الفاتيكان
10 أيلول 2021, 06:30

البابا فرنسيس للمرسلين أبناء قلب مريم الطّاهر: إسمحوا للرّبّ أن يلهبكم بمحبّته

تيلي لوميار/ نورسات
"أنتم مرسلون: إذا كنتم تريدون أن تكون رسالتكم مثمرة حقًّا، فلا يمكنكم أن تفصلوا الرّسالة عن التّأمّل وعن حياة حميمة مع الرّبّ. إذا كنتم تريدون أن تكونوا شهودًا فلا يمكنكم التّوقّف عن كونكم مُتعبِّدين". بهذه الكلمات توجّه البابا فرنسيس إلى زوّاره في الفاتيكان من المشاركين في المجمع العامّ للمرسلين أبناء قلب مريم الطّاهر قائلاً نقلاً عن "فاتيكان نيوز":

"إنَّ موضوع مجمعكم العامّ هو "متجذّرون وشجعان". متجذّرون في يسوع، وهذا الأمر يفترض حياة صلاة وتأمّل تقودكم لكي تكونوا قادرين على أن تقولوا مثل أيّوب: "بِسَمعِ الأُذُنِ قَد سَمِعتُ عَنكَ، وَالآنَ رَأَتكَ عَينِي". حياة صلاة وتأمّل تسمح لكم بالتّحدّث، كأصدقاء، وجهًا لوجه مع الرّبّ. حياة صلاة وتأمّل تسمح لكم بالتّأمّل في المرآة، الّتي هي المسيح، لكي تصبحوا بدوركم مرآة للآخرين.

أنتم مرسلون: إذا كنتم تريدون أن تكون رسالتكم مثمرة حقًّا، فلا يمكنكم أن تفصلوا الرّسالة عن التّأمّل وعن حياة حميمة مع الرّبّ. إذا كنتم تريدون أن تكونوا شهودًا فلا يمكنكم التّوقّف عن كونكم مُتعبِّدين. شهود ومُتعبِّدون كلمتان موجودتان في جوهر الإنجيل: "فأَقامَ مِنهُمُ اثنَي عَشَرَ لِكَي يَصحَبوه، فيُرسِلُهم يُبَشِّرون". بُعدان يغذّيان بعضهما البعض، ولا يمكن أن يتواجد أحدهما بدون الآخر.

"إنَّ ابن قلب مريم الطّاهر هو شخص يتّقد بالمحبّة ويحرق أينما حلَّ" هكذا تقول قوانينكم، نقلاً عن الأب كلاريه. إسمحوا للرّبّ أن يلهبكم بمحبّته لكي تُشعلوا بدوركم أينما حللتم نار المحبّة الإلهيّة. ليكن الله ضمانتكم الوحيدة. هذا الأمر سيسمح لكم أن تكونوا رجالاً رجاء، رجاء لا يخيِّب، رجاء لا يعرف الخوف، لأنّه يعلم أنّه في هشاشتنا تظهر قوّة الله. وإذ أستعين بقوانينكم مرّة أخرى أقول لكم: "لا تسمحوا لأيّ شيء أن يخيفكم أو يرهبكم". لا تخافوا من ضعفكم. لكن خافوا نعم من الوقوع في "انفصام الشّخصيّة" الرّوحيّ، في دنيويّة روحيّة تحملكم على الوثوق فقط بـ"عرباتكم" و"خيولكم"، وقوّتكم، وعلى أن تعتقدوا أنكّم أفضل من غيركم وتسعوا بهوس إلى الرّفاهيّة والسّلطة. لا ترتاحوا لهذا المنطق الدّنيويّ الّذي سيجعل الإنجيل، أيّ يسوع، يتوقّف عن كونه المعيار التّوجيهيّ لحياتكم وخياراتكم الإرساليّة. لا يمكنكم أن تتعايشوا مع روح العالم وتدّعوا بأنّكم تخدمون الرّبّ. وجّهوا حياتكم بناءً على قيم الإنجيل. لا تستخدموا الإنجيل أبدًا كأداة أو كإيديولوجيا وإنّما كدليل واسمحوا بأن تقودكم على الدّوام الخيارات الإنجيليّة والرّغبة الشّديدة في اتّباع يسوع والتّشبُّه به في الصّلاة، والتّعب، وفي البحث عن مجد الله وخلاص النّفوس على الدّوام. أسّسوا حياتكم على المسيح، لكي تتمكّنوا من أن تقولوا مع بولس: "فما أَنا أَحْيا بَعدَ ذلِك، بلِ المسيحُ يَحْيا فِيَّ".

هذا التّوجّه سيجعلكم شُجعان في الرّسالة، كما كانت شجاعة رسالة الأب كلاريه والمرسلون الأوائل الّذين انضموا إليه. إنَّ الحياة المكرّسة تتطلّب الشّجاعة وتحتاج إلى مُسنّين يقاومون شيخوخة الحياة، وشباب يقاومون شيخوخة الرّوح. هذه القناعة ستقودكم لكي تخرجوا وتنطلقوا وتذهبوا إلى حيث لا يريد أحد أن يذهب، هناك حيث يكون نور الإنجيل ضروريًّا، ولكي تعملوا جنبًا إلى جنب مع النّاس. لا يمكن لرسالتكم أن تكون "عن بعد"، وإنّما عن قرب. في الرّسالة، لا يمكنكم أن تكتفوا بالنّظر والمراقبة عن بعد؛ لا يمكنكم أن تكونوا مجرّد متفرّجين على الواقع، وإنّما شاركوا فيه لكي تغيّروا وقائع الخطيئة الّتي قد تجدونها على دربكم. لا تكونوا خاملين وسلبيّين في مواجهة المآسي الّتي يعيشها العديد من معاصرينا، بل كافحوا من أجل الكرامة البشريّة واحترام الحقوق الأساسيّة للشّخص البشريّ. إسمحوا لكلمة الله وعلامات الأزمنة أن يلمسوكم، وفي ضوء الكلمة وعلامات الأزمنة، أعيدوا قراءة تاريخكم، وموهبتكم، وتذكّروا أنّ الحياة المكرّسة هي كالماء، إن لم تجرِ تفسد. لتُزل عنّا الكلمة وعلامات الأزمنة الخمول والمخاوف الّتي تمنعنا، إذا لم ننتبه، من أن نعيش في الأوقات والظّروف الّتي تتطلّب حياة مكرّسة جريئة وشجاعة، حياة رهبانيّة حرّة، متحرِّرة ومُحرِّرة.

آمل، أيّها الإخوة الأعزّاء، أن يساعدكم هذا المجمع العامّ على أن تركِّزوا على ما هو أساسيّ: يسوع، وأن تضعوا ضماناتكم فيه وحده هو الخير والخير الأعظم والضّمانة الحقيقيّة. أعتقد أنّه يمكن لهذا أن يكون أحد أفضل ثمار هذا الوباء الّذي أثار الكثير من التّساؤلات حول ضماناتنا الكاذبة. آمل أيضًا أن يكون هذا المجمع العامّ قد دفعكم لكي تركِّزوا على العناصر الأساسيّة الّتي تحدّد الحياة المكرّسة اليوم: التّكرّس، الّذي يقدِّر العلاقة مع الله؛ الحياة الأخويّة في الجماعة، الّتي تعطي الأولويّة لعلاقة أصيلة مع الإخوة؛ والرّسالة الّتي تقودكم إلى الخروج والانطلاق، للتّخلّص من تركيزنا على ذواتنا والذّهاب للقاء الآخرين، ولاسيّما الفقراء، لكي تقودوهم إلى يسوع."