الفاتيكان
26 كانون الأول 2019, 06:55

البابا فرنسيس في قدّاس العيد: في الميلاد نكتشف بدهشة أنّ الرّبّ هو كلّ المجّانيّة الممكنة وكلّ الحنان الممكن

تيلي لوميار/ نورسات
غمرت الأجواء الميلاديّة البازيليك الفاتيكانيّة خلال قدّاس ليلة العيد ترأّسه البابا فرنسيس، مساء الثّلاثاء، وألقى خلاله عظة توقّف فيها عند القراءات الّتي تمّ الاستماع إليها مشيرًا بداية إلى ما جاء في سفر أشعيا (9، 1) "المقيمون في بُقعة الظّلامِ أشرقَ عليهم النّور"، وقال نقلاً عن "فاتيكان نيوز":

"إن هذه النّبوءة في القراءة الأولى قد تحقّقت في الإنجيل: فبينما كان الرّعاة يتناوبون السّهرَ في اللّيل على رعيَّتهم "أشرقَ مجدُ الرّبِّ حولَهم" (لوقا 2، 9). في ليل الأرض ظهر نور من السّماء. ماذا يعني هذا النّور الّذي ظهر في الظّلمة؟ إنّ بولس الرّسول يقول لنا "قد ظهرت نعمةُ الله". نعمة الله الّتي هي "ينبوع الخلاص لجميع النّاس" (طيطس 2، 11) غمرت العالم في هذه اللّيلة. وما هي هذه النّعمة؟ إنّها المحبّة الإلهيّة، المحبّة الّتي تغيّر الحياة، تجدّد التّاريخ، تحرّر من الشّرّ وتنشر السّلام والفرح. في هذه اللّيلة ظهرت محبّة الله لنا: يسوع. في يسوع، صار الله طفلاً كي نعانقه. إنّ عيد الميلاد يذكّرنا بأنّ الله يواصل محبّة كلّ إنسان، حتّى الأسوأ. ويقول لي ولكَ ولكلّ واحد منّا اليوم "أنا أحبُّكَ وسأحبّك دائمًا، أنت ثمين في عيني". إنّ الله لا يحبّك لأنّك تفكّر بشكل سليم وتتصرّف بشكل جيّد. هو ببساطة يحبّك. فمحبّته غير مشروطة. محبّته لا تتغيّر. هذه هي العطيّة الّتي نجدها في عيد الميلاد: نكتشف بدهشة أنّ الرّبّ هو كلّ المجانيّة الممكنة وكلّ الحنان الممكن.

"لقد ظهرت نعمة الله". إنّ النّعمة مرادف للجمال. في هذه اللّيلة، في جمال محبّة الله، نكتشف مجدّدًا جمالنا لأنّنا محبوبون من الله. إنّ "الفرح العظيم" الّذي بُشّر به الرّعاة هذه اللّيلة هو "لكلّ الشّعب". وفي ظلمة الحياة، يقول لنا الله كما قال لهم "لا تخافوا" (لوقا 2، 10). تشجّعوا، لا تفقدوا الثّقة والرّجاء، ولا تظنّوا أنّ المحبّة هي إضاعة للوقت! هذه اللّيلة، انتصرت المحبّة على الخوف، وظهر رجاء جديد، نور الله العذب تغلّب على ظلمات التّعجرف البشريّ. أيّتها البشريّة، الله يحبّك، وصار من أجلك إنسانًا، لست بعد وحيدة! ماذا نفعل أمام هذه النّعمة؟ شيء واحد فقط: نقبل العطيّة. لننظر إلى الطّفل يسوع وندع حنانه يغمرنا. السّؤال في عيد الميلاد هو: أأدع الله يحبّني؟ أأستسلم لمحبّته الّتي تأتي لتخلّصني؟ إنّ عطيّة عظيمة كهذه تستحقّ امتنانًا كبيرًا، وإنّ استقبال النّعمة يعني معرفة أن نشكر. لكن حياتنا تمرّ غالبًا بعيدًا عن الامتنان. إنّ اليوم هو اليوم الملائم لنقترب من بيت القربان، من المغارة، من المذود لنرفع الشّكران. نقبل العطيّة الّتي هي يسوع، كي نصبح عطيّة مثل يسوع. أن نصبح عطيّة يعني إعطاء معنى للحياة. وهي الطّريقة الأفضل لتغيير العالم: نحن نتغيّر، الكنيسة تتغيّر، التّاريخ يتغيّر عندما نبدأ لا بالرّغبة في تغيير الآخرين بل أنفسنا، جاعلين من حياتنا عطيّة. إنّ يسوع يُظهر لنا ذلك هذه اللّيلة، هو أعطانا ذاته مجّانًا. ونحن أيضًا لا ينبغي أن ننتظر كي يصبح القريب صالحًا لنفعل الخير له، وأن تكون الكنيسة كاملة لكي نحبّها، وأن يقدّرنا الآخرون لكي نخدمهم. لنبدأ نحن. هذا هو قبول عطيّة النّعمة. وليست القداسة إلّا الحفاظ على هذه المجانيّة.

هناك حكاية جميلة تروي أنّه عند ولادة يسوع، أسرع الرّعاة إلى المغارة ومعهم هدايا عديدة. حمل كلّ واحد ما كان لديه، من ثمار عمله، أو شيئًا ثمينًا. وفيما كان الجميع يقدّم بسخاء، كان هناك راع لم يكن معه شيء. كان فقيرًا جدًّا، لم يكن لديه ما يقدّمه. وفيما كانوا يتبارون في تقديم هداياهم، كان واقفًا جانبًا بخجل. وفي لحظة، وجد القدّيس يوسف ومريم العذراء صعوبة في تلقّي كلّ هذه الهدايا الكثيرة وخصوصًا مريم الّتي كان عليها أن تحمل الطّفل. وإذ رأت ذاك الرّاعي فارغ اليدين، طلبت منه الاقتراب، ووضعت يسوعَ بين يديه. فأدركَ ذاك الرّاعي أنّه نال ما لا يستحقّ، وأنّ بين يديه أعظم عطيّة في التّاريخ. فنظرَ إلى يديهِ، تلك اليدين اللّتين بدتا له دائمًا فارغتين: أصبحتا مهد الله. شعَر بأنّه محبوب، وتخطّى الخجل وبدأ يُري يسوع للآخرين، لأنّه لم يستطع أن يحتفظ لنفسه بعطيّة العطايا. إذا بدت لك يداك فارغتين، إذا رأيتَ أن قلبك يفتقر إلى المحبّة، هذه اللّيلة هي لك. لقد ظهرت نعمةُ الله لكي تشّع في حياتك، اقبلها وسيسطع فيك نور عيد الميلاد".