الفاتيكان
04 آب 2025, 07:50

البابا لشبيبة العالم: تطلّعوا إلى القداسة ولا تكتفوا بالقليل!

تيلي لوميار/ نورسات
في ختام يوبيل الشّبيبة، ترأّس البابا لاون الرّابع عشر قدّاسًا إلهيًّا فيTor Vergata في روما، دعا خلاله الشّباب القادم إلى روما من مخلتف أنحاء العالم، إلى السّير بثقة على خطى المسيح القائم من بين الأموات، منفتحين على عطية الحياة والقداسة.

البابا وفي عظته، توجّه إلى الشّباب قائلًا بحسب "فاتيكان نيوز": أيّها الشّباب الأعزّاء، بعد عشيّة الصّلاة الّتي عشناها معًا مساء أمس، نلتقي اليوم مجدّدًا لكي نحتفل بالإفخارستيّا، سرّ العطاء الكلّيّ للذّات الّذي صنعه الرّبّ لنا. يمكننا أن نتخيّل أنفسنا نُعيد، من خلال هذه الخبرة، المسيرة الّتي قطعها تلميذا عماوي في مساء عيد الفصح: في البداية، كانا يبتعدان عن أورشليم، خائفَين ومُحبَطَين؛ كانا يغادران المدينة مقتنعَين بأنّه، بعد موت يسوع، لم يبقَ هناك شيء يتوقّعانه، ولا ما يرجوانه. ولكن، في الواقع، التقيا به، وقبِلاه كرفيق درب، وأصغيا إليه وهو يشرح لهما الكتب المقدّسة، وأخيرًا تعرّفا عليه عند كسر الخبز. حينها انفتحت أعينهما، وسكنت البشرى الفصحيّة المفرحة في قلبيهما.
إنّ اللّيتورجيا الّتي نحتفل بها اليوم لا تتحدّث مباشرة عن هذه الحادثة، لكنّها تساعدنا على التّأمّل في ما تحمله من معنى: اللّقاء مع القائم من بين الأموات الّذي يغيّر وجودنا، وينير عواطفنا ورغباتنا وأفكارنا.
إنّ القراءة الأولى، المأخوذة من سفر الجامعة، تدعونا، كما حدث مع التّلميذَين، إلى ملامسة خبرة محدوديّتنا، وفناء الأشياء الّتي تزول؛ ويأتي المزمور ليعكس هذا المعنى من خلال صورة "العشب الّذي ينبت، في الصّباح يزهر وينمو، وفي المساء يُجزّ وييبس". إنّهما دعوتان قويّتان، وقد تكونان صادمتَين قليلًا، لكن لا ينبغي أن تخيفانا، وكأنّهما من المواضيع "المحرّمة" الّتي يجب تجنّبها. فالهشاشة الّتي تتكلّم عنها القراءات، هي في الواقع جزء من الرّوعة الّتي نحن عليها. لنفكّر في رمز العشب: أليس المرج المُزهر جميلًا؟ طبعًا، فهو هشّ، مكوّن من سيقان رقيقة، ضعيفة، معرّضة للجفاف والانحناء والانكسار، لكنّها في الوقت عينه تُستبدل بسرعة بغيرها، وتتحوّل، بزوالها، إلى غذاء وسماد لتلك الّتي تأتي بعدها. هكذا يحيا الحقل: يتجدّد باستمرار، وحتّى في أشهر الشّتاء الباردة، عندما يبدو كلّ شيء ساكنًا، تخفق فيه الحياة تحت التّراب، وتتهيّأ للانفجار بألف لون في الرّبيع.
نحن أيضًا، أيّها الأصدقاء الأعزّاء، خُلقنا بهذه الطّريقة: خُلقنا لهذا. لا من أجل حياة يكون فيه كلّ شيء محسوم وثابت، بل من أجل وجود يتجدّد باستمرار بالعطاء وبالمحبّة. ولهذا نحن نتوق دائمًا إلى "ما هو أكثر"، إلى شيء لا تستطيع أن تعطينا إيّاه أيّ من مخلوقات هذا العالم؛ نحن نشعر بعطش كبير وحارق لدرجة أنّه لا يمكن لأيّ شراب أرضيّ أن يُطفئه. فلا نخدعنَّ قلوبنا بمحاولة إخماد هذا العطش من خلال بدائل عقيمة! وإنّما لنصغِ إليه! ولنحوّله إلى منصّة نصعد عليها لكي نُطلَّ، كالأطفال، واقفين على أطراف أصابعنا، من نافذة اللّقاء مع الله. سنجد أنفسنا أمامه، هو الّذي ينتظرنا، لا بل يقرع بلطف على زجاج نفوسنا. وما أجمل أن نشرّع له قلوبنا، حتّى في سنِّ العشرين، ونسمح له بالدّخول، لكي نغامر بعدها معه نحو آفاق الأبديّة واللّانهاية.
إنّ القدّيس أوغسطينوس، في خضمِّ حديثه عن بحثه العميق عن الله، كان يتساءل: "ما هو إذًا موضوع رجائنا […]؟ هل هو الأرض؟ لا. هل هو شيء من الأرض، كالذّهب أو الفضّة أو الأشجار أو المحصول أو الماء […]؟ هذه الأشياء تُعجبنا، إنّها جميلة، وهي صالحة". ثمّ كان يختم قائلًا: "ابحث عن الّذي صنعها، فهو رجاؤك". وعندما كان يتأمّل في المسيرة الّتي قطعها، كان يصلّي قائلًا: "كنتَ، يا ربّ، في داخلي، وأنا كنت في الخارج، وهناك كنت أبحث عنك […]. ناديتني، فاخترق صراخك صمتي؛ أشرقت، فبدّد نورك عماي؛ نشرت عطرك، فتنفّستُك، والآن أشتاق إليك؛ ذقتك، فجعت وعطشت؛ لمستني، فاشتعلتُ رغبةً في سلامك".
إنّها كلمات جميلة جدًّا، تذكّرنا بما قاله البابا فرنسيس في لشبونة، خلال اليوم العالميّ للشّباب، لشباب آخرين مثلكم: "كلّ واحد منّا مدعوّ لمواجهة أسئلة كبيرة، لا تملك […] إجابات مبسّطة أو فوريّة، بل تدعونا إلى خوض مسيرة، إلى تخطّي ذواتنا، إلى الذّهاب إلى أبعد […]، إلى انطلاقة لا يمكن للطّيران أن يبدأ بدونها. فلا نرتعبنَّ إذًا، إن شعرنا في داخلنا بالعطش، بالقلق، بعدم الاكتمال، وبالرّغبة في المعنى والمستقبل […]. نحن لسنا مرضى، بل نحن أحياء!".
في قلوبنا سؤال ملحّ، حاجة إلى الحقيقة لا يمكننا تجاهلها، تدفعنا لكي نسأل أنفسنا: ما هي السّعادة الحقيقيّة؟ ما هو المعنى الحقيقيّ للحياة؟ ما الّذي يمكنه أن يحرّرنا من الوقوع في فخّ العبث، والملل، والسّطحيّة؟
في الأيّام الماضية، عشتم خبرات جميلة كثيرة: التقيتم بشباب آخرين من أنحاء مختلفة من العالم ومن ثقافات متنوّعة؛ تبادلتم المعرفة، شاركتم التّطلّعات، ودخلتم في حوار مع المدينة من خلال الفنّ، والموسيقى، والتّكنولوجيا، والرّياضة. وفي "Circo Massimo"، اقتربتم أيضًا من سرّ التّوبة، ونلتم مغفرة الله، وطلبتم عونه لكي تعيشوا حياة صالحة. في هذا كلّه يمكنكم أن تكتشفوا إجابة مهمّة: كمال حياتنا لا يعتمد على ما نُكدِّسه، ولا على ما نملكه، كما سمعنا في الإنجيل، بل يرتبط بما نعرف أن نقبله بفرح ونشاركه مع الآخرين. إنّ الشّراء والتّكديس والاستهلاك ليست أمور كافية. نحن بحاجة إلى أن نرفع أبصارنا، أن ننظر إلى العلى، إلى "الأمور الّتي في العلى"، لكي ندرك أنّ كلّ شيء في هذا العالم يكتسب معنًى فقط بقدر ما يساعدنا على الاتّحاد بالله وبالإخوة في المحبّة، وينمّي فينا "عواطف الحنان واللّطف والتّواضع والوداعة والصّبر" والغفران، والسّلام، كتلك الّتي عاشها المسيح. وفي هذا الأفق، سنفهم بشكل أوضح ما معنى أنّ "الرّجاء لا يُخيّب، لأنّ محبّة الله قد أُفيضت في قلوبنا بالرّوح القدس الّذي أُعطيَ لنا".
أيّها الشّباب الأعزّاء، رجاؤنا هو يسوع. هو، كما كان يقول القدّيس يوحنّا بولس الثّاني، "الّذي يوقظ فيكم الرّغبة في أن تجعلوا من حياتكم شيئًا عظيمًا […]، لكي تحسّنوا أنفسكم والمجتمع، وتجعلوه أكثر إنسانيّة وأخوَّة". لنبقَ متّحدين به، ولنثبت في صداقته على الدّوام، من خلال تنميتها بالصّلاة، والسّجود، والمناولة الإفخارستيّة، والاعتراف المتكرّر، والمحبّة السّخيّة، كما علّمنا الطّوباويّان بييرجيورجيو فراسّاتي وكارلو أكوتيس، اللّذان سيُعلَنان قدّيسَين قريبًا. تطلّعوا إلى الأمور العظيمة، إلى القداسة، أينما كنتم. لا تكتفوا بالقليل! حينها سترَون يومًا بعد يوم نور الإنجيل ينمو فيكم ومن حولكم.
أوكلكم إلى مريم، عذراء الرّجاء. وبمعونتها، إذ تعودون في الأيّام المقبلة إلى أوطانكم، في جميع أنحاء العالم، واصلوا السّير بفرح على خطى المخلّص، وانقلوا لجميع الّذين تلتقون بهم عدوى حماسكم وشهادة إيمانكم! مسيرة مباركة!".

في ختام القدّاس الإلهيّ، وقبل تلاوة صلاة التّبشير الملائكيّ وجّه الأب الأقدس كلمة قال فيها: "إنّ الرّبّ يسوع حاضر في ما بيننا وفي داخلنا: هو "الكلّ في الكلّ" في الإفخارستيّا. وإذ نتّحد به، نريد أن نرفع "شكرًا" عظيمًا للآب على عطيّة هذه الأيّام من يوبيلكم. لقد كانت شلّالًا من النّعمة للكنيسة وللعالم أجمع! وقد تحقّق ذلك من خلال مشاركة كلّ واحد منكم. لهذا أودّ أن أشكركم واحدًا واحدًا، من كلّ قلبي.
أتذكّر بشكل خاصّ، وأُوكِل للرّبّ، ماريا وباسكال، وهما شابّتان حاجّتان، إحداهما من إسبانيا والأخرى من مصر، وقد فارقتانا خلال هذه الأيّام. وأشكر الأساقفة والكهنة والرّهبان والرّاهبات، والمربّين الّذين رافقوكم، وكذلك جميع الّذين صلّوا من أجل هذا الحدث وشاركوا فيه روحيًّا.
في شركة مع المسيح، سلامنا ورجاؤنا من أجل العالم، نقترب أكثر من أيّ وقت مضى من الشّباب الّذين يعانون من أسوأ الشّرور الّتي يتسبّب بها بشرٌ آخرون. نحن مع شباب غزّة، نحن مع شباب أوكرانيا، ومع كلّ شابّ في أرضٍ تنزف دمًا بسبب الحرب. إخوتي وأخواتي الشّباب، أنتم العلامة على أنّ عالمًا مختلفًا ممكن، عالم الأخوّة والصّداقة، حيث لا تُحلّ النّزاعات بالسّلاح، بل بالحوار.
نعم، مع المسيح هذا ممكن! مع محبّته، مع غفرانه، مع قوّة روحه. أيّها الأصدقاء الأعزّاء، إذا اتّحدتم بيسوع كما تتّحد الأغصان بالكرمة، ستثمرون ثمارًا كثيرة؛ ستكونون ملح الأرض ونور العالم؛ ستكونون بذور رجاء حيثما كنتم: في العائلة، مع الأصدقاء، في المدرسة، في العمل، وفي الرّياضة. بذور رجاء مع المسيح، رجاؤنا!
بعد هذا اليوبيل، يستمرّ "حجّ الرّجاء" الّذي يقوم به الشّباب، وسيقودنا إلى آسيا! أجدّد الدّعوة الّتي وجّهها البابا فرنسيس في لشبونة قبل عامَين: سيلتقي شباب العالم مع خليفة بطرس للاحتفال باليوم العالميّ للشّباب في سيول، في كوريا، من ٣ وحتّى ٨ آب أغسطس ٢٠٢٧. وسيكون شعار هذا اليوم: "تشجّعوا: أنا غلبتُ العالم!" (يوحنّا ١٦، ٣٣). هذا الرّجاء الّذي يسكن في قلوبنا هو الّذي يعطينا القوّة لكي نعلن انتصار المسيح القائم من بين الأموات على الشّرّ والموت. وأنتم، أيّها الشّباب، حجّاج الرّجاء، ستكونون شهودًا على هذا الرّجاء إلى أقاصي الأرض. أعطيكم إذًا موعدًا في سيول: فلنواصل الحلم معًا، ولنواصل الرّجاء معًا! ولنوكل أنفسنا إلى حماية مريم العذراء الوالديّة."
وقبل أن يعود إلى الفاتيكان، حيّا الأب الأقدس الشّباب قائلاً: "شكرًا مجدّدًا لكم جميعًا! شكرًا على الموسيقى، شكرًا لكلّ من عمل على إعداد هذا الأسبوع، على تنظيم هذا اليوبيل. لقد قلنا سابقًا إنّ اللّقاء المقبل سيكون في كوريا. أطلب منكم أن تنقلوا تحيّة أيضًا إلى جميع الشّباب الّذين لم يستطيعوا الحضور معنا هنا، في بلدان كان من المستحيل الخروج منها والمجيء لأسباب نعرفها جميعًا. إحملوا هذه الفرحة، هذا الحماس، إلى العالم أجمع. أنتم ملح الأرض، أنتم نور العالم، فاحملوا هذه التّحيّة إلى جميع أصدقائكم، إلى كلّ شابّ وشابّة يحتاجون إلى رسالة رجاء. شكرًا لكم مجدّدًا! ورحلة موفّقة."