الفاتيكان
28 تشرين الثاني 2022, 10:30

البابا فرنسيس: طوبى لنا نحن المكرَّسون إذا التزمنا بزرع السّلام

تيلي لوميار/ نورسات
الجمعيّة العامّة لاتّحاد الرّؤساء العاميّن "مدعوّون لنكون صانعي سلام"، توجّه البابا فرنسيس إلى المشاركين فيها خلال استقبالهم صباح السّبت في القصر الرّسوليّ، أكّد فيها على أهمّيّة نشر السّلام في حياة المكرّسين اليوميّة.

وفي تفاصيل الكلمة، قال الأب الأقدس بحسب "فاتكيان نيوز": "لقد تناولتم في جمعيّتكم، على أساس الرّسالة العامّة "Fratelli tutti"، موضوع "مدعوّون لنكون صانعي سلام". إنّه نداء عاجل يطالنا جميعًا، لاسيّما نحن المكرّسين: لكي نكون صانعي سلام، ذلك السّلام الّذي أعطانا الرّبّ إيّاه والّذي يجعلنا نشعر جميعًا أنّنا إخوة: "السّلام أستودعكم وسلامي أعطيكم. لا أعطي أنا كما يعطي العالم".

ما هو السّلام الّذي يعطينا إيّاه يسوع، وكيف يختلف عن السّلام الّذي يعطيه العالم؟ سلام يسوع هو أوّلاً عطيّته، ثمرة المحبّة، وهو ليس أبدًا إنجازًا من قِبل الإنسان. وإنطلاقًا من هذه العطيّة، هو التّناغم الكامل للعلاقات مع الله، مع الذّات، مع الآخرين ومع الخليقة. لذلك فإنّ سلام الله كعطيّة لا ينفصل عن كوننا بناة وشهود سلام، كما تقول الرّسالة العامّة "Fratelli tutti":"صانعي سلام مُستعدِّينَ لبدء عمليّات الشّفاء ولقاء متجدّد ببراعة وجرأة. وبالتّالي أن نصنع السّلام إذًا هو عمل يدويّ علينا أن نقوم به بشغف، وصبر، وخبرة، ومثابرة، لأنّه عمليّة تدوم في الزّمن. السّلام ليس منتجًا صناعيًّا بل هو عمل يدويّ. لا يتحقّق بشكل ميكانيكيّ، بل يتطلّب تدخّلاً حكيمًا من الإنسان. هو لا يُبنى في سلسلة، وبالتّطوّر التّكنولوجيّ فقط، ولكنّه يتطلّب تنمية بشريّة. لهذا السّبب لا يمكن تفويض عمليّات السّلام للدّبلوماسيّين أو العسكريّين: السّلام هو مسؤوليّة الجميع.

"طوبى لصانعي السّلام". طوبى لنا نحن المكرَّسون إذا التزمنا بزرع السّلام بأعمالنا اليوميّة، بمواقف وتصرّفات الخدمة والأخوّة والحوار والرّحمة؛ وإن كنّا في الصّلاة نطلب بلا انقطاع من يسوع المسيح "سلامنا" عطيّة السّلام. هكذا يمكن أن تصبح الحياة المكرّسة نبوءة لهذه العطيّة، إذا تعلّم الأشخاص المكرّسون أن يكونوا صانعي سلام، بدءًا من جماعاتهم الخاصّة، وأن يبنوا الجسور وليس الأسوار داخل الجماعة وخارجها.

يقودني هذا التّأمّل حول السّلام، أيّها الإخوة والأخوات، إلى التّفكير في جانب مميّز آخر للحياة المكرّسة: السّينودسيّة، هذه العمليّة الّتي نحن مدعوّون جميعًا لكي ندخل فيها كأعضاء في شعب الله المقدّس. وكمكرّسين نحن مدعوّين بشكل خاصّ لكي نشارك فيها، لأنّ الحياة المكرّسة هي بطبيعتها سينودسيّة، كما أنّها تملك العديد من الهيكليّات الّتي يمكنها أن تعزّز السّينودسيّة. أشكر جميع الّذين قدّموا ولا زالوا يقدّمون مساهمتهم في هذه المسيرة، على مختلف المستويات وفي مختلف مجالات المشاركة. شكرًا لكم لأنّكم تُسمعون صوتكم كمكرّسين. لكن، كما نعلم جيّدًا، لا يكفي أن تكون لدينا هيكليّات سينودسيّة وإنّما من الضّروريّ أن نعيد النّظر فيها، ونسأل أنفسنا أوّلاً: كيف يتمّ إعداد هذه الهيكليّات واستخدامها؟

في هذا السّياق، علينا أن نفحص أيضًا الطّريقة الّتي نُمارس فيها خدمة السّلطة وربّما أن نراجعها أيضًا. في الواقع، من الضّروريّ أن نسهر على خطر أن تتحوّل السّلطة إلى أشكال سلطويّة، استبداديّة في بعض الأحيان، مع انتهاكات للضّمير أو انتهاكات روحيّة تكون أيضًا أرضًا خصبة للانتهاكات الجنسيّة، بسبب غياب الاحترام للشّخص وحقوقه. كذلك، هناك خطر أن تُمارَس السّلطة كامتياز، للّذين يملكونها أو الّذين يدعمونها، وبالتّالي تصبح أيضًا كشكل من أشكال التّواطؤ بين الأطراف، بحيث يفعل كلّ فرد ما يريده معزّزًا هكذا نوعًا من الفوضى وغياب النّظام الّذي يسبّب الكثير من الضّرر للجماعة.

أتمنّى أن تُمارس خدمة السّلطة دائمًا بأسلوب سينودسيّ، مع احترام القانون الخاصّ والوساطات الّتي يوفّرها، من أجل تجنّب الاستبداد والامتيازات و"اللّامبالاة"؛ وتعزيز جوٍّ من الإصغاء والاحترام المتبادل والحوار والمشاركة والمقاسمة. يمكن للأشخاص المكرّسين، بشهادتهم، أن يساهموا كثيرًا في الكنيسة في هذه العمليّة السّينودسيّة الّتي نعيشها. شريطة أن تكونوا أوّل من يختبرها: فتسيروا معًا، وتصغوا إلى بعضكم البعض، وتقدّروا تنوُّع العطايا والمواهب، وتكونوا جماعات مضيافة. في هذا المنظور، تندرج أيضًا مسارات تقييم الجدارة والأهليّة للدّعوات، لكي يُصار إلى تجديد في الأجيال على رأس المعاهد بأفضل طريقة ممكنة، وبدون ارتجال.

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء أشكركم على هذا اللّقاء! أتمنّى لكم أن تسيروا قدمًا في خدمتكم بسلام وثمار، وأن تكونوا صانعي سلام. لترافقكم العذراء مريم. أبارككم جميعًا من كلِّ قلبي، وأسألكم من فضلكم أن تصلّوا من أجلي."