الفاتيكان
01 تموز 2020, 05:00

البابا فرنسيس: نحن بحاجة لوسائل إعلام تبني جسورًا وتدافع عن الحياة

تيلي لوميار/ نورسات
أكّد البابا فرنسيس على حاجة العالم إلى وسائل إعلام قادرة أن تبني جسورًا وتدافع عن الحياة، في رسالة وجّهها إلى المشاركين "افتراضيًّا" في مؤتمر الإعلام الكاثوليكيّ السّنويّ الّذي تنظّمه جمعيّة الصّحافة الكاثوليكيّة، وقد جاء في نصّها نقلاً عن "فاتيكان نيوز":

"هذا العامّ وللمرّة الأولى في التّاريخ تعقد جمعيّة الصّحافة الكاثوليكيّة مؤتمرها السّنويّ بشكل افتراضيّ بسبب الوضع الصّحّيّ الحاليّ. إسمحوا لي أوّلاً أن أعبّر عن قربي من الّذين أُصيبوا بالفيروس، والّذين بالرّغم من الخطر بذلوا كلَّ ما بوسعهم ولا زالوا يلتزمون من أجل مساعدة إخوتنا وأخواتنا عند وقت الحاجة.

إنّ الموضوع الّذي اخترتموه لهذا العامّ "Together While Apart" يعبّر بشكل كبير عن معنى الوحدة الّذي ظهر من خبرة التّباعد الاجتماعيّ الّذي فرضه الوباء. لقد تأمّلتُ في رسالة العام الماضي لليوم العالميّ لوسائل التّواصل الاجتماعيّ حول الطّريقة الّتي تسمح لنا فيها وسائل التّواصل أن نكون، كما يقول القدّيس بولس "أعضاء لبعضنا البعض"، مدعوّون لكي نعيش الشّركة داخل شبكة علاقات في توسّع مستمرّ. حقيقة وبسبب الوباء تمكّنا من أن نعرف قيمتها بشكل أكبر. في الواقع إنّ خبرة هذه الأشهر الأخيرة قد أظهرت كم هي جوهريّة رسالة وسائل الإعلام في الحفاظ على وحدة الأشخاص وتقليص المسافات وتقديم المعلومات الضّروريّة وفتح الأذهان والقلوب على الحقيقة.

إنّ هذا الإدراك بالذّات قد حمل إلى ولادة أوّل صحافيّين كاثوليك في بلادكم بالإضافة إلى التّشجيع المستمرّ الّذي قدّمه رعاة الكنيسة. يظهر هذا الأمر بوضوح في حالة صحيفة " Catholic Miscellany" الّتي نشرها عام 1822 في تشارلزتاون المطران جون إنغلاند وتبعتها بعدها العديد من الصّحف والمجلّات. واليوم كما فيما مضى تحتاج جماعاتنا للصّحف والإذاعة والتّلفاز ووسائل التّواصل الاجتماعيّة لكي تتقاسم وتتواصل وتُعطي معلومات وتوحّد.

على الشّعار "pluribus unum"، مثال الوحدة في الاختلاف في شعار الولايات المتّحدة الأميركيّة أن يُلهم أيضًا الخدمة الّتي تقدّمونها للخير العامّ. هذه الحاجة هي ملحّة جدًّا اليوم أيضًا في مرحلة مطبوعة بالنّزاعات والمصالح الّتي لا يسلم منها أحد حتّى الجماعة الكاثوليكيّة. ولذلك نحن بحاجة لوسائل إعلام قادرة على أن تبني جسورًا وتدافع عن الحياة وتحطّم الجدران المرئيّة وغير المرئيّة الّتي تمنع الحوار الصّادق والتّواصل الحقيقيّ بين الأشخاص والجماعات. نحن بحاجة لوسائل إعلام يمكنها أن تساعد الأشخاص ولاسيّما الشّباب لكي يميّزوا الخير من الشّرّ ويكوِّنوا أحكامًا صحيحة تقوم على تقديم واضح وغير جزئيّ للحقائق، ولكي يفهموا أهمّيّة الالتزام في سبيل العدالة والوفاق الاجتماعيّ واحترام البيت المشترك. نحن بحاجة لرجال ونساء مبادئ يحمون التّواصل من كلّ ما بإمكانه أن يشوّهه أو يخضعه لأهداف أخرى.

أسألكم إذًا أن تكونوا متّحدين وعلامة للوحدة حتّى فيما بينكم. يمكن لوسائل الإعلام أن تكون كبيرة أو صغيرة ولكن هذه الفئات لا تهمُّ في الكنيسة. جميعنا قد عُمِّدنا في الكنيسة بواسطة الرّوح القدس الواحد وجُعلنا أعضاء لجسد واحد، وكما هي الحال في كلِّ جسد، غالبًا ما تكون أصغر الأعضاء هي الضّروريّة. وكذلك أيضًا في جسد المسيح. كلُّ فرد منكم أينما كان هو مدعوّ لكي يساهم من خلال إعلان الحقيقة في المحبّة في نموّ الكنيسة نحو النّضوج الكامل في المسيح.

نعرف أنّ التّواصل ليس فقط مسألة كفاءة مهنيّة. إنّ العامل الحقيقيّ في مجال التّواصل يكرّس ذاته بالكامل لراحة الآخرين على جميع المستويات من حياة كلِّ فرد إلى حياة العائلة البشريّة بأسرها. لا يمكننا أن نتواصل حقًّا ما لم نلتزم في الدّرجة الأولى وما لم نؤكّد شخصيًّا على حقيقة الرّسالة الّتي ننقلها. كل عمليّة تواصل تجد مصدرها في حياة الله الواحد والثّالوث الّذي يتقاسم معنا غنى حياته الإلهيّة ويطلب منّا بدورنا أن ننقل هذا الكنز للآخرين متّحدين في خدمة حقيقته.

أيّها الأصدقاء الأعزّاء، أستمطر عليكم وعلى عمل مؤتمركم مواهب الرّوح القدس، مواهب الحكمة والفهم والمشورة الصّالحة، لأنّه وحدها نظرة الرّوح القدس تسمح لنا بألّا نغمض أعيننا إزاء الّذين يتألمون وبأن نبحث عن الخير الحقيقيّ من أجل الجميع. بهذه النّظرة فقط يمكننا أن نعمل بشكل فعّال لكي نتخطّى أمراض التّمييز العنصريّ والظّلم واللّامبالاة الّتي تشوِّه وجه عائلتنا المشتركة. من خلال تفانيكم وعملكم اليوميّ يمكنكم أن تساعدوا الآخرين لكي يتأمّلوا الأوضاع والأشخاص بعيني الرّوح القدس؛ وحيث غالبًا ما يتكلّم عالمنا بصفات وظروف ليتكلّم الصّحافيّون المسيحيّون بأسماء تعترف بالمطالبة الصّامتة بالحقيقة وتشجّعها وتعزّز الكرامة البشريّة. وحيث ما يرى العالم نزاعات وانقسامات أنظروا إلى الألم والفقراء لكي تعطوا صوتًا لطلب إخوتنا وأخواتنا المعوزين للرّحمة والتّفهّم.

لقد احتفلت الكنيسة أمس بعيد الرّسولين بطرس وبولس؛ ليحفظكم جميعًا روح الشّركة مع أسقف روما– والّذي شكّل على الدّوام علامة مميّزة للصّحافة الكاثوليكيّة في بلادكم–  متّحدين في الإيمان وأقوياء إزاء الأساليب الثّقافيّة الزّائلة الّتي لا تحمل رائحة الحقيقة الإنجيليّة. نستمرّ في الصلاة معًا من أجل المصالحة والسّلام في العالم وأؤكِّد دعمي وصلاتي لكم ولعائلاتكم وأسألكم من فضلكم أن تذكروني في صلواتكم."