كندا
26 تموز 2022, 09:30

البابا لممثّلي الشّعوب الأصليّة وأعضاء الجماعة الرّعويّة: إنّ مسيرة شفاء ناجعة تتطلّب أعمالاً ملموسة

تيلي لوميار/ نورسات
"الآن أنا عندكم في بيتكم، صديقًا وحاجًّا في أرضكم، في بيت الله الّذي تجتمعون فيه إخوة وأخوات، لتُسبّحوا الله". هي كلمات البابا فرنسيس في مستهلّ اللّقاء الّذي جمعه في كنيسة القلب الأقدس في إدمونتون- كندا، عصر الإثنين، بممثّلي الشّعوب الأصليّة وأعضاء الجماعة الرّعويّة، في إطار زيارته الرّسوليّة إلى البلاد، أعرب خلاله سروره لتواجده معهم.

البابا الّذي أكّد في كلمته إلى أنّ مسيرة شفاء ناجعة تتطلّب أعمالاً ملموسة، واصل قائلاً نقلاً عن "فاتيكان نيوز": "يسرّني أن أرى أنّ العمل بدأ في هذه الرّعيّة، الّتي تجمع أشخاصًا من جماعات مختلفة من الفيرست نيشين والميتيس والإنويت (First Nations, Métis e Inuit)، جنبًا إلى جنب مع أشخاص من غير السّكّان الأصليّين من الأحياء المحلّيّة، والعديد من الإخوة والأخوات المهاجرين. هنا بيت للجميع، مفتوح وشامل الكلّ، تمامًا كما يجب أن تكون الكنيسة، عائلة أبناء الله حيث الضّيافة والتّرحيب أمر أساسيّ، وهي القيم المميّزة في ثقافة الشّعوب الأصليّة: وحيث يجب أن يشعر كلّ واحد أنّه مرحَّب به، بغضّ النّظر عن الأحداث الماضية وظروف الحياة الفرديّة. كما وشكر البابا الجميع على قربهم من الكثير من الفقراء بصورة عمليّة من خلال أعمال المحبّة. وذكَّر بأنّ هذا ما يريده يسوع الّذي قال لنا "كلّما صنعتم شيئًا من ذلك لواحد من إخوتي هؤلاء الصّغار، فلي قد صنعتموه" (متّى 25، 40).

ثمّ أشار البابا فرنسيس إلى أنّه في الكنيسة أيضًا يختلط الزّؤان مع القمح الجيّد، وبسبب هذا الزّؤان بالتّحديد، قال قداسته، أردتُ أن أقوم بحجّ التّوبة هذا. وذكَّر بأنّه بدأ هذا صباحًا بتذكّر ما تعرّض له السّكّان الأصليّون على يد مسيحيّين كثيرين، وبطلب المغفرة بألم. وتابع مؤكّدًا ألمه حين يفكّر في أنّ الكاثوليك ساهموا في سياسات الاستيعاب الّتي فرضت الإحساس بالدّونيّة. كما وتحدّث قداسته عن سلب الجماعات والأشخاص هويّاتهم الثّقافيّة والرّوحيّة وقطع جذورهم وتغذية تصرّفات تقوم على الأحكام المسبقة والتّفرقة. كما وأعرب البابا فرنسيس عن الألم لكون هذا قد حدث بإسم التّربية الّتي يُفترض أنّها مسيحيّة، وشدّد على أنّ التّربية يجب أن تنطلق دائمًا من احترام وتعزيز ما لدى الأشخاص من مواهب. ليست التّربية أبدًا ولا يمكن أن تكون شيئًا يٌفرض، قال البابا، لأنّها مغامرة استكشاف مشترك لسرّ الحياة. وأراد الأب الأقدس توجيه شكر خاصّ على العمل الّذي قام به الأساقفة كي يتمكّن من المجيء إلى هنا وكي تتمكنّوا أنتم من المجيء إلى هنا، قال قداسته. توقّف البابا فرنسيس بعد ذلك عند المصالحة فقال إنّه يريد تقاسم بعض التّأمّلات حول هذه الكلمة. وواصل أنّ المصالحة الّتي صنعها يسوع لم تكن اتّفاقيّة سلام خارجيّة، أيّ حلّ وسط من أجل إرضاء الجميع، كما ولم تمكن سلامًا نزل من السّماء مفروضًا من الأعلى أو مصالحة تهدف إلى المماثلة. وذكَّر الأب الأقدس بحديث بولس الرّسول عن أنّ يسوع يصالح بالجمع، جاعلاً من واقعين بعيدين واقعًا واحدًا، شيئًا واحدًا، شعبًا واحدًا، وذلك من خلال الصّليب. يصالح يسوع بيننا من على الصّليب، من شجرة الحياة حسب ما كان المسيحيّون القدامى يحبّون تسمية الصّليب.

ثمّ تطرّق البابا فرنسيس إلى من يحملون في داخلهم جراحًا أليمة، وأضاف أنّه يتخيّل مشقّة رؤية آفاق مصالحة لدى مَن عانى بشكل رهيب بسبب رجال ونساء كان عليهم أن يقدّموا شهادة للحياة المسيحيّة. وتحدّث البابا عن أنّ لا شيء يمكنه أن يمحو الكرامة المنتهَكة أو السّوء الّذي تعرّض له الشّخص أو الثّقة الّتي خُيّبت، كما ويجب ألّا تُمحى مشاعر الخجل لدينا نحن المؤمنين. ولكن يجب الانطلاق مجدّدًا، ولهذا يقترح علينا يسوع لا كلمات، بل الصّليب، تلك المحبّة. الطّريق الّذي يجب اتّباعه إذًا هو النّظر معًا إلى المسيح، المحبّة الّتي صُلبت من أجلنا، النّظر إلى يسوع الّذي صُلب في الكثير من طلّاب المدارس الدّاخليّة، قال البابا فرنسيس. وتابع قداسته أنّنا إن أردنا مصالحةً بالفعل فلنرفع نظرتنا إلى يسوع المصلوب، فعلى شجرة الصّليب يتحوّل الألم إلى محبّة، الموت إلى حياة، وخيبة الأمل إلى رجاء. وشدّد على أنّ المصالحة هبة تنبع من المسيح المصلوب، سلام يأتي من قلب يسوع، نعمة يجب أن نطلبها.

تحدّث الأب الأقدس بعد ذلك عن جانب آخر للمصالحة مذكّرًا بحديث بولس الرّسول عن أنّ يسوع قد صالحنا، بواسطة الصّليب، في جسد واحد. وتابع البابا أنّ هذا الجسد هو الكنيسة، إنّها جسد المصالحة الحيّ، ولكن عندما نفكّر في الألم الّذي اختبره كثيرون في المدارس الدّاخليّة فلا يمكن إلّا أن نشعر بالخجل، قال البابا مشيرًا إلى أنّ هذا حدث حين ترك المؤمنون أنفسهم ليصبحوا دنيويّين، فبدلاً من العمل من أجل المصالحة فرضوا نموذجهم الثّقافيّ. وذكَّر البابا هنا بأنّ الله لا يفعل هذا، لا يفرض ولا يخنق ولا يظلم، بل يحرّر ويترك الأشخاص أحرارًا. وشدّد البابا فرنسيس على ضرورة ألّا تتكرّر مثل هذه الأمور في الكنيسة، ألّا يتكرّر أن يكون هناك مَن يفكّرون في أنفسهم بدون التّفكير في الآخرين. فليعلن يسوع بالشّكل الّذي يريده، قال البابا، بالحرّيّة والمحبّة. وتابع: فلا يكن كلّ شخص مصلوب نلقاه حالة يجب حلّها، بل ليكن أخًا أو أختًا يجب أن نحبّه أو نحبّها.

وفي ختام حديثه ذكَّر البابا فرنسيس بأهمّيّة السّير معًا، وبأنّ الله يسير معنا ويحب أن يلتقي بنا معًا، الله هو إله قرب، ويعلّمنا في يسوع لغة الشّفقة والحنان. وأضاف أنّ الله يسكن كنيستنا ويريدها أن تكون بيتًا للمصالحة."