الفاتيكان
31 تشرين الأول 2022, 07:30

البابا فرنسيس: ليغيّر الله القلوب العنيفة!

تيلي لوميار/ نورسات
"أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، بينما نحتفل بانتصار المسيح على الشّرّ والموت، نصلّي من أجل ضحايا الهجوم الإرهابيّ الّذي أودى بحياة أكثر من مائة شخص، من بينهم العديد من الأطفال، في مقديشو. ليغيِّر الله القلوب العنيفة! ونصلّي إلى الرّبّ القائم من بين الأموات أيضًا من أجل الّذين- ولاسيّما الشّباب- ماتوا اللّيلة الماضية في سيول، بسبب العواقب المأساويّة لازدحام مفاجئ."

على هذه النّيّة دعا البابا فرنسيس إلى الصّلاة ظهر الأحد، بعد تلاوة صلاة التّبشير الملائكيّ، متضامنًا بذلك مع سكّان مقديشو وسيول في مأساتهم.

البابا فرنسيس، وقبل الصّلاة، ألقى كلمة روحيّة أكّد فيها أنَّ "نظرة الله لا تتوقّف أبدًا عند ماضينا المليء بالأخطاء، بل تنظر بثقة لامتناهية إلى ما يمكننا أن نصبح"، فقال بحسب "فاتيكان نيوز": "يروي الإنجيل الّذي تقدّمه لنا اللّيتورجيا اليوم اللّقاء بين يسوع وزكّا، رئيس العشّارين في مدينة أريحا. وفي محور هذه الرّواية نجد بحثًا. "جاءَ زكّا يُحاوِلُ أَن يَرى مَن هُوَ يَسوع"؛ ويسوع، بعد أن التقاه أكّد: "إنَّ ابنَ الإِنسانِ جاءَ لِيَبحَثَ عَنِ الهالِكِ فَيُخَلِّصَه". لنتوقّف عند هاتين النّظرتين اللّتين تبحثان عن بعضهما البعض: نظرة زكّا الّذي يبحث عن يسوع ونظرة يسوع الّذي يبحث عن زكّا.

أوّلاً نظرة زكا. إنّه عشّار أيّ من أولئك اليهود الّذين كانوا يجمعون الضّرائب نيابة عن الحكّام الرّومان، ويستغلّون مناصبهم. لهذا السّبب، كان زكّا غنيًّا، يكرهه الجميع، وينظرون إليه كخاطئ. ويقول النّصّ إنّه "كان قَصيرَ القامَة"، وربّما يشير هذا أيضًا إلى وضاعته الدّاخليّة، إلى حياته الوضيعة، غير النّزيهة، بنظره الموجّه دائمًا إلى أسفل. ومع ذلك، أراد زكّا أن يرى يسوع. "فَتَقَدَّمَ مُسرِعًا– يقول الإنجيل– وَصَعِدَ جُمَّيزَةً لَيَراه، لِأَنَّهُ أَوشَكَ أَن يَمُرَّ بِها". لقد شعر زكّا، في وضاعته، بالحاجة إلى أن يبحث عن نظرة أخرى، نظرة المسيح. لم يكن يعرفه، ولكنّه كان ينتظر من يخلّصه من حالته، ليخرجه من المستنقع الّذي كان فيه. وهذا أمر أساسيّ: يعلّمنا زكّا أنَّ لا شيء مصيره الهلاك في الحياة أبدًا. يمكننا دائمًا أن نفسح المجال للرّغبة في البدء من جديد، والانطلاق مجدّدًا والارتداد.

حاسم في هذا المعنى الجانب الثّاني: نظرة يسوع، الّذي أرسله الآب لكي يبحث عن الضّالّين. وعندما وصل إلى أريحا، مر بجوار الشّجرة الّتي صعدها زكّا. يروي الإنجيل أنّ "يسوع رَفَعَ طَرفَهُ، وَقالَ لَهُ: "يا زَكّا انزِل عَلى عَجَل، فَيَجِبُ عَلَيَّ أَن أُقيمَ اليَومَ في بَيتِكَ". إنّها صورة جميلة جدًّا، لأنّه إذا كان على يسوع أن يرفع نظره، فهذا يعني أنّه ينظر إلى زكّا من الأسفل. هذا هو تاريخ الخلاص: إنَّ الله لم ينظر إلينا من فوق ليذلّنا ويديننا. بل على العكس، تنازل لكي يغسل أقدامنا، وينظر إلينا من الأسفل ويعيد إلينا كرامتنا. وهكذا، يبدو أن تشابك النّظرات بين زكّا ويسوع يلخّص تاريخ الخلاص بأكمله: البشريّة ببؤسها تبحث عن الفداء، ولكن وبشكل خاصّ الله يبحث برحمة عن خليقته لكي يخلّصها.

أيّها الإخوة والأخوات، لنتذكّر هذا على الدّوام: إنَّ نظرة الله لا تتوقّف أبدًا عند ماضينا المليء بالأخطاء، بل تنظر بثقة لامتناهية إلى ما يمكننا أن نصبح. وإذا شعرنا أحيانًا بأنّنا أناس قصيري القامة، ولا نصل إلى مستوى تحدّيات الحياة ولا حتّى الإنجيل، وبأنّنا عالقين في المشاكل والخطايا، فإنّ يسوع ينظر إلينا دائمًا بحب: وكما هو الحال مع زكّا، يأتي للقائنا ويدعونا باسمائنا وإذا قبلناه يأتي إلى بيتنا. لذلك يمكننا أن نسأل أنفسنا: كيف ننظر إلى أنفسنا؟ هل نشعر بعدم الكفاءة ونستسلم، أو عندما نشعر بالحزن بالتّحديد، هل نسعى للقاء يسوع؟ ومن ثمَّ: ما هي نظرتنا تجاه الّذين خطؤوا ويكافحون لكي ينهضوا من غبار أخطائهم؟ هل هي نظرة من فوق، تدين وتحتقر وتستبعد؟ لكن علينا نحن المسيحيّين أن ننظر إلى المسيح الّذي يعانق من الأسفل ويبحث عن الضّالّين برأفة. هذه هي نظرة الكنيسة، وهكذا يجب أن تكون على الدّوام.

لنرفع صلاتنا إلى العذراء مريم الّتي نظر الرّبّ إلى تواضعها ولنسألها نعمة أن نتحلّى بنظرة جديدة على أنفسنا وعلى الآخرين".

بعد الصّلاة، حيّا البابا فرنسيس المؤمنين المحتشدين في ساحة القدّيس بطرس وقال: "بالأمس في ميديلين، كولومبيا، تمّ إعلان تطويب ماريا برنيس دوكي هنكر، مؤسّسة راهبات البشارة الصّغيرات. إنَّ حياتها الطّويلة، الّتي انتهت عام ١٩٩٣، قد بذلتها بالكامل في خدمة الله والإخوة، ولاسيّما الصّغار والمُستبعدين. لتعزّز غيرتها الرّسوليّة، الّتي دفعتها لكي تحمل رسالة يسوع إلى ما وراء حدود بلدها، في الجميع الرّغبة في المشاركة، بالصّلاة والمحبّة، في نشر الإنجيل في العالم.

لا ننسينَّ، من فضلكم، في صلواتنا وفي ألم قلوبنا، أوكرانيا المعذّبة. لنصلِّ من أجل السّلام ولا نكلَّنَّ أبدًا من القيام بذلك!".