء أمامها ويجرِّدها من قوّتها. إنَّ نظرة الرّبّ تجعلنا نرى أنّنا في هذه الأصنام، في الواقع، نمجّد أنفسنا، لأنّ هناك، في هذه الفسحة الّتي نعيشها كما لو كانت حصريّة، يتدخّل الشّيطان، ويضيف عنصرًا شرّيرًا جدًّا: فهو لا يجعلنا فقط "نرضي" أنفسنا من خلال إطلاق العنان لشغف ما أو من خلال تنمية شغف آخر، ولكنّه يقودنا أيضًا إلى أن نستبدل بها، بتلك الأصنام المخفيّة، حضور الأقانيم الإلهيّة، الآب والإبن والرّوح القدس الّتي تقيم فينا. إنّه أمر يحدث بالفعل. وعلى الرّغم من أن يقول المرء لنفسه إنّه يميّز تمامًا بين ما هو الصّنم ومن هو الله، لكنّنا في الواقع ننتزع فُسحة من الثّالوث لنمنحها للشّيطان، في نوع من العبادة غير المباشرة: عبادة من يخفيه، ولكنّه يُصغي باستمرار إلى أحاديثه ويستهلك منتجاته، فلا يتبقى في النّهاية حتّى ركن لله. إنَّ الأصنام لديها شيء- عنصر- شخصيّ. عندما لا نكشف عنها القناع، وعندما لا نسمح ليسوع بأن يُرينا أنّنا فيها نحن نبحث بشكل سيّء عن أنفسنا بدون سبب وأنّنا نترك فُسحة للشّرّير لكي يتدخّل منها. علينا أن نتذكّر أنّ الشّيطان يطلب منّا أن نحقّق إرادته وأن نخدمه، ولكنّه لا يطلب منّا على الدّوام أن نخدمه ونعبده باستمرار. إنّ تلقّي العبادة من وقت لآخر يكفيه لكي يُثبِتَ أنّه سيّدنا الحقيقيّ ولكي يشعر بأنّه إله في حياتنا وفي قلوبنا.

أودّ أن أشارككم، في قدّاس تبريك الزّيوت هذا، ثلاث فسحات لعبادة الأصنام الخفيّة يستخدم فيها الشّرّير أصنامه لكي يُضعفنا في دعوتنا كرعاة، ويفصلنا شيئًا فشيئًا عن الحضور النّافع والمحبّ ليسوع والرّوح القدس والآب. تُفتح فسحة عبادة أصنام خفيّة حيث توجد روحانيّة دنيويّة، والّتي هي "اقتراح حياة، إنّها ثقافة، ثقافة الزّوال، وثقافة المظهر، والتّجميل". معيارها هو الانتصار، انتصار بلا صليب. ويسوع يصلّي لكي يدافع الآب عنّا من ثقافة الدّنيويّة هذه. إنّ هذه التّجربة للمجد بدون الصّليب تتعارض مع شخص الرّبّ، الّذي تواضع في التّجسّد والّذي، كدليل على التّناقض، هو الدّواء الوحيد ضدّ كلّ صنم. أن يكونَ المرءُ فقيرًا مع المسيح و"لأنّ المسيح قد اختار الفقر" هو منطق الحبّ وليس منطقًا آخر. وفي مقطع إنجيل اليوم، نرى كيف يضع الرّبّ نفسه في كنيسته المتواضعة وفي قريته الصّغيرة، حيث عاش طوال حياته، لكي يقوم بالإعلان عينه الّذي سيعلنه في نهاية التّاريخ، عندما سيأتي في مجده، تُحيط به الملائكة. ويجب على أعيننا أن تكون شاخصةً إلى المسيح، في حاضر تاريخ يسوع معي، كما ستكون حينها. إنّ الطّابع الدّنيويّ للبحث عن مجدنا الخاصّ يسرق منّا حضور يسوع المتواضع والمُهان، الرّبّ القريب من الجميع، المسيح الّذي يتألّم مع جميع الّذين يتألّمون، ويعبده شعبنا الّذي يعرف من هم أصدقاؤه الحقيقيّون. إنَّ الكاهن الدّنيويّ ليس أكثر من رجل دين وثنيّ.

تتجذّر فُسحة عبادة أصنام خفيّة أخرى حيث يتمّ إعطاء الأولويّة لواقعيّة الأرقام. والّذين لديهم هذا الصّنم الخفيّ يُعرفون بحبّهم للإحصاءات، تلك الّتي يمكنها أن تمحو أيّ سمة شخصيّة في المناقشة وأن تُعطي الأسبقيّة للأغلبيّة، والّتي تصبح في النّهاية معيارَ التّمييز. لا يمكن أن يكون هذا هو السّبيل الوحيد للمضيّ قدمًا ولا المعيار الوحيد في كنيسة المسيح. لا يمكن "إحصاء" الأشخاص، والله يهب الرّوح "بغير حساب". في هذا الافتتان بالأرقام، في الواقع، نحن نبحث عن أنفسنا، ونُسَرُّ بالسّيطرة الّتي يضمنها لنا هذا المنطق الّذي لا يهتمّ بالوجوه وليس منطق الحبّ. من سمات القدّيسين العظماء أنّهم يعرفون كيف يتراجعون لكي يتركوا المكان كلّه لله. هذا التّراجع، وهذا النّكران للذّات والرّغبة في أن نُنسى من قبل الآخرين هو سمة الرّوح، الّذي يفتقر إلى صورة خاصّة به لمجرّد أنّه حبٌّ صرف وهو الّذي يجعل صورة الابن تتألّق، وفيها، صورة الآب. وبالتّالي فإنّ استبدال شخصه، الّذي يحبّ "عدم الظّهور"، هو ما يهدف إليه صنم الأرقام، الّذي يجعل كلّ شيء "يظهر"، حتّى وإن كان بطريقة مجرّدة ومحسوبة.

فُسحة ثالثة لعبادة الأصنام الخفيّة، ترتبط بالسّابقة، هي تلك الّتي تُفتح بالوظيفيّة، وهي بيئة مغرية يكون فيها كثيرون، "متحمّسين لخريطة الطّريق أكثر من المسار". إنَّ الذُّهنيّة الوظيفيّة لا تسمح بالسّرِّ، بل تهدف إلى الفعاليّة. وشيئًا فشيئًا، يحلّ هذا الصّنم محلّ حضور الآب فينا. إنَّ أبانا هو الخالق، ولكنّه ليس فقط الشّخص الّذي يجعل الأشياء "تعمل" وحسب، بل هو الشّخص الّذي "يخلق" كأب، بحنان، ويأخذ على عاتقه مسؤوليّة مخلوقاته ويعمل لكي يكون الإنسان أكثر حرّيّة. إنَّ الشّخص الوظيفيّ لا يعرف كيف يفرح بالنّعم الّتي يسكبها الرّوح القدس على شعبه، والّتي يمكنه أن يغتذي منها أيضًا كعامل يكسب أجره. إنّ الكاهن ذات العقليّة الوظيفيّة لديه غذاءه الخاصّ، وهو غروره. في الوظيفيّة، نضع جانبًا عبادة الآب في الأشياء الصّغيرة والكبيرة في حياتنا، ونُسرُّ بفاعليّة برامجنا. مثل داود عندما وإذ أغراه الشّيطان، اتّخذ خطوات لإجراء الإحصاء السّكّانيّ. في هاتين الفسحتين الأخيرتين من عبادة الأصنام الخفيّة (واقعيّة الأرقام والوظيفيّة) نستبدل الرّجاء، الّذي هو فسحة اللّقاء مع الله، باعتراف اختباريّ. إنّه موقف المجد الباطل من قبل الرّاعي، وموقف يفكّك اتّحاد شعبه مع الله ويصوغ صنمًا جديدًا يقوم على الأرقام والبرامج: الصّنم "قوّتي، قوّتنا". إنّ إخفاء هذه الأصنام (بموقف راحيل) وعدم معرفة كيفيّة كشفها في الحياة اليوميّة يضرّ بأمانة عهدنا الكهنوتيّ ويجعل علاقتنا الشّخصيّة مع الرّبّ فاترة.

أيّها الإخوة الأعزّاء، يسوع هو السّبيل الوحيد لكي لا نُخطئ في معرفة ما نشعر به، وإلى ما يقودنا إليه قلبنا...؛ إنّه السّبيل الوحيد لكي نميِّز بشكل جيّد من خلال مقارنة أنفسنا به، يوميًّا، كما لو كان اليوم أيضًا يجلس في كنيستنا الرّعويّة ويُخبرنا أنّ كلّ ما سمعناه اليوم قد تحقّق. إنَّ يسوع المسيح، لكونه علامة تناقض– والّتي ليست على الدّوام شيئًا دمويًّا أو صعبًا، لأنّ الرّحمة هي علامة تناقض وأكثر من ذلك هو الحنان– إنَّ يسوع المسيح، أقول، يجعل هذه الأصنام تكشف عن نفسها، ويجعلنا نرى حضورها، جذورها وطريقة عملها، وهكذا يمكن للرّبّ أن يدمِّرها. وعلينا أن نتذكّرها ونكون متنبِّهين لكي لا يولد مجدّدًا زؤان هذه الأصنام الّتي عرفنا كيف نخفيها في ثنايا قلوبنا.

وأودّ في الختام أن أطلب من القدّيس يوسف، الأب العفيف وبدون أصنام مخفيّة، أن يحرّرنا من أيّ رغبة في التّملّك، لأنّ هذه الرّغبة، هي الأرض الخصبة الّتي تنمو فيها هذه الأصنام. وأن ينال لنا أيضًا نعمة عدم الاستسلام في المهمّة الشّاقّة لتمييز هذه الأصنام الّتي كثيرًا ما نخبّئها أو تختبئ. ونطلب منه أيضًا أنّه عندما نشكّ في كيفيّة فعل الأشياء بشكل أفضل، أن يشفع بنا لكي ينير الرّوح القدس حكمنا، كما أناره عندما حاول أن يترك مريم "في السّرّ"، لكي نعرف بنبالة قلب أن نُخضِعَ للمحبّة ما تعلّمناه بموجب الشّريعة."