الفاتيكان
08 آذار 2019, 15:00

البابا فرنسيس لإكليروس أبرشيّة روما: عيشوا خدمة المصالحة بين الله والبشر

كعادته السّنويّة لمنح رتبة التّوبة التّقليديّة في بداية الصّوم، إلتقى البابا فرنسيس أعضاء إكليروس أبرشيّة روما ومنحهم سرّ الاعتراف لبعض الكهنة، ليختتم اللّقاء بكلمة شدّد فيها على معنى الصّوم والمغفرة، فقال بحسب "فاتيكان نيوز":

 

"علينا المثابرة في تحذير بعضنا البعض من تجربة الاكتفاء الذّاتيّ والرّضا الذّاتيّ كما ولو أنّنا أصبحنا شعب الله بفضل مبادرتنا الخاصّة أو لاستحقاقاتنا وقد إنعكس هذه الأمر علينا وهو ليس لصالحنا. ينبغي علينا أن تتمحور حياتنا حول الرّبّ ونعترف أنّنا شعبه لأنّه خلال حياته على الأرض قال لنا: "بدوني لا يمكنكم أن تفعلوا شيئًا."وسلّط البابا الضّوء "عمل الرّبّ الكبير الذي يحوّل مجموعة أشخاص إلى شعب الله: عمل مصالحة صبور، أسلوب تربية حكيم يهدّد من خلاله من جهة ويعزّي من جهة أخرى فيجعلهم يدركون تبعات الشّرّ الذي تمَّ ارتكابه وينسّي الخطيئة"، داعيًا "لعدم الخوف من لحظات اليأس الرّوحيّ، كذلك الذي عاشه شعب إسرائيل، أيّ من عيش غياب الله المؤقّت كعطيّة رافضين أيّة درب بديلة والأصنام. لكنّ الرّبّ فائق الذّكاء! والمصالحة التي يريد أن يقدّمها للشّعب ستكون درسًا سيتذكّره الإسرائيليّون إلى الأبد. إنّ الله يتصرّف كحبيب مرفوض: إن كنتَ لا تريدني فسأذهب! ويتركنا لوحدنا. صحيح أنّه يمكننا أن نتدبّر أمورنا لوحدنا لفترة، ستة أشهر أو سنة أو ربّما سنتين أو أكثر، ولكن نصل إلى مرحلة ينفجر فيها كلّ شيء، إن سرنا وحدنا سينفجر هذا الاكتفاء الذّاتيّ وهذا الرّضا بالنّفس في العزلة". وإستطرد البابا ليتحدّث عن كاهن يعرفه فقال: "كان ناجحًا وغالبًا ما كان رؤساؤه يرسلونه ليحلّ المشاكل في الجماعات الرّاعويّة ولكنّه كان مكتفيًا بذاته ومتعبِّدًا للإله المرآة إلى أن منحه الله نعمة عيش اليأس ليفهم أنّ الوقت الذي أضاعه في البحث عن اكتفائه الذّاتيّ تركه وحيدًا. عندها بكي وانطلق مجددًا في حياته بتواضع"، حاثًّا الإكليروس "على طلب نعمة الدّموع وعلى اختبار "الحزن السّليم" لغياب الله الذي يكون ليعود ويمنحنا نعمة حضوره ويسلّط الضّوء على التغيّرات الإيجابيّة لكلّ خبرة أليمة، على مثال شعب إسرائيل، كما يصف سفر الخروج، الذي اكتسب نضجًا جديدًا وأصبح أكثر تنبّهًا في فهم المخاطر الحقيقيّة في المسيرة.

أن نخاف قليلاً من أنفسنا ومن قدرتنا ومن دهائنا وألعابنا المزدوجة، وعلينا أن نخاف من هذه الأمور أكثر من خوفنا من الحيّات لأنّها سمّ حقيقيّ... وهكذا اجتمع الشّعب حول موسى وحول كلمة الله التي أعلنها لهم. إنّ خبرة الخطيئة وخبرة مغفرة الله هما ما سمح لشعب إسرائيل أن يصبح الشّعب الذي ينتمي إلى لله.

وعن الاعتراف بالخطيئة التي غالبًا ما نخفيها لا عن الله فقط وإنّما عن الكاهن وعن أنفسنا أيضًا إذ قد أصبحنا خبراء في تجميل الأوضاع، علينا أن نغسل مواد التّجميل هذه لنرى أنّنا لسنا جميلين كما نتصوّر ولكن لا يجب أن نيأس لأن الله شفوق ورحوم."

وسأل البابا الكهنة والأساقفة "أن يعظوا خلال زمن الصّوم عن محبة الله الشّغوفة وغيرته التي يشعر بهما تجاه شعبه وأن يكونوا أيضًا مدركين لدور الكنيسة في تقديم خدمة سخيّة في عمل مصالحة الله؛ وتشجيعهم على الحوار الصّريح مع المسيح. وألّا يعتبروا أنفسهم مدبّرين للشّعب بل خدّامًا لا يقبلون الفساد، يتّحدون مع الإخوة والجماعة مستعدّين للكفاح مع الشّعب."

وإستنكر البابا "موقف الكهنة الذين يتكلّمون بالسّوء للأسقف عن أبناء رعاياهم وجميع الشّرور التي تشوّه صورة الكنيسة"، فقال "إنَّ الخطيئة تشوّهنا ونختبر بأنفسنا بألم هذه الخبرة المهينة عندما نقع أو يقع أحد إخوتنا الكهنة أو الأساقفة في هاوية الفساد أو الجريمة التي تدمّر حياة الآخرين. أشعر بالحاجة لأقاسمكم الألم والعذاب اللّذان تسببهما فينا وفي الجسم الكنسّي موجّة الفضائح التي امتلأت بها صحف العالم. من الواضح أنَّه علينا أن نبحث عن المعنى الحقيقيّ لكلّ ما يحصل في روح الشّرّ، العدوّ الذي يعمل في هدف أن يسيطر على العالم. لا يجب أن نفقد الشّجاعة! إن الرّبّ ينقّي عروسته وهو يردّنا إليه. يجعلنا نختبر المحن لكي نفهم أنّنا لا شيء بدونه؛ هو ينقذنا من الرّياء ومن روحانيّة الظّهور. إنّ الله ينفخ روحه ليعيد الجمال لعروسته ولكنّ التّوبة أساسيّة لا بل هي بداية قداستنا" فطلب من كهنة روما "ألّا يخافوا من المخاطرة في خدمة المصالحة بين الله والبشر بالرّغم من أنّه يمكن لحياة الكاهن أن تكون غالبًا مطبوعة بعدم التّفهّم والألم وأحيانًا بالاضّطهادات والخطايا. إنَّ الجّراح بين الإخوة في جماعتنا، وعدم قبول كلمة الإنجيل واحتقار الفقراء والاستياء الذي تغذّيه مصالحات لم تتم والفضيحة التي سبّبتها تصرّفات بعض إخوتنا، جميع هذه الأمور يمكنها أن تمنعنا من النّوم وأن تتركنا في العجز. ولكن علينا أن نؤمن بقيادة الله الصّبورة الذي يقوم بالأمور في وقتها وأن نوسِّع قلوبنا ونضع أنفسنا في خدمة كلمة المصالحة."

وإختتم البابا فرنسيس تأمّله متمنّيًا على "أعضاء إكليروس أبرشيّة روما طلب المغفرة من الله والإخوة عن جميع الخطايا التي هدّدت الشّركة الكنسيّة وخنقت الدّيناميكيّة الرسوليّة"، قائلًا "كونوا أنتم أوّل من يطلب المغفرة، كما في السّماء كذلك على الأرض، لكي نعيش زمن صوم مطبوع بالمحبّة ونجيب على جميع أشكال الفقر ونعضد المحتاجين."