الفاتيكان
27 آذار 2020, 12:50

البابا يكشف من يقف وراء "التّعنّت"

تيلي لوميار/ نورسات
أعرب البابا فرنسيس عن امتنانه للّذين يفكّرون بالآخرين في هذه المرحلة الصّعبة، خلال قدّاسه الصّباحيّ في كابيلا القدّيسة مرتا، فقال بحسب "فاتيكان نيوز": "لقد بلغتني خلال هذه الأيّام أخبار حول كيف أنّ العديد من الأشخاص قد بدأوا يقلقون بشكل عامّ من أجل الآخرين ويفكّرون بالعائلات الّتي لا تملك الكافي لكي تعيش وبالمسنّين الّذين يعيشون وحدهم وبالمرضى في المستشفيات، ويصلّون من أجلهم ويعملوا لكي يقدّموا لهم بعض المساعدة... هذه أيضًا علامة جيّدة. نشكر الرّبّ لأنّه يولّد هذه المشاعر في قلوب مؤمنيه".

ثمّ تأمّل البابا بسفر الحكمة وإنجيل يوحنّا، فقال: إنّ تعنُّت الّذين كانوا يريدون قتل يسوع كان من عمل الشّيطان، لأنّه وراء كلّ تعنُّت مدمّر هناك الشّرير على الدّوام. ولا يمكننا أن نناقش الذّي يتعنّت، بل يجب أن نبقى صامتين على مثال يسوع الّذي اختار الصّمت والألم. إنّه الأسلوب الّذي ينبغي علينا اتّباعه أيضًا إزاء لحظات التّعنُّت الصّغيرة اليوميّة والثّرثرة.

تشكّل القراءة الأولى نوعًا من السّرد المسبق لما سيحصل ليسوع. إنّها نبوءة. تبدو وصفًا تاريخيًّا لما سيحصل فيما بعد. ماذا قال المنافقون: "لنَكمُنْ للصِّدّيق فإِنَّه ثَقيلٌ علينا يُقاوِمُ أَعمالَنا، وَيُقَرِّعُنا على مخالَفتِنا للنّاموس، وَيَفضَحُ ذُنوبَ سيرَتنا. يزعُمُ أَنَ عِندَه عِلمَ الله وُيسميِّ نَفسَه ابنَ الرَّبّ. وقد صارَ لنا عَذولاً حَتّى على أفكارِنا: بل منظره ثَقيلٌ عَلينا؛ لأَنَّ سيرَتَه تُخالِف سيرَةَ النّاس وسُبُلَه تُباين سبلهُم... فإِنّه إن كانَ الصِّدّيق اْبنَ اللهِ فهو يَنصُرُه وُينقِذُه مِن أَيدي مُقاوِميه". لنفكّر فيما كانوا يقولونه ليسوع على الصّليب: "إن كنت ابن الله إنزل عن الصّليب، وليأتِ هو ليخلّصك". من ثم انتقلوا إلى العمل: "فلنمتَحِنْه بالشَّتْمِ والعَذاب لِكَي نعلم حِلمَه ونَختَبِرَ صَبرَه. ولِنَقضِ علَيه بِأَقبَح مِيتَة، فإنَّه سيُفتَقَدُ كما يَزعَم". إنّها نبوءة لما قد حدث فعلاً. ويقول لنا الإنجيل: لقد كان اليهود يسعون لقتله "فأَرادوا أَن يُمسِكوه، ولكِن لم يَبسُطْ إِلَيه أَحَدٌ يَدًا، لأَنَّ ساعتَه لم تكُن قد أَتَت.

هذه النّبوءة مُفصّلة جدًّا، إنَّ مُخطّط عمل هؤلاء الأشخاص الأشرار يحتوي جميع التّفاصيل ولا ينسى شيئًا: "فلنمتَحِنْه بالشَّتْمِ والعَذاب لِكَي نعلم حِلمَه ونَختَبِرَ صَبرَه. ولِنَقضِ علَيه بِأَقبَح مِيتَة..." هذه ليست مجرّد كراهيّة بسيطة بل كان هناك مخطّط عمل شرّير. هذا الأمر يُسمّى تعنُّت. وعندما يكون الشّيطان خلف التّعنّت يسعى دائمًا إلى الدّمار ولا يوفّر الوسائل. لنفكّر في بداية سفر أيّوب الّذي هو نبويٌّ: لقد كان الله راضيًا على أسلوب حياة أيوب، فجاء الشّيطان إلى الله وقال له: "هَلْ مَجَّانًا يَتَّقِي أَيُّوبُ اللهَ؟ أَلَيْسَ أَنَّكَ سَيَّجْتَ حَوْلَهُ وَحَوْلَ بَيْتِهِ وَحَوْلَ كُلِّ مَا لَهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ؟ بَارَكْتَ أَعْمَالَ يَدَيْهِ فَانْتَشَرَتْ مَوَاشِيهِ فِي الْأَرْضِ. وَلَكِنِ ابْسِطْ يَدَكَ الْآنَ وَمَسَّ كُلَّ مَا لَهُ، فَإِنَّهُ فِي وَجْهِكَ يُجَدِّفُ عَلَيْكَ". فسلبه الشّيطان أوّلاً خيوره ومن ثمّ أخذ صحّته ولكنَّ أيّوب لم يجدّف على الرّبّ. فماذا فعل الشّيطان أصرّ وأصبح أكثر تعنّتًا. وراء كلِّ تعنّت نجد الشّيطان المستعدّ ليدمّر عمل الله. وخلف كلّ نقاش وعداوة نجد الشّيطان أيضًا بتجاربه المعتادة. وبالتّالي لا يجب أن نشكَّ أبدًا أنّ خلف التّعنُّت هناك الشّيطان على الدّوام. لنفكّر بموقف الشّيطان إزاء يسوع وإنّما أيضًا في اضطهادات المسيحيّين وكيف بحث عن الأساليب الأكثر تمرُّسًا لكي يُبعدهم عن الله. وهذا ما نسمّيه في أحاديثنا اليوميّة العمل الشّيطانيّ، نعم هذا هو الذّكاء الشّيطانيّ.

لقد أخبرني بعض أساقفة أحد البلدان الّذي عاش ديكتاتوريّة نظام ملحد وصل به الأمر إلى أصغر التّفاصيل في الاضطهادات، فكانت المعلّمات في المدارس يوم الاثنين بعد عيد الفصح يسألنَ التّلاميذ: "ماذا أكلتم أمس؟" فكان التّلاميذ يخبرونهنَّ عمّا أكلوه على طعام الغداء، وكان البعض يقولون أنّهم أكلوا البيض، فيكتشفنَ أنّهم مسيحيّين ويتمُّ اضطهادهم مع عائلاتهم. لقد وصلت الأمور إلى هذا الحدّ بالتّجسُّس وحيث كان يكون هناك مسيحيّ كان يُقتل. هذا تعنّت في الاضطهاد وهذا هو أيضًا من الشّيطان.

وماذا علينا أن نفعل في لحظات التّعنُّت؟ يمكننا أن نفعل أمرين فقط: بالطّبع لا يمكننا مناقشة هؤلاء الأشخاص لأنّهم متشبِّثون في أفكارهم، أفكار قد زرعها الشّيطان في قلوبهم. وقد سمعنا أيضًا ما هو مخطّط العمل لديهم. وماذا يمكننا أن نفعل؟ ما فعله يسوع أن نصمت. يؤثّر فينا عندما نقرأ هذا الإنجيل أن يسوع وأمام جميع الاتّهامات الّتي وُجِّهت إليه لم يتكلّم. وإزاء روح التّعنّت كان هناك صمت وحسب بدون أيّ تبريرات. فيسوع قد تكلّم وشرح ولكن عندما فهم أنّ الكلام لا ينفع اختار الصّمت. وبالصّمت عاش يسوع آلامه. إنّه صمت الصّدِّيق إزاء التّعنّت. وهذا الموقف يصلح أيضًا إزاء لحظات التّعنُّت الصّغيرة اليوميّة وعندما يشعر المرء أنّ هناك ثرثرة حوله وضدّه فيبقى صامتًا ومن ثمَّ تظهر الحقيقة... علينا أن نصمت ونواجه تعنّت الثّرثرة. الثّرثرة هي أيضًا تعنّت اجتماعيّ في المجتمع والحيّ ومكان العمل. إنّه تعنّت قويّ يهدف لتدمير الآخر لأنّه يزعجني.

لنطلب من الرّبّ نعمة أن نكافح ضدّ الرّوح الشّرير، وأن نناقش عندما يكون علينا أن نناقش وأن نتحلّى إزاء روح التّعنًّت بالشّجاعة لنصمت ونترك الآخرين يتكلّمون. كذلك إزاء لحظات التّعنُّت الصّغيرة اليوميّة والثّرثرة ونترك الآخرين يتكلّمون فيما نبقى بصمت أمام الله".

وفي الختام، منح البابا البركة للمؤمنين داعيًا إيّاهم إلى المناولة الرّوحيّة تالين هذه الصّلاة: "يا يسوعي أنا أؤمن بأنّك حاضر حقًّا في سرّ القربان المقدّس. أحبُّك فوق كلِّ شيء وأرغب في أن تسكن في نفسي. وإذ لا يمكنني أن أتناولك بشكل أسراريّ تعال إلى قلبي بشكل روحيّ؛ ومتى أتيت سأعانقك وأتّحد بك بكلِّيَتي، فلا تسمح أبدًا لشيء بأن يفصلني عنك."