الفاتيكان
16 آب 2022, 06:30

البابا فرنسيس: مريم تمسك بأيدينا وترافقنا نحو المجد

تيلي لوميار/ نورسات
أطلّ البابا فرنسيس، ظهر الإثنين، في عيد انتقال السّيّدة العذراء، من على شرفة مكتبه الخاصّ في القصر الرّسوليّ في الفاتيكان، تاليًا مع المؤمنين صلاة التّبشير الملائكيّ، لافتًا إلى أنّ مريم العذراء تُظهر لنا اليوم أنّ السّماء بمتناولنا وهي تمسك بأيدينا وترافقنا نحو المجد.

وللمناسبة، ألقى الأب الأقدس كلمة قال فيها بحسب "فاتيكان نيوز": "أيّها الأخوة والأخوات الأعزّاء، في عيد انتقال السّيّدة العذراء يقترح علينا الإنجيل الحوار الّذي دار بين مريم ونسيبتها أليصابات. عندما دخلت مريم إلى بيت أليصابات وألقت عليها التّحيّة، قالت لها نسيبتها "مباركة أنت بين النّساء، ومباركة ثمرة بطنك". إنّ هذه الكلمات المفعمة بالإيمان والفرح والدّهشة أصبحت لاحقًا جزءًا من صلاة "السّلام عليكِ يا مريم". ففي كلّ مرّة نتلو فيها هذه الصّلاة الجميلة والمعروفة جدًّا، نفعل ما فعلته أليصابات: نحيي مريم، ونباركها لأنّها تحمل لنا يسوع.  

إنّ مريم قبلت بركة أليصابات وجاوبتها بنشيد، هو هديّة لنا وللتّاريخ، نشيد "تعظّم نفسي الرّبّ"، الّذي يمكن أن نصفه بـ"نشيد الرّجاء". إنّه نشيد تسبيح وغبطة حيال الأمور العظيمة الّتي صنعها الرّبّ فيها، بيد أنّ مريم ذهبت أبعد من ذلك: فقد تأمّلت بعمل الله وسط تاريخ شعبه كلّه. فقالت، على سبيل المثال، إنّ الرّبّ "أَنْزَلَ الأَعِزَّاءَ عَنِ الْكَرَاسِيِّ وَرَفَعَ الْمُتَّضِعِينَ. أَشْبَعَ الْجِيَاعَ خَيْرَاتٍ وَصَرَفَ الأَغْنِيَاءَ فَارِغِينَ" (لوقا ١: ٥٢-٥٣). عندما نسمع هذه الكلمات يمكننا أن نتساءل: ألا تبالغ العذراء ربّما في وصفها عالمٍ غير موجود؟ إنّ ما قالته لا يتلاءم مع الواقع على ما يبدو، فعندما تكلّمت لم ينزل الأعزّاء عن الكراسي، فقد ظلّ الملك هيرودس المخيف على عرشه راسخًا. والجياع والفقراء ظلّوا على حالهم، فيما استمرّ الأغنياء في الازدهار.  

ما هو معنى نشيد مريم إذًا؟ فهي لم تشأ أن تسرد علينا تسلسل الأحداث الزّمنيّة، ليست صحفيّة، بل أرادت أن تقول شيئّا أكثر أهمّيّة: أيّ أنّ الله، من خلالها، دشّن نقطة تحوّل تاريخيّة، فقد أقام نظامًا جديدًا ونهائيًّا للأشياء. فهي الصّغيرة والمتواضعة رُفعت، وانتقلت إلى المجد السّماويّ، وهو العيد الّذي نحتفل به اليوم، فيما مصير أغنياء العالم هو أن يبقوا فارغي الأيدي. فكّروا بمثل الرّجل الغنيّ الّذي كان يتواجد أليعازر الفقير أمام باب بيته، أين انتهى؟ فارغ اليدين. لقد أعلنت العذراء تغيّرًا جذريًّا، وانقلابًا في القيم. وإذ كانت تخاطب أليصابات فيما كانت تحمل يسوع في أحشائها، استبقت كلمات ابنها، عندما قال "طوبى للفقراء والمتواضعين" محذّرًا الأغنياء والّذين يعتمدون على كفايتهم الذّاتيّة. لقد تنبّأت العذراء، من خلال هذا النّشيد وهذه الصّلاة، تنبّأت بأنّ ما سيتفوّق ليس السّلطة والنّجاح والمال، إنّما الخدمة والتّواضع والمحبّة. وإذ ننظر إليها في المجد، ندرك أنّ السّلطة الحقيقيّة هي الخدمة، وأنّ المُلك هو المحبّة. وهذه هي درب السّماء.  

بإستطاعتنا أن نسائل أنفسنا: إنّ هذا الانقلاب الّذي أعلنته مريم هل يعني حياتي؟ هل أؤمن أنّ الحبّ هو الملك والخدمة هي السّلطة؟ وأنّ هدف حياتي هي السّماء، والفردوس؟ أم أنّني أهتمّ فقط بالعيش الهنيء هنا، وبالأمور الأرضيّة والمادّيّة؟ وعندما أشاهد أحداث العالم هل أقع في فخّ التّشاؤم، أم على مثال العذراء مريم، أعرف كيف أستشفّ عمل الله، الّذي ينجز أمورًا كثيرة من خلال التّواضع والصّغر؟ إنّ مريم العذراء تُنشد اليوم الرّجاء وتضيئه بداخلنا: فيها نرى هدف مسيرتنا، إنّها المخلوقة الأولى الّتي انتصرت وبلغت السّماء بالنّفس والجسد. إنّها تُظهر لنا أنّ السّماء هي بمتناولنا جميعًا إن لم نستسلم للخطيئة، وإن سبّحنا الله بتواضع وخدمنا الآخرين بسخاء. ويمكن أن يقول أحد ما إنّه ضعيف، بيد أنّ الرّبّ قريب منه دومًا، لأنّه رحوم. نمط الرّبّ هو القرب والرّأفة والحنان، وهو قريب منّا على الدّوام بنمطه هذا. والدتنا، تمسك بأيدينا، وترافقنا نحو المجد، وتدعونا إلى الفرح مفكّرين بالفردوس. لنبارك مريم بصلواتنا ولنطلب منها لفتة تساعدنا على رؤية السّماء على هذه الأرض."  

بعد تلاوة صلاة التّبشير الملائكيّ، حيّا البابا المؤمنين الحاضرين في السّاحة الفاتيكانيّة ومن تابعوه عبر الإذاعة والتّلفزيون ووسائل التّواصل الاجتماعيّ. ثمّ تمنّى للكلّ عيدًا سعيدًا، خاصًّا بالذّكر من يمضون فترة من الرّاحة والنّقاهة، فضلاً عن المرضى والأشخاص الوحيدين، ذاكرًا من يقدّمون الخدمات الّتي لا غنى عنها خلال هذه الأيّام. ثمّ لفت إلى أنّ العديد من أهالي روما والحجّاج يزورون اليوم بازيليك القدّيسة مريم الكبرى، حيث يوجد تمثال العذراء ملكة السّلام، والّذي وضعه البابا بندكتس الخامس عشر.  

ودعا في الختام الجميع إلى طلب شفاعة العذراء مريم كي يهب الله العالم السّلام، طالبًا من الكلّ الصّلاة على نيّة الشّعب الأوكرانيّ بصورة خاصّة. ثمّ تمنّى للجميع عيدًا سعيدًا وسألهم أن يصلّوا من أجله.