العالم
27 تشرين الثاني 2025, 14:44

البابا في أوّل خطاب له في أنقرة: لتكون تركيا مصدر استقرار وتقارب بين الشّعوب

تيلي لوميار/ نورسات
عقب الاستقبال الرّسميّ والزّيارة الخاصّة للرّئيس التّركيّ رجب طيب إردوغان وزيارة ضريح كمال أتاتورك في أنقرة، التقى البابا لاوُن الرّابع عشر، في القصر الرّئاسيّ في العاصمة التّركيّة أنقرة، رئيس البلاد وممثّلي السّلطات وأعضاء السّلك الدّبلوماسيّ.

وأمام الحضور، ألقى البابا لاون الرّابع عشر خطابه الأوّل خلال هذه الزّيارة، موجّها في بدايتها الشّكر للجميع على حسن الاستقبال معربًا عن سعادته لبدء الزّيارة الرّسوليّة الأولى في حبريّته في هذا البلد مشيرًا إلى أنّ هذه الأرض ترتبط بشكل وثيق بأصول المسيحيّة وهي اليوم تدعو أبناء إبراهيم والبشريّة بأسرها إلى أخوّة تعترف بالاختلافات وتثمّنها.

توقّف الأب الأقدس بعد ذلك، بحسب "فاتيكان نيوز"، عند "الثّراء الثّقافيّ والفنّيّ والرّوحيّ لهذا البلد والّذي يذكّرنا بأنّه حين تلتقي أجيال وتقاليد وأفكار مختلفة تتشكّل حضارات كبيرة يلتحم فيها التّقدّم والحكمة في وحدة. وإن كان صحيحًا أنّ تاريخ البشريّة يتضمّن قرونًا من النّزاعات وأنّ العالم حولنا تُزعزع استقراره طموحات واختيارات تدوس العدالة والسّلام، إلّا أنّه وأمام التّحدّيات فالكون شعبًا بمثل هذا التّاريخ العظيم هو في الوقت ذاته هبة ومسؤوليّة".

ثمّ عاد البابا إلى شعار زيارته حيث يظهر جسر مضيق الدّردنيل، وقال: "إنّ هذه الصّورة تُعبِّر بوضوح عن الدّور الخاصّ لتركيا". وتحدّث عن المكانة الهامّة لهذا البلد في حاضر ومستقبل منطقة المتوسّط والعالم بكامله وذلك بشكل خاصّ بفضل تثمين التّنوّع الدّاخليّ. وأضاف البابا "إنّ هذا الجسر وقبل أن يربط بين آسيا وأوروبا، بين الشّرق والغرب، فإنّه يربط تركيا بذاتها حيث يجمع مناطق البلاد المختلفة جاعلًا منها تقاطع طرق". وأضاف أنّ "أيّ بلد يصبح حيًّا مع التّعدّديّة لأنّ ما يجعله مجتمعًا متحضّرًا هي الجسور الّتي تجمع بين سكّانه".

هذا وأراد البابا لاوُن الرّابع عشر التّأكيد على رغبة المسيحيّين في الإسهام بشكل إيجابيّ في وحدة هذا البلد، "فهم يشعرون بأنفسهم جزءًا من الهويّة التّركيّة الّتي ثمَّنها كثيرًا البابا يوحنّا الثّالث والعشرون والّذي تصفونه بالبابا التّركيّ"، قال الأب الأقدس، "وذلك نظرًا للصّداقة العميقة الّتي ربطته بشعبكم". وذكَّر البابا هنا بعمل سلفه حين كان نائبًا للّاتين في اسطنبول وموفدًا رسوليًّا في تركيا واليونان في الفترة من ١٩٣٥ حتّى ١٩٤٥ كي لا يستبعد الكاثوليك أنفسهم من تطوّر الجمهوريّة التّركيّة الجديدة. ثمّ ذكَّر البابا لاوُن الرّابع عشر بثقافة اللّقاء الّتي كان البابا فرنسيس يتحدّث عنها كثيرًا وذلك في مواجهة ما كان يصفها بعولمة اللّامبالاة داعيًا إلى الشّعور بألم الآخرين والإصغاء إلى صرخة الفقراء وصرخة الأرض."

توقّف البابا لاوُن الرّابع عشر بعد ذلك عند أهمّيّة العدالة والرّحمة والعطف والتّضامن واصفًا إيّاها بمعايير حقيقيّة للتّنمية. وأضاف أنّ في مجتمع للدّين فيه دور مرئيّ مثل المجتمع التّركيّ من الجوهريّ تكريم كرامة وحرّيّة أبناء الله جميعًا، فجميعنا أبناء الله، شدّد الأب الأقدس مضيفًا أنّ هذا له تبعات شخصيّة واجتماعيّة وسياسيّة. وتابع أنّ مَن يطيعون بقلوبهم مشيئة الله يعزّزون الخير العامّ واحترام الجميع، ووصف البابا هذا بتحدٍّ يجب أن يشكّل السّياسات المحلّيّة والعلاقات الدّوليّة خاصّة أمام التّطوّرات التّكنولوجيّة الّتي يمكنها أن تزيد من الظّلم بدلًا من الإشهام في هزيمته. وأشار الأب الأقدس في هذا السّياق إلى الذّكاء الاصطناعيّ وتبعاته المحتملة داعيًا إلى العمل معًا على تغيير وجهة التّطوّر وإصلاح الضّرر الّذي أصاب بالفعل وحدة عائلتنا البشريّة.

ثمّ انطلق الأب الاقدس من هذا التّعبير ليتحدّث عن العائلة فأشار إلى أهمّيّتها في المجتمع التّركيّ وشدّد على الحاجة الضّروريّة إلى مبادرات لدعم مركزيّة العائلة. ثمّ توقّف عند الثّقافة الفردانيّة وأكّد أنّ فقط معًا يمكننا أن نكون أنفسنا بالفعل، وأنّ فقط بالمحبّة تتعمّق حياتنا الدّاخليّة وتتقوّى هويّتنا. وكرّر البابا هنا الحديث عن أهمّيّة العائلة وشدّد مجدّدًا على ضرورة دعم العائلة وأيضًا دعم إسهام النّساء في ازدهار الحياة الاجتماعيّة.

هذا وواصل قداسة البابا راجيًا أن تكون تركيا مصدر استقرار وتقارب بين الشّعوب في خدمة سلام عادل ودائم. ثمّ أكّد أنّ قيام أربعة بابوات قبله بزيارة تركيا يعني أنّ الكرسيّ الرّسوليّ لا فقط يحتفظ بعلاقات جيّدة مع الجمهوريّة التّركيّة بل ويرغب أيضًا في التّعاون في بناء عالم أفضل بإسهام هذا البلد. وشدّد الأب الأقدس على حاجتنا اليوم أكثر من أيّ وقت مضى إلى أشخاص يعزّزون الحوار بإرادة قويّة وصبر مثابر. وأشار قداسته إلى أنّنا نعيش حاليًّا حقبة تشهد ما وصفها البابا فرنسيس بحرب عالميّة ثالثة مجزّأة، وأشار إلى أنّ ما على المحكّ هو المستقبل مشيرًا إلى سلب آليّات التّدمير الموارد والطّاقة من التّحدّيات الّتي على العائلة البشريّة مواجهتها معًا، وفي طليعتها السّلام، مكافحة الجوع والفقر، الصّحّة، التّعليم وحماية الخليقة.

ثمّ ختم البابا لاؤُن الرّابع عشر مؤكّدًا رغبة الكرسيّ الرّسوليّ بقوّته، الّتي هي روحيّة وأخلاقيّة فقط، في التّعاون مع جميع الأمم الّتي تهتمّ بالتّنمية المتكاملة لكلّ شخص، وواصل داعيًا إلى السّير معًا في الحقيقة والصّداقة واثقين بتواضع في معونة الله."