الفاتيكان
17 كانون الثاني 2022, 13:30

البابا فرنسيس: لا يمكن للمسيحيّ أن يفكّر في رسالته على الأرض من دون أن يتصوّرها كمسيرة قداسة

تيلي لوميار/ نورسات
هذا ما أكّده البابا فرنسيس في كلمته إلى مشاركين في المجمع العامّ لرهبانيّة "Chierici Regolari Teatini" خلال استقبالهم السّبت في الفاتيكان، مركّزًا كلماته حول القداسة والقدّيسين.

وفي هذا السّياق، قال البابا بحسب "فاتيكان نيوز": "أرحّب بكم بمناسبة مجمعكم العامّ الرّابع والسّتّين بعد المائة. كم هي طويلة المسيرة خلف هذا العدد، وكم هو طويلة المسافة الّتي سرتموها مع عناية الله! وبالتّالي كم يجب أن يكون امتناننا عظيمًا!

في الموضوع الّذي يوجّه أعمالكم خلال هذه الأيّام، الكلمة البارزة هي الرّسالة. أقدّر هذا الخيار، الّذي يتماشى مع التّوجّه الأساسيّ للكنيسة، والّذي طبع به الرّبّ القائم من بين الأموات ديناميكيّة "الخروج" من أجل حمل البشارة، الّتي تشمل كلّ مسيحيّ وكلّ جماعة. وبالنّسبة لكم، بشكل خاصّ، تقترن هذه الدّيناميكيّة بموهبة القدّيس "Gaetano Thiene" والمؤسّسين، والّتي يمكننا تلخيصها كأخوّة كهنوتيّة رسوليّة، متجذّرة بقوّة في الحياة الرّوحيّة وفي محبّة ملموسة مع المحتاجين.

في حياة القدّيس"Gaetano Thiene" - كما في حياة العديد من القدّيسين والقدّيسات الآخرين- يذهلنا أن نرى كيف تحدث في مرحلة معيّنة "قفزة نوعيّة"، والّتي نفضّل، من منظور بيبيليّ، أن نطلق عليها تسمية "دعوة في إطار الدّعوة"، أو "ارتداد ثان". إنّها مسألة الانتقال من حياة صالحة ومُحترمة إلى حياة مقدّسة، مليئة بذلك "الأكثر" الّذي يأتي من الرّوح القدس. وهذه القفزة النّوعيّة لا تجعل الحياة الشّخصيّة لذلك الرّجل أو تلك المرأة تنمو فحسب، وإنّما حياة الكنيسة أيضًا. وهذا ما "يصلحها" بمعنى ما، وينقّيها ويظهر جمالها الإنجيليّ.

يمكننا ويجب علينا دائمًا أن نشير إلى هذه الشّهادة، إلى هذا "الإنجيل الحيّ" لكي نمضي قدمًا في مسيرتنا الشّخصيّة والجماعيّة، مدركين تمامًا أنّه لا يمكن للمسيحيّ أن يفكّر في رسالته على الأرض من دون أن يتصوّرها كمسيرة قداسة. يوضح لنا القدّيس "Gaetano Thiene" أيضًا أنّ "كلّ قدّيس هو رسالة". كلّ قدّيس وقدّيسة هو مشروع من الآب لكي يعكُسَ ويُجسّد، في مرحلة معيّنة من التاريخ، جانبًا من جوانب الإنجيل.

والمطلوب منّا ليس الاقتداء بالمعنى الحرفيّ- لأنَّ الشّخص الّذي يجب علينا جميعًا أن نتشبّه به في الواقع هو فقط يسوع المسيح- وإنّما أن نأخُذ من ذلك القدّيس أو تلك القدّيسة "الطّريقة"، إذا جاز التّعبير، والدّيناميكيّة الرّوحيّة الّتي عاش بها الإنجيل، ونسعى لترجمتها في سياقنا الحاليّ. هذا أيضًا ما اقترحتموه على أنفسكم مع الهدف العامّ لمجمعكم وأقتبس: "تحديث موهبة القدّيس "Gaetano Thiene" للرّدّ على التّحدّيات الحاليّة إنطلاقًا من هويّتنا".

وأوّل هدف محدّد يشير إلى الهويّة. وبالطّبع، لا يجب أن أُعلِّمكم شيئًا حول هذا الموضوع. أريد فقط أن أُسلِّط الضّوء على جانب أساسيّ من شهادة القدّيس: " "Gaetano Thieneعلى الإصلاح أن يبدأ من ذواتنا. عندما جاء إلى روما للعمل في الكوريا الرّومانيّة، لاحظ للأسف التّدهور الرّوحيّ والأخلاقيّ المنتشر؛ وماذا فعل؟ أثناء قيامه بعمله المكتبيّ، كان يتردّد إلى كنيسة الحبّ الإلهيّ، حيث كان يعزّز الصّلاة والتّنشئة الرّوحيّة؛ ويذهب بعدها إلى المستشفى لمساعدة المرضى. هذه هي الدّرب: أن نبدأ بذواتنا لكي نعيش الإنجيل بعمق وصدق أكبر. إنَّ جميع القدّيسين يدلّوننا على هذه الدّرب. إنّهم المصلحون الحقيقيّون للكنيسة. أو بالأحرى: الرّوح القدس هو الّذي يصوغ الكنيسة ويصلحها، ويقوم بذلك من خلال كلمة الله ومن خلال القدّيسين، الّذين يطبّقون الكلمة في حياتهم.

أمّا هدفكم الثّاني المحدّد هو الشّركة. هنا أيضًا، بالنّظر إلى القّديس  "Gaetano Thiene"، نرى أنّ الرّوح القدس لم يدفعه للعمل بمفرده والسّير في مسيرة فرديّة. لا. بل دعاه لكي يكوِّن جماعة من الإكليريكيّين، لكي يعيشوا الإنجيل وفقًا لأسلوب حياة الرّسل. في الإرشاد الرّسوليّ "إفرحوا وابتهجوا"، ذكرت بعض "الجماعات القدّيسة" الّتي "عاشت الإنجيل ببطولة". ويمكننا بالتّأكيد أن نضيف إليها جماعة مؤسّسيكم. ولكن عادة ما تتكوّن الحياة المسيحيّة في العائلات والجماعات الدّينيّة من العديد من التّصرُّفات اليوميّة. إنّ الجماعة الّتي تحفظ تفاصيل الحبّ الصّغيرة، والّتي يعتني فيها الأعضاء ببعضهم البعض ويُشكّلون فُسحة مفتوحة ومُبشِّرة، هي مكان لحضور القائم من بين الأموات الّذي يقدّسها بحسب مخطّط الآب.

وختامًا، إنّ الهدف الثّالث الّذي تقترحونه على أنفسكم هو الرّسالة: "تمييز علامات الأزمنة لكي تعلنوا ملكوت الله وتعيشوه بين البشر". وفقًا لموهبة التّأّسيس، فإنّ رسالتكم ليست للأُمَم. لقد بشّر القدّيس "Gaetano Thiene"، روما والبندقيّة ونابولي، وقد قام بذلك بشكل خاصّ من خلال شهادة الحياة وأعمال الرّحمة، وممارسة "البروتوكول" العظيم الّذي تركه لنا يسوع في مثل الدّينونة الأخيرة، في إنجيل متّى الفصل الخامس والعشرين. فقد خدم مع رفاقه ونمّوا تلك الكنيسة "المستشفى الميدانيّ" الّتي نحتاج إليها نحن اليوم أيضًا. أشجّعكم على المضي قدمًا على خطاهم، بالطّاعة للرّوح القدس، وبدون مخطّطات قاسية، وإنّما راسخين في الأمور الأساسيّة: الصّلاة، والعبادة، والحياة المشتركة، والمحبّة الأخويّة، والفقر، وخدمة الفقراء. وجميع هذه الأمور بقلب رسوليّ، والقلق السّليم والإنجيليّ للبحث أوّلاً وقبل كلّ شيء عن ملكوت الله.

أيّها الإخوة الأعزّاء، كما تعلمون، من بين المدن الّتي بشّر بها القدّيس "Gaetano Thiene" هناك أيضًا بوينس آيرس! ويحظى هناك عيد هذا القدّيس، في السّابع من آب أغسطس، بمشاركة شعبيّة كبيرة، فيكرّمه ويصلّون إليه كـ"شفيع الخبز والعمل". إلى شفاعته وشفاعة العذراء مريم، أوكل مسيرتكم، وأبارككم مع جميع إخوتكم وأبارك التزامكم في الشّركة والرّسالة؛ ورجاء لا تنسوا أن تُصلّوا من أجلي!".