البابا فرنسيس: لنتأمّل بالمغارة..
واضاف أنّه "عندما نتحدّث عن الرّجاء غالبًا ما نشير إلى ما هو ليس بسلطة الإنسان وما هو غير مرئي. إنّ ما نرجوه في الواقع يذهب أبعد من قوانا ونظرنا. لكن ميلاد المسيح، وإذ يفتتح الفداء، يحدثنا عن رجاء مختلف، عن رجاء جدير بالثقة، مرئيّ ومفهوم لأنّه مؤسّس على الله. هو يدخل إلى العالم ويعطينا القوّة لنسير معه: الله يسير معنا في يسوع ونحن نسير معه نحو ملء الحياة، ويعطينا القوّة أيضًا لنُقيم بأسلوب جديد في الحاضر بالرغم من التعب. فالرجاء بالنسبة للمسيحي إذًا يعني اليقين بأننا في مسيرة مع المسيح نحو الآب الذي ينتظرنا. إن الرجاء لا يتوقّف أبدًا بل يسير على الدوام ويجعلنا نسير. هذا الرجاء الذي يمنحنا إياه طفل بيت لحم يقدّم هدفًا ومصيرًا جيدًا للحاضر والخلاص للبشريّة والطوبى للذي يتّكل على الله الرحيم. يلخّص القديس بولس هذا كلّه بعبارة "لأَنَّنا في الرَّجاءِ نِلنا الخَلاص" (روما ٨، ٢٤)، أي ننال الخلاص عندما نسير في هذا العالم برجاء. وهنا يمكن لكل واحد منا أن يسأل نفسه: هل أسير برجاء أم أن حياتي الداخليّة تراوح مكانها ومنغلقة؟ هل قلبي هو صندوق مُغلق أم هو صندوق منفتح على الرجاء الذي يجعلني أسير مع يسوع".
ولفت البابا فرنسيس إلى أنه وخلال زمن المجيء، يتمّ وضع المغارة في بيوت المسيحيين بحسب التّقليد الذي يعود إلى القديس فرنسيس الأسّيزي. ببساطتها تنقل المغارة الرّجاء؛ وكل شخص فيها يغوص في هذا الجو من الرّجاء، مضيفًا: "نلاحظ أولاً المكان الذي ولد فيه يسوع: بيت لحم. قرية صغيرة في اليهوديّة حيث ولد لألف سنة خلَت داود الراعي الصغير الذي اختاره الله ملكًا على إسرائيل. بيت لحم ليست عاصمة ولذلك فضّلتها العناية الإلهيّة التي تعمل من خلال الصغار والوضعاء. في ذاك المكان ولد "ابن داود" المُنتظر، يسوع الذي يلتقي فيه رجاء الله ورجاء الإنسان".
وتابع الأب الأقدس: "ننظر إلى مريم أمّ الرجاء. بالـ "نعم" التي قالتها فتحت لله باب عالمنا: قلبها كشابة كان مليئًا بالرجاء وكان يحرّكها الإيمان، وهكذا اختارها الله وهي آمنت بكلمته. تلك التي ولتسعة أشهر كانت تابوت العهد الجديد والأبدي، هي تتأمل الطفل في المغارة وترى فيه محبة الله الذي يأتي ليخلّص شعبه والبشريّة بأسرها. بالقرب من مريم نجد يوسف من نسلِ يسّى وداود، هو أيضًا قد آمن بكلمات الملاك وبالنظر إلى يسوع في المذود يتأمّل بالطفل الآتي من الروح القدس وبأنّ الله نفسه قد أمر بأن يسمّيه "يسوع". في ذاك الاسم نجد الرجاء لكلّ إنسان لأنّه من خلال ابن المرأة ذاك سيخلّص الله البشريّة من الموت والخطيئة؛ لذلك من الأهميّة بمكان أن نتأمّل بالمغارة!"
وأضاف: "نجد في المغارة أيضًا الرّعاة الذين يمثلون المتواضعين والفقراء الذين كانوا ينتظرون المسيح، "الفَرَجَ لإِسرائيل" (لوقا ٢، ٢٥) و"افتِداءَ أُورَشَليم" (لوقا ٢، ٣٨). في ذاك الطفل يرون تحقيق الوعود ويرجون بأن يبلغ خلاص الله كلّ واحد منهم. إن الذي يثق بضماناته الخاصة، لاسيما الماديّة، لا ينتظر خلاص الله، لنتذكّر على الدوام أن ضماناتنا البشريّة لن تُخلِّصنا أبدًا، أما الضمانة الوحيدة التي ستخلّصنا فهي الرجاء بالله؛ تخلّصنا لأنّها قويّة وتجعلنا نسير في الحياة بفرح وبالرغبة بصنع الخير وبأن نكون سعداء للأبد. أما الصغار، كالرعاة، فيثقون بالله ويرجون به ويفرحون عندما يرون في ذاك الطفل العلامة التي أشار إليها الملائكة. ومن أعلى السماء أعلن جوق الملائكة المخطط الكبير الذي سيحقّقه ذاك الطفل: "المَجدُ للهِ في العُلى! والسَّلامُ في الأَرضِ لِلنَّاسِ فإنَّهم أَهْلُ رِضاه!" (لوقا ٢، ١٤). إن الرجاء المسيحي يظهر في التمجيد والشكر لله الذي افتتح ملكوته، ملكوت المحبّة والعدالة والسلام".
وتابع البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعي بالقول أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء بتأمّلنا بالمغارة خلال هذه الأيام نستعدُّ لميلاد الرب. سيكون عيدًا بالفعل إن قبلنا يسوع بذرة الرجاء التي يضعها الله في أخاديد تاريخنا الشخصي والجماعي. إن كلّ "نعم" ليسوع الذي يأتي هي برعم رجاء! لنثق إذًا ببرعم الرجاء هذا وبهذه الـ "نعم" ليسوع: "نعم يا يسوع أنت قادر أن تخلّصني!"، خاتمًا: "أتمنى لكم جميعًا ميلادًا مجيدًا مُفعمًا بالرّجاء!"